ضرب الإرهاب بقوة العاصمة المالية للهند مومباي، التي تُعتبر بمنزلة العصب الاقتصادي لإحدى أكبر القوى الصاعدة في العالم. وتسببت هذه الهجمات في خسائر جسيمة على اكثر من صعيد، فأودت بحياة أكثر من 125 شخصاً، فضلاً عن الأضرار المادية والمعنوية الكبيرة التي لحقت بأحد أهم معالم الهند التاريخية، وهو فندق تاج محل الأثري، الذي يقصده السياح من مختلف أصقاع الأرض، بالإضافة إلى فندق مهم آخر، ومركز للجالية اليهودية. كما ركّز المسلحون على استهداف الأجانب، لاسيما الأميركيين والبريطانيين والإسرائيليين، بينما قتل أشخاص من جنسيات أخرى كانت حاضرة في مختلف أماكن الاعتداء.كذلك سارع العالم كلّه إلى إعلان تضامنه مع الهند وعرض المساعدة عليها، في وقت تضاربت فيه المعلومات الاستخباراتية الأولية بشأن تحديد الجهة التي تقف وراء الهجمات، فأشارت بعض أصابع الاتهام إلى وجود آثار لبصمات تنظيم «القاعدة»، في حين ألمحت جهات رسمية هندية إلى ضلوع «دول مجاورة» فيها. استفاقت الهند امس، على مشاهد مؤلمة لاعتداءات ارهابية ضربت العاصمة الاقتصادية للبلاد مومباي، ما احدث صدمة عامة في البلاد والعالم. وتدفقت الجثث والرهائن على حدّ سواء إلى خارج اثنين من افخم فنادق مومباي امس، بعدما حاولت قوات الكوماندوس الهندية تحرير الرهائن الذين احتجزهم مسلحون إسلاميون هاجموا عشرة مواقع على الأقل في المدينة الهندية الشهيرة، فقتلوا 104 أشخاص على الأقل.كذلك، أُصيب أكثر من ثلاثين آخرين بجروح في الهجمات المحكمة التنسيق التي نفذتها ليل أمس الأول، مجموعات من المسلحين الذين اجتاحوا فندقين فاخرين من فئة الخمسة نجوم، وكان الهدف الأكثر شهرة للهجمات فندق برج وقصر تاج محل التاريخي الذي افتُتح عام 1903، وهو وجهة اجتماعية مفضلة لصفوة المدينة.كما هاجم المسلحون محطة قطارات مزدحمة ومركزاً يهودياً وخمسة أماكن أخرى على الأقل، مستخدمين البنادق الهجومية والقنابل اليدوية والعبوات المتفجرة.وأعلنت جماعة إسلامية مسلحة غير معروفة تطلق على نفسها اسم «مجاهدي الدكن» المسؤولية عن الهجمات، التي تُعدّ الأحدث في سلسلة من الهجمات الإرهابية على مستوى البلاد على مدى الأعوام الثلاثة الماضية.شهود عيانوصرّح المسؤول الحكومي البارز في ولاية ماهاراشترا، وعاصمتها مومباي، براديب إندولكار، بأن بين القتلى إيطاليا وأستراليا ويابانيا وبريطانيا. واضاف ان 125 أشخاص قُتلوا وأُصيب 314 آخرون بجروح، بالإضافة الى 8 مسلحين، لافتاً الى ان الحصيلة مرشحة للارتفاع.واقتحم المهاجمون، مرتدين القمصان السود وسراويل الجينز، وأطلقوا نيران أسلحتهم بشكل عشوائي.وأفاد سجاد كريم، الذي كان ضمن وفد من النواب الأوروبيين يزورون مومباي قبيل قمة هندية أوروبية: «لقد كنت في الصالة الرئيسية وكان في كل مكان إطلاق نار مفاجئ كثيف في الخارج، وفجأة ظهر مسلح آخر أمامنا، يحمل أسلحة رشاشة. ثم بدأ مباشرة إطلاق النار علينا. فالتفت في الحال وجريت في الاتجاه الآخر».وأعقبت إطلاق النار سلسلة من الانفجارات التي تسبب في اشتعال النار في أجزاء من فندق تاج محل الذي يعود تاريخه إلى اكثر من قرن من الزمن والموجود في الواجهة المائية لمومباي. مهاجمة يهودإلى ذلك، استولى المسلحون أيضاً على مقرّ جماعة يهودية في مومباي تدعى «تشاباد لوبافيتش»، وهاجموا فندق أوبروي، وهو أيضا من فئة الخمسة نجوم.