طوّر الممثل اللبناني يوسف حداد نفسه عبر تجسيده الأدوار الدرامية المختلفة وصقل موهبته من خلال تعاونه المسرحي الدائم مع الرحابنة، إذ تعلّم منهم الإحتراف في العمل.

Ad

في دردشة مع «الجريدة» يتحدث حداد عن نظرته إلى الواقع الفني اليوم.

أخبرنا عن دورك في مسرحية «عودة الفينيق» للرحابنة.

أبحث على الدوام عن الأدوار التي تضيف ثقلاً إلى مسيرتي في عالم التمثيل، لذلك منذ قراءتي لدوري في مسرحية «عودة الفينيق»، التي كتبها الراحل منصور الرحباني، بدت الشخصية حية أمامي فتعمقت فيها وأضفيت عليها روحاً جديدة في كل مرة أجسدها على المسرح.

كيف تفسّر تعاونك الدائم مع الرحابنة؟

أجد لذّة في التعامل معهم ومع مسرحيين عمالقة مثل أنطوان كرباج وغسّان صليبا. كنت أستمتع بوجود الراحل الكبير منصور الرحباني بيننا وأقول دائماً أن الجدران تتكلم وتنشد أنغاماً بحضوره.

ماذا تغيّر بعد رحيل منصور؟

عاش منصور كبيراً ومات كبيراً، تشاءمت بعد رحيله ونما لدي هاجس بأن كل شيء سيتغيّر، ثم ما لبث أن اختفى بعدما شعرت بأن منصور ما زال حاضراً بيننا أثناء تقديم المسرحية، فنحن كمسرحيين تربينا على كتاباته ونلمس بإحساسنا أنه يباركنا ونتذكر توجيهاته على الدوام. كان بمثابة الأب المتواضع الذي يشمل الجميع بمحبته.

ماذا تعلمت منه؟

كنت أراه في أكثر الاحيان أثناء القراءات الأولية لنصوص المسرحية وأثناء العرض التجريبي وأصغي إلى توجيهاته. تعلّمت أن الفكر والمحبة والتواضع أغلى القيم في الحياة. لم يكن هدف منصور الرحباني أن يسكن القصور بل التنسك في رحاب الفكر والفلسفة والعلم فاكتشف حقائق لم يستطع أحد غيره بلوغها.

برأيك، هل تساهم مشاركة الممثل اللبناني مع الرحابنة في انتشاره عربياً؟

لا أعتقد، بل يكتسب الفنان الحرفية في العمل، أما على صعيد الإنتشار العربي، فثمة مشكلة، ذلك أن الدول العربية كانت تتلهف سابقاً لهذا النوع من المسرح وما زال بعضها يتحمس له، في حين أن البعض الآخر لا يهتمّ إلا بالـ{طقش والفقش». لعلّ الميزانية المرتفعة لمسرحيات الرحابنة تحول دون عرضها في بعض الدول.

أتمنى أن يخوض الرحابنة غمار الدراما لأنهم يستطيعون تغيير الواقع العربي عموماً وواقع الدراما اللبنانية خصوصاً، عندها ستدخل الأسواق العربية مجدداً من بابها الواسع وبفخر. لا تنقصنا الطاقات في لبنان إنما نفتقد إلى الإنتاج، في حال توافره بمقدورنا منافسة الدراما السورية والتفوق عليها.

كيف تقيّم الخلل الحاصل في الدراما اللبنانية حالياً؟

لا أضع اللوم على المنتج لأنه لا يستطيع تنفيذ مشهد كلفته 50 ألف دولار بينما يباع المسلسل كلّه

بـ 20 ألف دولار. المنتج الذكي هو الذي يوفق بين النوعية الجيدة والمردود المقبول لإنتاجه. قد يراعي أحياناً الكاتب والمخرج المنتج فتتغير بعض المشاهد خلال العمل، في النهاية يجب التوصل إلى نتيجة ترضي الجميع.

من جهة أخرى، تتحمل الدولة مسؤولية تدهور الدراما اللبنانية. في سوريا مثلاً تشكل الدولة الداعم الأول للدراما المحلية وفي حال عدم بيع مسلسل ما، تتحمل كلفته ولا يخسر المنتج بالتالي شيئاً، إضافة إلى أنها توزّعها مجاناً على الفضائيات لتحقيق المزيد من الإنتشار. تبلغ تكاليف حلقة واحدة في مسلسل سوري بقدر تكاليف 3 مسلسلات لبنانية. تقدّم الدراما السورية 40 مسلسلاً خلال شهر رمضان بينما يموت الممثل اللبناني والمخرج اللبناني من الفقر.

هل أنت متفائل بإمكان تغيير الوضع في لبنان؟

لا. قبل عشر سنوات كنت متفائلا، لكن في ظل غياب أي مبادرة من الدولة تجاه الممثل اللبناني والدراما اللبنانية، أصبحت متشائماً.

كيف تحصّن نفسك تجنباً لمواجهة مصير بعض كبار الفنانين في نهاية حياتهم، لا سيما من حيث العوز؟

الغبي من لا يتعلّم من غيره، تربيت في بيت متواضع وتعلمت الإتكال على نفسي منذ طفولتي. أستطيع التوفيق بين مردودي ومصروفي إضافة إلى ممارسة أعمال أخرى إلى جانب التمثيل، من بينها: مساعد مخرج، مساعد منفذ، مدير تصوير، المونتاج لكن بطريقة حرفية. هكذا أحافظ على العيش بكرامة وأحمي نفسي وعائلتي من شر العوز.

