«الإبل في الإمارات» (مركز زايد للتراث) لفاطمة المنصوري إحدى أبرز الموسوعات التي صدرت أخيراً عن الإبل، تجمع ما بين البحث في المصادر التاريخية والزيارات الميدانية، والبحث العلمي التطبيقي.

لم يكن الجمل العربي وسيلة الحل والترحال عبر الفيافي والقفار، بل هو وحده الذي تحمل قسوة الصحراء وشظف الحياة مع الإنسان العربي، فنشأت بينهما ألفة ومودة وكفاح وجود، وتحوّل من مجرد سفينة صحراء إلى رمز للقوة والصبر، ما حدا بالإنسان العربي إلى مخاطبته شعراً فصيحاً، مشيداً بقوته، مفضياً إليه بهمومه وأشجانه، هذا ما يفسر لنا قول العرب: «إن النظر إلى الإبل عبادة، والتعامل معها عظة وعبرة، وفي ركوبها عزة، وفي أنوفها الشموخ والكرامة والإباء».

Ad

توضح المنصوري في الفصل الأول «المواطن الأصلية للإبل» أن الإبل العربية ذوات السنام الواحد وجدت في البداية في جنوب الجزيرة العربية، تحديداً في منطقة حضر موت.

عملية استئناس هذا النوع من الإبل كانت سهلة، لأن الجمل العربي يفتقد الى الأعداء الحقيقيين من الحيوانات الأخرى، إضافة الى اعتماده في شربه على مصادر مياه محدودة في الصحراء، ما جعله أكثر قرباً من الإنسان، وبمجرد استئناسها بدأ العرب يستفيدون منها في مختلف أوجه حياتهم سواء للغذاء أو كوسيلة لحمل الأمتعة أو كوسيلة اتصال.

كفاءة

في الفصل الثاني تؤكد الكاتبة أن ثمة شواهد كثيرة على وجود الإبل في دولة الإمارات منذ القدم، أبرزها العثور على عظام ضمن المقابر في مواقع أثرية كثيرة في الدولة، كجبل البحايص الذي يقع في أقصى جنوب الذيد وفي جزيرة غناضة، إحدى الجزر التابعة لإمارة أبو ظبي، بالإضافة إلى منطقة هيلي في العين وشمل في رأس الخيمة.

وتطرقت الكاتبة إلى أن الإبل حازت على أهمية كبيرة في المنطقة، وهذه الأهمية لم تأت من فراغ بل كانت انعكاساً لوظائف أدتها هذه الحيوانات بكفاءة عالية في مجالات متنوّعة منها مجال النقل، الإنتاج، الحرب، الثقافة والفكر.

تتميز دولة الإمارات العربية المتحدة بسلالات عريقة من الإبل يرجع نسبها إلى إبل سعودية أو عمانية، تنقسمان إلى سلالتين رئيستين: الحزميات وهي كبيرة الحجم وخفها كبير، يغلب عليها اللون الأسود وتصلح لإنتاج اللحوم والحليب، و{العربيات» أو الإبل العمانية وتتميز بأنها أفضل السلالات التي تُستخدم في السباق والركوب، وأفضل السلالات التي تتفرع منها «الباطنية» وأشهرها «مصيحان»، وتتفرع منها سلالات أخرى مثل «صوغان» الذي يتميز بطول قامته وسرعته، بالإضافة إلى «ظبيان» المتميزة باللون الأصفر الفاتح المائل إلى البياض، وتتفرد عن سواها أنه كلما تقدمت بالعمر ازدادت قدرتها على الركض، ناهيك عن «الخمري» المعروفة بطول شعرها وكثافته وبلونه الأصفر الفاتح.

يتضح أن المنطقة العربية تحتوي على مجموعة كبيرة من السلالات الأصلية، فبدو المنطقة حافظوا على أنساب الإبل ولم يدعوا مجالاً لإناث الإبل بأن تتأثر بفحول غير معروفة.

في الفصل الثالث «أمراض الإبل»، تبرز الكاتبة الأمراض الشائعة لدى الإبل في صحراء الإمارات، ولعل أبرزها أمراض الرأس وأمراض العيون وأمراض الأنف والأمراض الجلدية.

أفردت الكاتبة الفصل الرابع لتتناول «الإبل في الأدب الشعبي الإماراتي»، فقد كان الأدب الشعبي بما يحمله من فنون قولية متمثلة في الأشعار والحكايات والألغاز، وسيلة التعبير الأولى عن الحياة الثقافية الشعبية السائدة في الدولة سابقًا، وظهر ذلك جلياً في تناول الإبل في الأمثال الشعبية الإماراتية، إلى أن وصل الأمر إلى القول إن البدوي لم يترك شيئاً في الإبل أو ما يتصل بها أو بأخبارها إلا وتمثل به.

والملاحظ أن معظم الأشعار الإماراتية احتوى على أشعار خاصة بالإبل، بالإضافة إلى أن مجموعة من الألحان كانت تُردد على ظهور هذه الحيوانات خلال السفر والترحال، ناهيك عن حضورها في الحكاية الشعبية الإماراتية، والتي ركزت على موضوع وفاء الإبل لأصحابها.

شكلت هذه النماذج الأدبية قطعة فنية تؤكد للجميع مدى الدور المحوري الذي أدته الإبل في حياة أهل المنطقة قديمًا، فقد كانت لا تستقيم الحياة في الصحراء من دون هذا المخلوق الذي كرمه الله في مواطن عدة.

تنتقل الكاتبة إلى الفصل الخامس والأخير «مظاهر الاهتمام الرسمي بالإبل في دولة الإمارات»، الذي انطلق من فكرة محورية وهي ما تعيه الإمارات من دور محوري تمارسه الإبل في الحياة، ووفاءً لهذا الدور كان الاهتمام البالغ بهذا النوع. وتتطرق الدراسة إلى أقسام كثيرة تبرز الاهتمام الإماراتي بالإبل، وأبرزها خدمات تقدمها دوائر الزراعة والثروة الحيوانية.