يقول المستشار السابق في محكمتي التمييز والدستورية د. محمد عبدالله إنه حتى يتمكن القاضي من مباشرة عمله بنجاح يحتاج إلى المكان المناسب والمستقل والمريح، لافتا إلى أن القاضي لا يستطيع أن يمارس عمله في مكان مليء بالأفراد، وهو في حقيقة الأمر يحتاج إلى عزلة وتفرغ حقيقي، ففي فترة الستينيات كانت المنازل أكثر من الطلب، وعندما يتقدم أحدهم بطلب منزل كان يصرف له خلال شهر، والاستقلالية في المكان امر في غاية الأهمية لان عمل القاضي برأيي ليس بمجلس القضاء، وإنما في بيت القضاء لانه هو الأساس الحقيقي، حيث كنا نعقد مداولاتنا كهيئات قضائية في بيوتنا، وهو الأمر الذي يدل كذلك على توفير المكان الملائم للقاضي لكتابة الأحكام وتداولها، وهو أمر أطالب به المسؤولين اليوم بأن يوفروا لقضاتنا المساكن المناسبة على وجه السرعة لما لها من أهمية في عمل القاضي. يضيف عبدالله: أن الأمر الآخر الذي يتعين على الدولة الإسراع فيه هي المسائل الخاصة برواتب القضاة والمستشارين والمكافآت المالية التي تخصهم، والتي يتعين إقرارها من دون الرجوع إلى أي لجان أو جهات تطول من أمد الإقرار أو تعرقل الإقرار، لأن هذه الأمور مفروغ منها، فمثلا هناك مشروع بمنح القاضي مكافأة بعد التقاعد، وهذا المشروع كان على أيام المستشارين حمود الرومي وأحمد بوطيبان، رحمهما الله، ولم ير النور حتى الآن. ويبين عبدالله قائلا: إن على المسؤولين حسم القضايا المالية الخاصة بالجهاز القضائي، فهي أمور تدخل في رزق القاضي ولا تحتمل التأخير. وعن رأيه عن نظام التقاضي يقول المستشار عبدالله: «لقد وضعت رأيي في نظام التقاضي في كتاب من واقع عملي في القضاء، وأهم ما يذكر أن يكون مجلس القاضي مشتملا على عدد من رجال العلم والفقه، على أن يحضر هؤلاء لمجلس القاضي ويستمعون إلى مرافعات الخصوم ويساعدون القاضي في إعداد الحكم والرأي، فلو نظرت الآن الى نظام المحلفين فستجده نظاما إسلاميا أصيلا والذي يعهد إلى تقديم الخبرات». واقعوعن رأيه بالتشريعات يقول المستشار عبدالله إن التشريعات باختلاف أشكالها في شؤون الأسرة والتجارة والعمالة والإداري تتطلب إعادة النظر فيها، فمثلا ما يتعلق بالأسرة فإن من وضع التشريع بشأن الحضانة اكتفى بالأخذ بالفقه الإسلامي، وهذا ليس صحيحا، وهذا خطأ فاحش يرتكبه المشرعون ورجال القضاء، لأننا ننظر إلى أحكام وضعت من 1400 سنة ومسائل الحضانة فيها عرف وهي مبنية من 1400 سنة على العرف، ولا يصلح أن يكون مطبقا في هذا اليوم، لأن مذهب الإمام مالك وضع في وقت خاص بالصحابة والتابعين، وهو من خير القرون، وهذا التشريع وضع لخير القرون ولا يصلح أن يطبق لشر القرون. ويضيف عبدالله: أن كل تشريع وضع بناء على عرف يختلف باختلاف العرف ونظام الحضانة المتعلق بالأسرة، كما يجب أن توضع أحكام تطبق مع العصر والعرف السائد، فاليوم تعد الدراسات من مختصين بشأن نظام الزواج وسلوك الأب والام، ومن ثم يتم اختيار المكان الملائم للطفل. علاجوعن رأيه في وجود محكمة للأسرة يقول المستشار عبدالله إن نظام الأسرة تم بحثه قديما والآن نسمعه في الكويت، لافتا إلى أن محكمة الأسرة تحتاج الى معالجين والعلاج يكون لدى المختصين سواء في الجامعة او وزارات الدولة المختلفة، كما يتعين هنا الإشارة إلى حقوق الطفل فلم نشاهد اليوم أي منادين بحقوق الطفل وكيفية التعامل معه، وما أطالب به هو أن يغلق باب الحضانة الآن وتنشئ الدولة لجانا متخصصة مكونة من الجامعيين المتخصصين ومن أعوان رجال القضاء المتخصصين، وتقوم اللجان بإعداد الدراسات