تعتبر تلك القصص المصوَّرة نداءً بعيداً كل البعد عن «الرجل العنكبوت» و{الرجل الأخضر الخارق». ها هو جيل جديد من روائيي القصص المصوَّرة يستخدم الصراع في العراق لاكتشاف علاقة الولايات المتحدة مع باقي دول العالم ومع نفسها. يقوم ماتي روث، أحد المتدربين الشبان في مجال الصحافة الصورية، برحلته الأولى إلى منطقة تدور فيها حرب مع الشهير فيكتور فيرغوسن (الذي يُعرف عنه معارضته) من شبكة Liberty News الإخبارية. لكن بعد وقت قصير من هبوط المروحية التي كانا على متنها، يتعرض الفريق للهجوم، فيضطر ماتي إلى مراقبة المروحية وهي تقلع وفيرغوسن من دونه، لتنفجر بعد ثوان في السماء، تاركةً ماتي ضائعاً ووحيداً في أرض مدينة مهجورة. في بغداد يا ترى؟ لا، في جزيرة مانهاتن، التي تعرف بمنطقة حظر النشاط العسكري أو DMZ. تلك هي الافتتاحية المتفجرة لسلسلة من القصص المصوَّرة، بعنوان DMZ، من تأليف براين وود الذي يعمل في مجلة نيويوركر، وتعتبر السلسلة النموذج الأمثل للصرعة المتنامية للكتب والروايات المصورة، التي تتحدث عن حرب العراق أو تأثرت بها. ظهرت سلسلة DMZ في العام 2005، وتنشر اليوم نسخة جديدة منها أكثر تطوراً. يخبر وود فيها قصة مدينة دمرتها الحرب من خلال عيني ماتي روث، في الوقت الذي يبدأ فيه الصحافي التائه بالتعرف إلى منطقة حظر النشاط العسكري وسكانها. تدور القصة في نيويورك، عقب حرب أهلية أميركية ثانية غير مبررة بشكل واضح، لكنها بالطبع تمثيل غير مباشر لمعركة حقيقية مروّعة تدور في مدينة أخرى. يقول وود مفسراً: «شرعت في كتابة سلسلة DMZ بعد وقت قصير من اندلاع حرب العراق في العام 2003. أذكر أنني فكرت في أنه من المستحسن أن أباشر في هذا الكتاب وأستعجل في كتابته، لأن الحرب ستنتهي قريباً. تخوّف المحرر الذي أتعاون معه من ألا يعرض موضوع الكتاب أية أفكار حديثة. ما من شك في أننا كنا على خطأ، فعندما صدر قلقت من أن أتلقى رسائل بريدية تعبّر عن الكره، أو أصادف أشخاصاً يقولون لي إنني لا أتمتع بحس القومية الأميركية، لكن عندما وضع الكتاب في دور البيع، أجمع معظم الناس على رأي واحد، إذ كانوا مناهضين للحرب. بعد وقت قصير، بدأت روايات مصورة تنتقد الحرب تبصر النور، والآن يبدو الأمر وكأننا نعظ الجمهور». غالباً ما يُستحث التحالف المعادي الواسع للثقافة في الولايات المتحدة بدافع الامتعاض عند تغطية مراكز الإعلام التقليدية الإخبارية الصراع في العراق وآثاره. في مناخ مماثل، تزدهر الكتب المصورة عبر عكس حالة الجمهور السيئة، وتتخطى بأشواط منافساتها في القطاعات الإبداعية. في الوقت الذي استغرق فيه الكتاب ومخرجو الأفلام وقتاً لإعداد ردود خيالية على الحرب، تعتبر الكتب المصورة شكلاً فورياً نسبياً لهذه الردود. نظرياً، يقول وود: «بإمكانك تأليف كتاب مصور ورسمه ورؤيته في دور البيع بعد ثلاثة أشهر، لكن الفيلم قد يتطلب سنوات». Captain Americaيقول آدم روجرز، رئيس قسم الكتب المصورة في أكبر متجر بيع بالتجزئة في لندن Forbidden Planet: «خصصت الكتب المصورة منذ وقت طويل للأطفال. مع مرور الوقت، راح الأشخاص الذين يقرأونها يكتبونها، وهم الآن ينتجون قصصاً لأنفسهم ولأشخاص ينتمون إلى الفئات العمرية ذاتها. أنشأت كبرى دور النشر، على غرار «مارفل» و{دي سي»، شركات فرعية ثانوية تسمح للمبدعين فيها بإنتاج مواد قد لا تكون مقبولة عادةً لأعمالها المكتوبة التقليدية، فلدى «مارفل» شركة «أيكون» ولدى «دي سي» شركة «فيرتيغو» التي