ويبدو أن المسلحين احتشدوا داخل المباني الثلاثة اليوم، بعد الهجمات بثماني عشرة ساعة تقريباً، محتجزين رهائن محليين وأجانب، بينما طوقت قوات الكوماندوس الهندية المباني.ومن بين هؤلاء الأجانب المحتجزين أميركيون وبريطاني وإيطاليون وسويديون وكنديون ويمنيون ونيوزيلانديون وإسبان وأتراك وسنغافوريون وإسرائيليون.وأعلنت السفارة الاسرائيلية في نيودلهي امس، ان ما بين عشرة الى عشرين اسرائيلياً هم بين الرهائن المحتجزين في بومباي.وقال وزير الدولة بوزارة داخلية ولاية ماهاراشترا ر.ر. باتيل أمام الصحافيين: «سنلقي القبض عليهم قتلى أو أحياء. الهجوم على مومباي هو هجوم على كلّ البلاد».وأعلنت الشرطة عبر مكبرات الصوت حظراً للتجول في محيط فندق تاج محل وهرع أفراد من قوات الكوماندوس المرتدين سترات سوداء إلى داخل المبنى، بينما سُمع دوي طلقات نارية جديدة من المنطقة، كانت في ما يبدو بداية هجوم على المسلحين الذين احتجزوا رهائن بالفندق.وقال جنود خارج الفندق إن القوات تتحرك ببطء، من غرفة إلى غرفة، بحثاً عن مسلحين أو شراك. وكل جثة يتم العثور عليها ينبغي أن تشمها الكلاب المدربة، بحسب تصريحات مسؤول بارز اشترط عدم الكشف عن هويته.جنسيات محددةالى ذلك، أفاد أليكس شامبرلين، وهو مواطن بريطاني كانت يتناول العشاء في فندق أوبروي، بأن مسلحاً أوقف ما بين ثلاثين إلى أربعين شخصاً داخل المطعم في طابور، متحدثاً الهندية أو الأردية، فأمرهم جميعا برفع أيديهم، «وكانوا يتحدثون عن البريطانيين والأميركيين تحديداً. وكان هناك رجل إيطالي، سألوه: من أي بلد أنت؟ فقال إنه من إيطاليا، فحينها تركوه وشأنه. وأنا اعتقدت أنهم سيطلون النار علي إذا سألوني عن أي شيء، والحمد لله انهم لم يفعلوا».توجيه التهموفي وقت كانت عمليات الكوماندوس وعمليات الإسعاف لا تزال جارية، اعلن رئيس الوزراء الهندي مانهومان سينغ ان المجموعة التي نفذت اعتداءات بومباي «مقرّها في الخارج» ووجه تحذيراً الى «دول مجاورة».وقال سينغ «من الواضح ان الجماعة التي نفذت هذه الهجمات مقرها خارج البلاد وجاءت وهي مصممة تصميماً تاماً على اشاعة الفوضى في العاصمة التجارية لبلادنا». وتابع «سنُفهم جيراننا اننا لن نتسامح مع استخدام اراضيهم لشنّ هجمات ضدنا، وان عدم اتخاذهم الاجراءات المناسبة سيكون له ثمن».كذلك، اعلن الميجور جنرال الهندي ار.كي. هودا، قائد العملية العسكرية الجارية ضد منفذي الاعتداءات، ان «الإرهابيين الذين نفذوا سلسلة الاعتداءات المسلحة في بومباي جاؤوا من باكستان». وأضاف في تصريح صحافي ان هؤلاء «هم من خارج الحدود، وربما من منطقة فريد كوت في باكستان. لقد حاولوا التظاهر بأنهم من حيدر اباد».باكستان تنفيمن جهتها، سارعت باكستان إلى الردّ فطلبت من جارتها اللدودة الهند عدم توجيه الاتهامات من دون ادلة، وقال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي في مقابلة مباشرة عبر قناة تلفزيونية خاصة: «تجربة الماضي تعلمنا ان علينا ان نتجنب التسرع في استخلاص النتائج». واضاف: «علينا ان نلتزم الهدوء وان نتبادل الدعم»، متحدثاً عن «تهديد ارهابي شامل، يجب مواجهته بشكل جماعي».وكان قريشي يتحدث من الهند، حيث تجري مفاوضات بين الدولتين النوويتين الجارتين اللتين خاضتا ثلاث حروب منذ انشاء باكستان في 1947.الاستخبارات الروسيةوفي سياق متصل، ذكر مسؤول كبير في الاستخبارات الروسية ان المجموعات الاسلامية التي نفذت سلسلة اعتداءات مومباي مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، بحسب ما نقلت عنه وكالة انباء «ريا نوفوستي» امس.