الخاصة بالحضانة، مع بيان المكان المناسب للطفل، لأن أمر الحضانة في غاية الخطورة، لافتا إلى حدوث واقعة قديمة مع احد القضاة في مصر عندما طالب بإسقاط الحضانة لابنه من طليقته على الرغم من أنه من الطبقة المليئة والمثقفة، والسبب لان الابن قال لوالده القاضي: «يابه» وهي لغة بلدي لا تتناسب مع وضع القاضي. بيوتوعن تقييمه للقضاء في الكويت يقول المستشار عبدالله إنه يتعين إدخال إصلاحات على مجلس القضاء، فضلا عن ضرورة إدخال نظام المحلفين ليكونوا من أعوان القضاء، وفي الفقه الإسلامي يطلق عليهم مجلس القضاء، كما يتعين أن توفر الدولة البيوت والمنازل للقضاة لكي يتفرغوا جيدا لكتابة الأحكام، فضلا عن إمكان عقد المداولات في منازلهم مع اخوتهم من القضاة الوافدين، وتكون الأحكام صادرة بعد مداولات وبها ثقل وأساس، لذلك يجب أن تكون الأحكام صدرت بعد إتمام المداولة حتى لا يمكن الحديث عن أن القاضي اليوم يكتب «على كيفه». وعن رأيه في التفتيش القضائي يقول المستشار عبدالله: إن مهمة الجهاز هي مراقبة عمل القاضي والأحكام التي يقوم بإصدارها، وبالتالي فإذا ما كان القاضي مقصرا في عمله فقد يؤدي ذلك إلى التأخير في ترقيته، ولكن ما أؤكده هو توفير الامتيازات للقاضي اليوم حتى ينجز ويبدع في عمله ولا تشغله أي أمور، واحرص على جعل ذهن القاضي متفرغا لكتابة الأحكام القضائية، والأمر الآخر فإن القراءة مهمة جدا فالقضاء من دون قراءة لا يمكن الحديث عن نتاج فكري حقيقي، وقضاة اليوم بسبب عدم توافر الإمكانات لا يستطيعون القراءة، في الوقت الذي كنا نحن نتداول في بيوتنا للأحكام. وعن طبيعة حياة القاضي يقول عبدالله: «أنا شخصيا لا أذهب إلى الدواوين وليس لدي نشاط خارجي، وهذا بسبب طبيعة عملي، حتى لا يأتي أي إنسان ويطلب معه الحديث في قضية منظورة لديه، وأنا لدي أصدقاء خارج الجهاز القضائي لم يجرؤا يوما على تقديم هدية لي او حتى يتحدثوا معي بشأن قضية معينة أنظرها. ضغوطوعن تعرض رجال القضاء لضغوط معينة بشأن الاحكام القضائية التي يصدرها يقول عبدالله: إنه لا توجد ضغوط على القاضي ولم أشعر بها يوما من أي مسؤول في المحاكم، فمثلا اذكر أن أحد الأشخاص لديه عدة قضايا إيجارات، ويملك عددا من القسائم، وجاءنا في قضية ثانوية، وفي السابق من يصدر عليه حكم غيابي في القضايا المدنية والتجارية يمكنه عمل معارضة، وبالفعل قام بعمل معارضة للحكم الغيابي الصادر بحقه، لكننا حكمنا فيها بعدم قبول الدعوى لأننا تأكدنا ان الحكم كان حضوريا وليس غيابيا، ثم طعن ذلك الشخص على الحكم أمام محكمة الاستئناف التي بدورها انتهت إلى تأييد حكمنا، وفي حينها كان القضاء على درجتي تقاضي، ولم ينته الأمر إلى هذا الحد بل ذهب ذلك الشخص إلى سمو الأمير الراحل الشيخ صباح السالم، واتصل الديوان برئيس المحكمة حينها قطب عبدالحميد لمعرفة الأمر، فذهب وقال إن من أصدر الحكم هو عبدالله محمد وهو حكم قضائي فما كان من الديوان إلا الرد على ذلك الشخص بأن الامر يخص القضاء، وهذا الموقف يذكرني بتقدير المسؤولين في الدولة للجهاز وعدم التدخل في شؤونه. وعن تأييده لزيادة رواتب القضاة يقول عبدالله: إن الزيادة مطلوبة لرجال القضاء فبعد زيادة رواتب الأطباء فإن الامر يتطلب زيادة رواتب القضاة، لان على القاضي أعباء كثيرة، وبالتالي فالزيادة يتعين أن تكون حقيقية ومجزية.
محليات
المستشار في التمييز و الدستورية محمد عبدالله لـ الجريدة : يجب منح السكن للقضاة لتحقيق العزلة والتفرغ الحقيقي... والإسراع في زيادة رواتبهم
12-01-2009