Ad

ما يتعرض له السودان اليوم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بعد توجيه تهم ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور ضد الرئيس البشير وأعضاء في حكومته، سيشكل نقلة نوعية في اتجاهين؛ الأول كونه الاتهام الأول الذي يطال رئيس دولة يمارس صلاحياته. والثاني، في كيفية تعامل القيادة السودانية مع اتفاقية لا تنتظر توقيع الدول عليها حال تقصيرها في حفظ السلم الاجتماعي.

أول العمود: قرار مجلس الوزراء بتثبيت بدء العام الدراسي في موعده هو قرار صائب، ويقف ضد كل مَن يعتقد أن تغيير الأنظمة والقوانين يجب أن تكون على «كيفه وهواه... وظروفه القاهرة».

***

تعصف بالسودان اليوم أزمة كبيرة، إذ إنها المرة الأولى في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية يتم توجيه اتهام بارتكاب جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية في حق رئيس دولة مازال يمارس صلاحياته.

وخلال الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون آثار المعركة القانونية المتداولة الآن قد اتضحت معالمها، أو هكذا يفترض. إذ يعقب طلب التوقيف الذي أصدره المدعي العام للمحكمة مورينو أوكامبو تحركاً من جانب قضاة المحكمة لإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني، ويتطلب هذا الإجراء الذي سيتم من خلاله فحص أدلة ارتكاب الجرائم المشار إليها مدة قد تمتد من شهرين إلى ثلاثة أشهر، ومن حق القضاة قبول أو رفض الطلب.

وأمام السودان اليوم مهمة دبلوماسية شرسة ملعبها مجلس الأمن الذي سيناط به في نهاية الأمر الإحضار ومن ثم المحاكمة، وهي الآن تقوم بجهود على المستوى السياسي والدبلوماسي مع أصدقائها أعضاء مجلس الأمن الدائمين كالصين، أو غير الدائمين من أجل تفعيل نص المادة 16 من قانون المحكمة، التي تجيز تأجيل إجراءات التحقيق والتقاضي لمدة 12 شهراً قابلة للتجديد من قبل مجلس الأمن.

ومعلوم أن ضحايا الصراع في دارفور، الذي عجزت الحكومة السودانية عن إيجاد حل ناجح له على مدى أكثر من خمسة أعوام، قد خلّف أكثر من 200 ألف قتيل. وتتهم المحكمة الرئيس السوداني بوضع أكثر من مليونين ونصف المليون من سكان إقليم دارفور في ظروف لا تؤدي إلا إلى هلاكهم حتماً، وترجع خلفية ما يحدث اليوم إلى تاريخ 31 مايو 2005، حينما أحال مجلس الأمن قضية دارفور إلى ادعاء المحكمة، وهو ما مهّد في أبريل 2007، إلى إصدار أول أمر باعتقال «أحمد هارون» الذي يتقلد منصب وزير الشؤون الإنسانية، إضافة الى زعيم الجناويد «علي القشيب»، وجاء رد فعل الحكومة السودانية برفض ما سبق كله، إلى أن طالبها مجلس الأمن في 16 يونيو 2008م بالتعاون مع المحكمة.

ويتداول مسؤولون سودانيون في وسائل الإعلام مسألة أن المحكمة غير مختصة بما يحدث في دارفور على اعتبار أن السودان ليست طرفاً في اتفاقية روما التي تأسست بموجبها المحكمة، وهي معلومة غير دقيقة وتصطدم مع مبدأ «تكامل المحكمة»، وهو مبدأ لا يحرم الدول من صلاحية مقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية بقوانينها وقضاتها، لكنه يقوم مقامها في حال أهملت الدولة المعنية مقاضاة المجرمين، أو افتقرت إلى الوسائل المعينة لقيام المحكمة.

والسؤال كيف سينجو السودان من هذه المشكلة في ظل مواقف واضحة أبدتها دول كبرى باتجاه تفعيل إجراءات المحكمة؟ وما هي تأثيرات هذا التطور القانوني الدولي الذي أصاب السودان على دول أخرى مستقبلاً يمكن أن تغطيها ولاية المحكمة الجنائية الدولية؟

وفي السبت المقبل من المقرر أن ينعقد في القاهرة اجتماع لوزراء الخارجية العرب، وليس من المأمول أن يصدر عن هذا الاجتماع، الذي دعت إليه السعودية ومصر وسورية وفلسطين وليبيا أي تأثير على مجريات الأمور، فالأمر لايتعدى رفع العتب!