هل تتابع الدراما العربية؟

أتابع الدراما السورية، في ما يتعلّق بالدراما المصرية ألاحظ أن المواضيع المعالجة فيها تتكرر منذ خمسين عاماً وتشارك فيها الوجوه نفسها. وحده النجم عادل إمام استطاع أن يضيء على مشاكل المجتمع المصري في أفلامه. أما الدراما السورية فتغوص في معضلات مجتمعها وتبرز تفاصيل مهمة وتحاول إيجاد الحلول بطريقة تدريجية. حاز المسلسل السوري «الإجتياح» على جائزة عالمية والغريب أنه حورب عربياً ولم يعرض سوى على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، وهذا أمر معيب، فهل يجب أن نبقى في نطاق خيانة الرجل لزوجته أو العكس وغيرها من الامور التافهة؟ صحيح أن الدراما السورية لا تنتقد النظام لكن هذا الأمر لا يعنيني.

لماذا أنت بعيد عن الأعمال العربية المشتركة؟

استطاع بعض الممثلين اللبنانين أن يشارك في أعمال عربية ذات نوعية جيدة وحافظ على مستواه، لكن يفضّل المصريون العمل مع السوريين والسوريون العمل مع الخليجيين.

ما هي الأعمال التي شكلت نقلة في حياتك الفنية؟

مسلسلا «حكاية أمل» و{مريانا» إضافة إلى مسرحية «آخر يوم» مع أسامة الرحباني، وتعلمت منها إجراء الأبحاث حول الشخصية التي أريد تجسيدها.

كيف تقيّم الدراما التركية؟

«مسخرة» تستخفّ بالعقول، وتبعد المشاهد العربي عن الإهتمام بواقعه المتردي. برأيي يتحمّل أصحاب المحطات التلفزيونية المسؤولية، لأنهم يهتمّون بالربح السريع ويتجاهلون نوعية المادة التي يقدمونها للمشاهد وتأثيرها السلبي فيه.

هل أنت راض عن نتيجة مسلسل «عصر الحريم»؟

منذ قراءتي الأولى شعرت أن «عصر الحريم» سيترك بصمته في الدراما اللبنانية وبنيت على دوري آمالا كبيرة، إضافة إلى السيناريو المميز والمعاملة الجيدة التي نلقاها من المخرج والمنتج. سعدت لأن الشخصية المعقدة، التي جسدتها في المسلسل نالت الإعجاب والتقدير بعدما اعتاد المشاهدون رؤيتي في الأدوار الرومنسية والعاطفية. بالغت في التعبير والتصرفات، وهو أمر لم يكن موجوداً أصلاً في النص، ليكون الدور مميزاً ومناسباً للشخصية.

إلى أي مدى تشبهك هذه الشخصية؟

لا تشبهني أبدا، فأنا متصالح مع نفسي وصادق وحنون إلى أقصى الدرجات. قبل أن أجسّد دوري، راقبت الأشخاص الذين يعانون من بعض العقد، خصوصا الأولاد الذين فقدوا آباءهم أو انفصل أهلهم وعاشوا مع أمهاتهم، بالتالي تربوا في ظروف غير طبيعية أثرّت في شخصيتهم وحاولت استلهام سلوكيات منهم. أحب تجسيد الأدوار الغريبة والجديدة التي تترك آثراً في المشاهد ولم تعد تعنيني الأدوار التقليدية.

هل نعيش اليوم فعلاً عصر الحريم؟

كل عصر هو عصر حريم، لكن {الحريم} هنّ المثقفات والجميلات وليس المبتذلات. المرأة بنيان المجتمع وصانعة الأجيال وتلقى المسؤولية الأكبر على عاتقها في مجالات الحياة المختلفة.

لماذا لا يسمح للمرأة بالبروز على مستوى الوطن العربي؟

ليس من الضروري أن تكون المرأة بارزة أو تحت الأضواء لتكون ناجحة، في رأيي تحتلّ الأمهات المكانة الأهم في المجتمع.

صف لنا علاقتك بزوجتك؟

ممتازة يسودها الحب والإحترام والثقة المتبادلة. تتفهم زوجتي حياتي الصعبة وتراعي شعور الناس، منذ زواجي أصبحت أكثر عمقاً في تحليل الأمور التي تصادفني ومعالجتها.

هل توافق الفنان كاظم الساهر الذي يعتبر المرأة أكثر وفاء من الرجل وأن الأخير خائن بطبعه؟

لا، مع احترامي للفنان كاظم الساهر، إذ جاءت كلماته بعد تجربة عاشها في حياته على ما أعتقد. يتمتّع الرجل بصفات الإخلاص والصدق على غرار المرأة، لا أعتقد أن هذه الأخيرة تسلك طريق العهر بإرادتها، إنما تدفعها أحياناً ظروف الحياة والمجتمع إلى اتباع سلوك خاطئ.

كيف توفق بين عملك وحياتك العائلية؟

أنا سعيد في حياتي العائلية ويساعدني هذا الأمر على عدم نسيان واجباتي تجاه أسرتي في خضمّ عملي الفني بالإضافة إلى إيماني بالمثل القائل، «القناعة كنز لا يفنى».

هل تخاف من الغد؟

نعم. أخشى الموت والمرض المستعصي. مررت بتجربة قاسية وأقول «نيّال من يموت في وقته». تؤلمني المجازر التي تحصل سواء في غزة أو في العراق أو تلك التي حصلت في لبنان، وأشعر أن الإنسان لم يعد له قيمة.

أمام من تشعر بأنك ضعيف؟

أمام أمي.

مذا تقول لها؟

لا أعرف.

هل أنت إنسان حزين؟

كلا. لأن الله يوفقني في خطواتي، لكني أتأثر ببعض الحالات الإنسانية السيئة.