تنشر كتاب DMZ». يبدو أن منشورات مارفل التقليدية لم تصب هدفها عندما تطرقت إلى ما يسمى «الحرب على الإرهاب»، فعلى غلاف العدد الأول من الكتاب المصور Captain America في العام 1941، ظهرت الشخصية الوطنية لمارفل (كانت تعرف آنذاك بـ{تايملي كوميكز») وهي توجه لكمة إلى وجه هتلر، في الأشهر التي سبقت حادثة ميناء «بيرل هاربر»، كان ذلك بياناً جريئاً وذي بصيرة، لكن عندما أرسلت شركة مارفل هذا الكتاب إلى أفغانستان في العام 2002، لقيت القصة التي يهاجم فيها الأبطال الإرهابيين سخريةً وازدراءً من قبل القرّاء. في عالم حيث أهوال الحرب تعرض يومياً على شاشة التلفاز، تفتقر فكرة البطل الخارق المغطى بلباس مطاطي والذي يطارد أسامة بن لادن أو خلفاءه إلى حدة الذهن الضرورية. خاب أمل بول غابماتشيني، الخبير في القصص المصورة والصوتيات، برد فعل الناشرين الرئيسين تجاه الحرب في العراق. يشرح قائلاً: «الأمر شاق على شركتي «دي سي» و{مارفل»، لأنهما لا تريدان الضرر بعلاقتيهما مع الحكومة. في النهاية، «دي سي» هي ملك لشركة «تيام وارنر» التي تملك شبكة «سي أن أن» أيضاً. في ستينات القرن العشرين، كان الرجل الحديدي خطوة خطيرة بالنسبة إلى «مارفل»، لأنه كان الشخصية الوحيدة المحافظة بطبيعة الحال، لكن «مارفل» راهناً شركة محافظة جداً». يضيف غابماتشيني: «من جهة أخرى، سيتمنى المبدعون رواية قصص معادية للحرب فحسب، لأن 90% على الأقل منهم كانوا من المؤكد مناهضين لها، لهذا السبب تُنتج الكثير من الكتب التي تتناول موضوع العراق بشكل مستقل، لكن شركة «فيرتيغو» كيان منفصل بما يكفي لكي لا يشكل كتاب DMZ جزءاً من منشورات «دي سي». لسوء الحظ، يظهر فشل الكتب المصورة التقليدية في التأثير في هذه المسألة، مدى استخدام وسائل الإعلام الأميركية لدعم الحرب، الآن، تبدو جميعها غبية، لأنها كانت كذلك». Combat Zoneمن المنشورات الأخرى لـ «مارفل» في مجال الحرب على العراق كتاب Combat Zone، وهو عبارة عن مجموعة من القصص الحقيقية لحياة الجيش من خلال تجربة الصحافي كارل زينسمايستر، أنتج هذا المحافظ الجدي، الذي أصبح لاحقاً كبير مستشاري السياسة المحلية لدى الرئيس بوش، رواية مصورة أظهرت الجنود الأميركيين بطابع بطولي متناسق، مع قيام أحد أعضاء الفصيلة المركزية في النهاية بالتضحية من أجل رفاقه. يتبع كتاب Combat Zone التقليد عينه على غرار الروايات البطولية التي اكتسحت في السابق صفحات كتب Commando ،Our Army at War ،Sgt Rock التي تطرقت إلى حياة الجندية خلال الحربين العالميتين وبعدهما. لكن حتى المراهقين الحاليين يعون جيداً أن التعظيم الحماسي للصراع هو أبعد ما يكون عن الحقيقة الكاملة ويأتي رد الناشرين وفقاً لذلك. نشرت شركة «دي سي»، على سبيل المثال، كتاباً يهجو الحياة في الحرب وهو Army @ Love، الذي تدور أحداثه في البلد الخيالي «أفباغستان» ويصور أجزاءً كبيرة من العلاقات الجنسية على أرض المعركة. يفسر روجرز قائلاً: «سنخزن مجموعات من الكتب المصورة القديمة لـ Commando، لكنها بمثابة دعايات إذ تعظم فكرة تدمير العدو. في المقابل، ينتج الكتاّب الجدد المزيد من الأعمال المعقدة على غرار غارث إينيس، الذي كتب سلسلة بعنوان War Stories تدور أحداثها خلال الحرب العالمية الثانية وتتابع جيوشاً عدة. هناك قصة على سبيل المثال حول طاقم دبابة ألماني وأخرى حول طاقم بريطاني يعمل في الطائرات الحربية وحول كيفية تفاعلهما مع تجربة الحرب». War Fixفي