يروى أن أحد القضاة في العهد العثماني كانت له بغلة شهباء غالية الثمن، وكان القاضي مولعاً بها والحرص عليها، حتى ضرب الناس المثل بتلك البغلة، لكل مظهر فخم، فقالوا: «مثل بغلة القاضي». ثم إن البغلة اعتلّت، في أحد الأيام ونفقت، فأثار موتها حزن القاضي، وأمر برمي جيفتها خارج سور بغداد، وخرج يشرف على الأمر بنفسه، فخرج لخروجه كثير من الناس يسيرون وراء «جنازة» بغلة القاضي، وكان عددهم يوم ذاك، يتجاوز بضعة آلاف. وبعد مدة مرض القاضي مرضاً شديداً ألزمه الفراش، فعين الوالي قاضياً آخر مكانه، وبعد أشهر طويلة توفي القاضي «صاحب البغلة»، وكان قد نسيه الناس لطول العهد بغيابه، والتفوا حول القاضي الجديد، فلما مات القاضي لم يحضر تشييع جنازته إلا بعض الجيران، والأصدقاء المقربين، ثم ذاع ذلك الأمر بين الناس فاستنكروه، لما فيه من رياء وتملق، وقالوا فيه: «ماتت بغلة القاضي مشوا وراها... ومات القاضي محد مشى وراه»، وذهب ذلك القول مثلاً.
هذا المثل ينطبق هذه الأيام على مرشحي مجلس الأمة الذين تجدهم في كل المناسبات التي تخص الناخبين، فإذا تزوج ولد أحد الناخبين تجد باقات الورد تنهال عليه من كل مرشحي الدائرة التي هو فيها ويأتيه المرشحون زرافات ووحدانا يهنئون بالمناسبة السعيدة ويبدون السرور وكأنهم من «أفراد العائلة»، وإذا ما أصاب ولد الناخب ولو جرح بسيط تسابق إليه المرشحون إليه يحمدون الله على سلامته ويبدون استعدادهم لتكفل علاجه في الخارج لأنه «عزيز» عليهم. لكن ما إن تنتهي الانتخابات فإن الحال تنقلب، فلو أن الشخص الذي كان عزيزاً على المرشحين تعرض لمرض خطير فإنه لا أحد من نواب اليوم ومرشحي الأمس يكلف نفسه حتى الاتصال به تلفونياً... هذه هي حال النفاق والتزلف التي تغلب على سلوك الناس عندما يكون لهم حاجة عند صاحب سلطة.هذا الواقع يجرنا إلى ظاهرة غريبة في الانتخابات وهي إدمان النواب السابقين وكثير من المرشحين على الترشيح مراراً وتكراراً وكأنهم ما خلقوا إلا ليكونوا نواباً في مجلس الأمة. يتملكني الضحك عندما أجد شخصاً يترشح في كل انتخابات ولا ينجح فيها ومع ذلك يصر على الترشح، ويغير مكان ترشحه من دائرة إلى أخرى لعل وعسى، أما النواب فقصتهم قصة، فالواحد منهم يعتقد أن أمر ترشحه «مسؤولية وطنية» وأن عدم ترشحه من قبيل «الفرار عند الزحف»، ومع أن أغلبية النواب يرددون أن عمل النائب شاق ومرهق وأنهم ربما لا يترشحون مرة أخرى، إلا أنهم وبمجرد إجراء انتخابات جديدة سرعان ما تجدهم أول من يسجل اسمه، وربما البعض يعمل بعض «المسرحيات» للقول إنه كان عازفاً عن الترشّح إلا أن دواعي المصلحة العامة وإصرار الناخبين أجبره على الترشح.البعض الآخر من النواب خصوصا من نواب التيارات السياسية يظن أنه مخلد في هذه الدنيا، فهو لا يفكر مطلقاً في ترك كرسي مجلس الأمة، وبالتالي لا وجود في قاموسهم لشيء اسمه تهيئة بديل لهم في المستقبل، وإذا كنا نسمع في السابق عن «القائد الضرورة» فإننا في الكويت أصبح لدينا «النائب الضرورة» الذي إذا لم يترشح ويصل إلى مجلس الأمة فإن الدولة سوف تنهار. وعلى الرغم من كل كلام النواب عن «مشقة» العمل النيابي وعزوفهم عنه، فإنه على ما يبدو أن في كرسي مجلس الأمة مغناطيسا قويا يجذب من يجلس عليه لمرة واحدة لكي يحاول العودة إليه إلى أبد الآبدين.تعليق: تخلي التحالف الوطني الإسلامي عن ضم حسن جوهر إلى قائمته و«الانفتاح» على مجاميع أخرى يطرح تساؤلاً عن معايير اختيار المرشحين للانضمام إلى قائمتهم، ويطرح تساؤلاً أكبر عن مدى صلاحية البوصلة التي يمشي عليها التحالف، وعما إذا كانت البوصلة هذه مازالت تعمل أم أنه أصابها العطب أو الغبش بعد حادثة التأبين. أعتقد أن على التحالف أن يقوم بمراجعة جادة لتجربته الجديدة خلال السنة الماضية، لأن رصيد التحالف مستمر في التآكل، وهو مستمر في السحب من رصيد الإرث السابق، وهذا الرصيد لن يصمد طويلاً أمام السحب المتواصل منه. وفي المقابل نتمنى على د. حسن ألا يوحي بأن هذه الانتخابات هي آخر انتخابات يترشح لها كما فعل سابقاً، حتى لا يضطر إلى تغيير رأيه مرة أخرى في الانتخابات القادمة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
بغلة القاضي عزيزة
28-04-2009