وأوضح المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته، ان «الامر يتعلق بمجموعة عسكر الطيبة الارهابية. إن مقاتلي هذه المجموعة تلقوا تدريبات في معسكرات القاعدة الموجودة على الحدود بين باكستان والهند».وقال المسؤول الروسي ان الاعتداءات كانت تستهدف بشكل خاص مواطنين من بريطانيا والولايات المتحدة. وقال «ان بحث المقاتلين عن مواطنين من هذين البلدين في الفنادق ليس مصادفة. بالنسبة الينا، بديهي انهم كانوا ينفذون الاوامر».واشار الى ان اجهزة الاستخبارات الروسية كانت لفتت انتباه زميلاتها في الهند الى وجود هذه المجموعة. وقال: «للأسف، الهنود كانوا ينظرون حتى الآن الى هذه المجموعة على انهم لصوص يشاركون في نزاعات حدودية». اتهام مضادمن جهتها، نفت جماعة «عسكر الطيبة» المسلحة التي تقاتل ضد الحكم الهندي في كشمير ومقرها باكستان، اي ضلوع لها في الهجمات.واكّد المتحدث باسم الجماعة عبد الله غزناوي «نحن لا نؤمن بقتل المدنيين الابرياء. ويبدو ان هذا العمل من تنفيذ المسلحين الهندوس الذين سيقومون بعد ذلك باطلاق حملة من الرعب ضد المسلمين تحت ذريعة هذه الهجمات». وتابع: «نحن ندين هذه الهجمات بشدة، ونقول انه ليس لنا اية علاقة بها على الاطلاق».ردود الأفعالوفي هذه الأثناء، تعاطف العالم كلّه مع الهند في ما اصابها من جراء الاعتداءات الإرهابية، فأجرى الرئيس الاميركي جورج بوش صباح امس، اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء الهندي، اعرب له خلاله عن دعمه الكامل وعن تضامن الشعب الأميركي مع الشعب الهندي.وافادت المتحدثة باسم البيت الابيض دانا بيرينو، ان «الرئيس بوش عرض دعمه ومساعدته للحكومة الهندية بينما هي تسعى الى اعادة ارساء النظام وضمان الأمن لشعبها والتخفيف عن الضحايا وعائلاتهم والتحقيق في هذه الاعتداءات الدنيئة».كما دان الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما الاعتداءات، واعتبر ان على الولايات المتحدة ان تعزز تعاونها مع الهند ومع دول اخرى من اجل «مطاردة وتدمير الخلايا الارهابية»، حسب ما اعلن الفريق الانتقالي.واشار المتحدث باسم باراك اوباما لقضايا الامن القومي بروك اندرسون، في بيان الى ان «هذه الاعتداءات المنسقة ضد ضحايا مدنيين ابرياء تظهر الى اي مدى التهديد الارهابي خطير وطارئ». واضاف البيان ان «الرئيس المنتخب باراك اوباما يدين بشدة الاعتداءات الارهابية في بومباي وان افكاره وصلواته ترافق الضحايا وعائلاتهم والشعب الهندي».كذلك، وجه البابا بنديكتوس السادس عشر امس، «نداءً عاجلاً» الى «وضع حد لجميع الاعمال الارهابية».ووجه البابا برقية الى رئيس اساقفة بومباي الكاردينال اوزوالد غراسياس وقّعها سكرتير دولة الفاتيكان تارسيسيو برتوني، وجاء فيها ان «قداسته يوجه نداءً عاجلاً من اجل وضع حد لجميع الاعمال الارهابية التي تسيء بشكل خطير الى الاسرة الانسانية وتزعزع بصورة خطيرة السلام والتضامن الضرورين لبناء حضارة جديرة بالانسان ودوره في حب الله».ووصف المتحدث باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي الهجمات بأنها «مأساوية ومرعبة».(مومباي - أ ب، أ ف ب، رويترز، د ب أ، يو بي آي)
دوليات
11 سبتمبر يمرّ في مومباي: احتجاز وتدمير... وضحايا بالمئات استهداف فندقين ومركز يهودي 125 قتيلاً والحصيلة مرشحة للارتفاع
28-11-2008