إذا ما أُخذ في الحسبان سطوة العولمة، والعولمة الثقافية تحديداً، على ما سواها في عالم اليوم، فإنه ليصبح من المشروع البحث عن كل ما يعبّر عن الهوية القومية، وكذلك يصبح من المشروع، نشر وتثبيت صورة القومي وسط العالمي.

Ad

إن وقفة متأنية أمام مدن العالم اليوم، تكشف لنا سعيها الحثيث، في شتى المجالات، إلى تثبيت صورتها/هويتها القومية، في عين أبنائها من جهة، وفي عيون زوارها من جهة ثانية.

وليس أدلّ على ذلك من المعالم التاريخية التي أصبحت كفيلة بالتعريف بمدنها، فتمثال الحرية، أصبح لا يعبر عن مدينة نيويورك وحدها بل عن كل أميركا، مثلما صورة برج «إيفل» تدل على باريس، وساعة «بيغ بن» تحيل إلى لندن، ومبنى الأوبرا، يأخذ الرائي إلى استراليا.

إن الناظر إلى مدينة الكويت، يرى للأسف خلوها من المعالم الثقافية/الفنية التي تستطيع أن تُعرف بها، لذا أصبحت أبراج الكويت، وهي خزانات للمياه، معلماً سياحياً يدل على الكويت في وسائل الإعلام، مع بُعد هذا المعلم عن كل ما هو تاريخي أو تراثي يخص دولة الكويت، وعجزه عن الإحالة إلى أي قيمة رمزية ثقافية كانت أو فنية، تعبر عن ماضي أو حاضر الكويت.

إن الكويت بأبنائها المبدعين، لقادرة على استنباط وصنع معالم فنية كثيرة، تكون أكثر التصاقاً بتاريخ الكويت وأهلها، وأكثر قدرة على التعبير عن الهوية الكويتية، والتعريف بالكويت قديماً وحديثاً، ومن المؤكد أن مثل هذه المعالم ستحمل قيمتها الفنية والثقافية، مثلما تحمل رمزيتها وقدرتها على التعبير عن أهم خصائص المجتمع الكويتي، وبالتالي تكون أقدر على تقديم صورة الكويت إلى المحافل الدولية، وإلى المشاهد والقارئ عبر العالم، خصوصا إذا ما قامت الجهات الإعلامية والثقافية الكويتية بتصدير هذه المعالم.

إن عالماً تحكمه الأقمار الصناعية، والقنوات الفضائية العابرة للقارات، لهو عالم صغير بحق، وهو بالتالي في صراع كبير لتثبيت صورة الخاص الصغير وسط العام الكبير، وفي نحت هذه الصورة بأفضل ما يمكن وليس أقل من معلم وطني يعبر عن الكويت.

إن الناظر إلى الكويت، يراها خلواً من أي ساحات عامة، تكون مكاناً يجذب السياح، مثلما هي خلو من أي معلم يعبر عنها، لذا فإن وزارة الإعلام، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وبلدية الكويت، وجمعية المهندسين، وجمعية الفنون التشكيلية، ووزارة الأشغال، والمكاتب المعمارية والهندسية الكويتية، وجهات أخرى كثيرة معنية بشكل أو بآخر بالبحث عن معلم فني ثقافي يليق بسمعة عن الكويت، هي معنية بالبحث عن ميدان أو ساحة تشكل قبلة للسائحين، وتكون قادرة على ترجمة عوالم الكويت بشكل فني ناطق، يُغني عن لغة الكلام ويحيل إلى لغة الفن العالمية.

لقد قطع الفنان التشكيلي الكويتي، باعاً طويلاً في رحلته الإبداعية الفنية، وكان ولايزال حاضراً في المحافل الفنية العربية والعالمية، بشكل يدعو إلى الفخر والاعتزاز، لذا فإن تشكيل لجنة وطنية تكون مهمتها اختيار ساحة أو ميدان لإقامة تمثال أو معلم فني وطني، ووضع معايير وشروط لهذا المعلم، ومن ثم إجراء مسابقة وطنية لتنفيذ هذا المعلم باتت أمراً ضرورياً وملحاً ولا يحتمل الانتظار.