الوقت عينه، يعتبر كتاب War Fix من تأليف ديفيد أكس رواية ذاتية لجولاته الست بصفته صحافياً محاصراً يعمل مع الوحدات العسكرية في العامين 2005 و2006. تظهر الرواية، هي بمثابة سيرة ذاتية قاسية تتناول مشاركة الكاتب المقلقة في القتال، الصحافي يستخف بعلاقاته ومهنته وحياته في الوقت الذي يتابع فيه البحث عن آخر مخرج من أرض المعركة. في الوقت الذي تصور فيه السيرة الذاتية لأكس مؤلفها في دور جوهري، أصبح الصحافيون أداةً خيالية شعبية لمؤلفي الكتب المصورة أيضاً، في بحثهم عن شخصية رئيسة تفتقر إلى مزايا البطولة. يقول براين وود: «ثمة ما يجذب ويؤثر في قصة صحافي يعيش الحرب، يجازف الصحافيون بحياتهم لكتابة قصص والتقاط صور، هذا عمل شبه بطولي. بصفتهم أداةً في إخبار القصة، يمكن الاستعانة بهذه الشخصيات العظيمة لأنها تشهد كل حدث بالنيابة عن القراء، فهم بدلاء عن القراء وأعتقد أنهم اعتادوا على ذلك. تأخذ وسائل الإعلام راهناً حيزاً كبيراً من أي حرب تدور، أشغّل التلفزيون الآن وأجد سبع قنوات تغطي أخبار الحرب، قد أشاهدها كما لو أني أشاهد برنامجاً تلفزيونياً. يبدو كأن الحرب والإعلام متلازمان راهناً». في كتاب Phantom Jack، رواية مايكل سان جياكومو التي تتضمن أحداثاً دموية وتتناول قصة مراسل يصبح غير مرئي عقب حادث صناعي، يذهب الصحافي إلى العراق بحثاً عن قصة وعن أخيه المجند، هناك يكتشف الفظائع وتتسنى له فرصة قتل صدام حسين. أما قصة Shooting War لأنطوني لابي ودان غولدمان، فتقع أحداثها في العام 2011، حين تغادر معظم الشبكات الإخبارية البارزة العراق للتركيز على التفجيرات الإرهابية في وطنها في الولايات المتحدة. يصبح جيمي بيرنز نجماً إعلامياً عن غير قصد على غرار ماتي روث، عندما تُعترض إحدى مدوناته الشائعة، التي تتضمن شريطاً مصوراً بشكل حي، بانفجار أحد فروع ستارباكس المحلية وراءه. جعله هذا الشريط محط انتباه وسائل الإعلام، وأرسل مباشرةً إلى العراق، كمراسل ينقل أحداث الحرب الجارية. سرعان ما استخدم جيمي كأداة للدعاية من قبل الشبكة الإخبارية التي يعمل لديها والشبكة الإرهابية الناشطة التي تدعو نفسها «سيف محمد». DMZShooting War ليس الكتاب الوحيد الذي يعبر عن الشكوكية المستمرة تجاه الشركات الرائدة في الإعلام التقليدي. في كتاب DMZ، غالباً ما يجد ماتي نفسه في صراع مباشر مع شبكة Liberty News، وهي الشبكة الإخبارية المعارضة حيث يعمل. يقر براين وود بأن الشبكة هي نسخة مستترة عن شبكة Fox News. يقول: «شبكة Liberty News هي نسخة عن Fox News، لكنني قمت بخطوة كبيرة إلى الأمام في هذا الصدد لتبدو شبكة Liberty News والحكومة الأميركية كياناً واحداً. تعمدت إلغاء ذلك الفاصل بينهما، فشبكة Liberty News تضم جنوداً يرتدون الزي العسكري في غرف الشبكة. مزجت بين الكيانين لكي لا تعرف أين ينتهي الأول وأين يبدأ الآخر. عندما خطرت لي هذه الفكرة، فكرت في أن ذلك طريق اللاعودة، لكنني سأقوم به في جميع الأحوال. في الآونة الأخيرة، نقلت الأخبار أن الجنرالات والأميرالات المتقاعدين الذين وظفوا من قبل الشبكات الإخبارية أدرجوا سراً على لائحة الرواتب والأجور في وزارة الدفاع. دُفع لهم ليكونوا على ما يفترض هؤلاء، المحللين المتقاعدين والموضوعيين. ما زال ذلك بعيداً عما ذكرته في الكتاب، لكنها خطوة كبيرة إلى الأمام». يشار إلى أنه في المستقبل القريب غير المحدد بوضوح في قصة DMZ، قسمت الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية