عناقيد النور، والأعلام الملونة، والقلوب والعيون المرسومة بالطلاء الأحمر، وجميع أشكال الزينة المبهجة فوق المركب النيلي الخشبي ذي اللون الأبيض، لا تستطيع منافسة ابتسامة سعادة صافية فوق وجه العريس، ولا تتجاسر على خطف الكاميرا من ثوب الزفاف الأبيض البراق، لعروس شابة، قررت وعريسها أن يحتفلا بليلة العمر في مركب صغير يبحر فوق مياه «النهر الخالد».

هذا المشهد لم يعد بجديد على صفحة نيل القاهرة، التي حولتها الضغوط المالية، والرغبة في توفير نفقات الزفاف إلى «صالة أفراح» مائية، تتنافس فيها المراكب على جذب الأعراس بتخفيض الأسعار، وابتكار العديد من الفقرات المبهرة للحضور، مبارك والباشا والعملاق والريس عمر وعالم البحار، هذه بعض أسماء المراكب النيلية التي ترسو بالعشرات بمحاذاة «كورنيش» النيل بالقرب من ميدان التحرير (أكبر ميادين العاصمة المصرية).

Ad

عدد آخر من تلك المراكب لها أسماء رومانسية وأسطورية مثل «love you، وعلاء الدين، وكليوباترا، وإيزيس»، ولبعضها أسماء شعبية خفيفة الظل مثل «الدلوعة، ومشمش، وأرزاق»، لذا يتفاءل البعض باختيارها لتكون مقر حفل زفافهم، تأسياً بحفلات الأثرياء وعلية القوم من المصريين الذين يقيمون حفلاتهم وسهراتهم في المراكب الفندقية العائمة ذات الخمس نجوم، رغم أن تكلفة حفل زفاف كامل في أي مركب من المراكب النيلية الشعبية بالكاد يعادل ثمن عشاء لشخصين في المراكب النيلية السياحية الفارهة.

ويقول الحاج محمد الشهير بـ «محمد C.D» نسبة إلى اسطوانات الأغاني المدمجة، التي يجيد تشغيلها على المراكب في الحفلات والأفراح، بخلاف السندوتشات والمشروبات الغازية، «أستطيع أن أوفر للعروسين فرحاً بدورين (أي على مركب نيلي شعبي من طابقين) يتسع لنحو 250 شخصاً، مع الكوشة والـ «دي.جي» وجميع الأغاني الحديثة مقابل 1200 جنيه فقط (نحو 220 دولارا)، وتكون مدة رحلة الزفاف 4 ساعات، تبدأ عادة في السابعة وتنتهي في الحادية عشرة قبل منتصف الليل. أما عن أفراح «الدور الواحد» الأكثر شيوعاً فهي ما جعلت من المراكب النيلية أخيراً، قاعات أفراح عائمة صغيرة، تنطلق منها الزغاريد والأغاني، وتدب في أوصالها حرارة التصفيق والرقص، يتسع المجال لمشاركات الأهل والأقارب والجيران في حضور الزفاف، الذين يصل عددهم إلى 50 مدعواً، بتكلفة لا تزيد على 300 - 400 جنيه، على أن يتكفل أصحاب الفرح بتوفير المأكولات والمشروبات حسب القدرة المادية لكل عروسين، بينما يشترك الجميع مجاناً في حق دق طبول الفرح وتنسم هواء النيل، الذي أثبت أنه «يراعي البعد الاجتماعي»، فيوزع المتعة والسعادة على الجميع بالتساوي، الفقير مثل الغني، والكادحون مثل الأثرياء المرفهين، الكل يستطيع أن يعتلي ظهره في أمان ويشق ليل القاهرة بأغنية وضحكة تنطلق من القلب، كطلقات الإشارة الملونة تطير نحو السماء، وترسم قوس قزح في الأجواء، تفاؤلاً بمستقبل سعيد تتحقق فيه الأمنيات.