بين القوات الحكومية وجيش الولايات الحرة المتمرد، الذي سيطر جنوده وعقائديته على جزء كبير من الأراضي في البلاد. مانهاتن واقعة بين الطرفين، إذ إنها مأهولة بسكان مدنيين ساخطين، وعرضة لتمردات عنيفة من كلا الجيشين وتعيش في خوف من نقابات الجرائم المحلية ومباغتات القناصين. يعتبر الكثير من عناصر القصة شائعًا بشكل متعمد. تحمل شركة تراستويل الفاسدة التي تتعهد إعادة إعمار المدينة أكثر من مجرد وجه شبه عابر مع شركة هاليبيرتون. يقول وود إن آثار إحدى المجازر البغيضة مقتبسة من نتائج مجزرة نوفمبر (تشرين الثاني) في العام 2005 في مدينة حديثة واقعة غرب العراق. Pride of Baghdadيعتبر كتاب Pride of Baghdad لبريان ك. فوغان الرواية المصورة الأكثر نجاحاً في تناول الحرب في العراق، من الناحيتين النقدية والتجارية، على الرغم من أنها مختلفة بعض الشيء عن رواية DMZ. افتتح فوغان قصته بنبأ هروب مجموعة من الأسود من حديقة حيوانات في بغداد خلال الأسابيع الأولى من الحرب، لتُقتل لاحقاً برصاص الجنود الأميركيين. تتضمن رواية فوغان التي تعزو الصفات البشرية إلى الحيوانات وتتحدث عن مهمات الأسود ومصادفاتهم مع حيوانات أخرى في شوارع بغداد في تلميحات إلى الأسد الملك (The Lion king) في ديزني، وتمتزج مع إضافات أكثر جدية من رواية Maus المصورة حيث يعيد مؤلفها آرت سبيغلمان صياغة الهولوكوست مع تصوير اليهود على شكل فئران والنازيين على شكل قطط. تبتهج الأسود أولاً بإحساس الحرية الذي لم تعتد عليه، لكنها سرعان ما تدرك أن وضعها الجديد أكثر تعقيداً وفوضوياً من ذلك الذي تكيفت معه. من ناحيته، يقول فوغان: «بواسطة الخيال، يمكن للمشاهدين مراقبة الأهوال اللامتناهية التي تصيب البشر وحتى الأطفال منهم. ضع كلباً في حالة من الخطر وشاهد الناس يهربون أفواجاً. على نحو مماثل، أعتقد أنه من الصعب على المرء الأكثر تعاطفاً الشعور بصدق بالضحايا المدنيين في الحروب الخارجية التي نشاهدها على شاشة التلفزيون، لكن على نحو غريب، يسدّ الكثير منا بطريقة ما تلك الفجوة العاطفية عند رؤية معاناة حيوانات بريئة. أردت أن أكتب عن الحرب من منظور المدنيين، وبما أن الحيوانات تتخطى العرق أو العقيدة أو الجنسية، فجعلهم الأبطال الوحيدين يسمح لنا بإخبار قصة متصلة عالمياً». يكتب فوغان نص Lost أيضاً، وهو برنامج تلفزيوني ناجح يفتتح بتحطم طائرة تعيد إلى ذاكرتنا بشكل كبير هجوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ويصور أحد المحاربين القدامى في حرب العراق من ضمن أبطاله. كان الكاتب يعيش في نيويورك في العام 2001 وشاهد برجي التجارة العالميين يتداعيان من سطح شقته في بروكلين. يقول: «أعتقد أن رد فعل الكتب المصورة أصبح أكثر ارتباطاً بالسياسة على مدى السنوات الماضية». يضيف: «منذ 11 سبتمبر (أيلول) وهذه البلاد (أي الولايات المتحدة) تعيش في ذعر شديد يمكن فهمه، وعندما نخاف نحن الناس، نحب أن نشعر بأننا محاطون بأبطال يقودوننا. أنت لا تحتاج سوى إلى مشاهدة بوش في بزة الطيران العسكرية، أو كيري في خدمته في فيتنام أو «الترمينايتور» ينتخب حاكم كاليفورنيا. لكن هل من وجود حقيقي للأبطال، أم أنهم من نسج خيالنا؟ على مدى الأعوام الخمسين الماضية، لم تكتشف أي وسيلة إعلام ذلك السؤال أكثر من الكتب المصورة، لذا من الطبيعي أن نعود إليها في هذه الآونة».
توابل - EXTRA
العراق... قصص مصوّرة تحكي أبطال الحرب وفظاعاتها
04-08-2008