في الثاني من أغسطس من كل عام نسترجع ذكرى أليمة، ويوما أسود، ليس في تاريخ الكويت وحسب بل في تاريخ التضامن العربي وحسن الجوار، وفي تاريخ الانسانية واحترام الشعوب للشعوب والدول للدول، نسترجع يوما تدفقت فيه دماء أبناء وبنات هذا الوطن من دون ذنب سوى الذود عن تراب الوطن الطاهر والتمسك به إن كان ذاك ذنبا بعرف الدكتاتوريات التي سقطت أو بمفاهيم البعث الذي غزا. بعد 17 عاماً لا نريد ان نكرر ما قيل وما كُتب، لكننا سنقف أمام حقيقة مهمة وهي حجم الدروس والعبر التي تعلمناها، ولا نظنها قد ترسخت قيما ودروسا متأصلة في ذاكرتنا وفكرنا، لأن هناك منا من لا يريد لنا أن نتعلم، فتلك الدروس تمس مصالحه، وتحارب تسابقه نحو السلطة أو جريه مدفوعا بجشع المال. بعد 17 عاماً ونحن نستذكر كيف كنا -قبل الغزو- مختلفين متباعدين، غاب الدستور الذي كان يجمعنا في الاتفاق وفي حق الاختلاف، وتصورنا البعث الصدامي أمة متشرذمة، بين حكامها وأهلها فجوة تشجعه على المضي قدما في تحقيق أهدافه العدوانية، لكننا اثبتنا للعالم كله أننا نبقى كويتيين، ويبقى اختلافنا بيننا، ولكننا أمام بقاء الوطن صفا واحدا، وأمام شرعيته الدستورية فريق لا فريقان. جسدنا للعالم المتطور وللأمم المتحضرة إننا أمة صغيرة بحجمها وعددها، كبيرة بإرادتها وكبيرة في تاريخ ممارستها المشاركة بين الحكم والشعب، كثيرة في عطاءاتها، أمة قوامها أن تعطي اكثر مما تأخذ، وفوجئ العالم بجذور المشاركة السياسية وجذور الديموقراطية التي تعود فيها الى العقد الثاني من القرن الماضي تاريخا مدونا، تلك القيم التي توارثتها الأجيال صنعت انساناً كويتياً مؤمناً بوطنه بعد الله، سبحانه وتعالى، وفياً لعقد الشراكة الذي صاغته أول تجربة لأسرة حاكمة يختارها شعبها بملء إرادته في منطقة تاريخها يضج بنهج الحكم بالقوة وليس بالإرادة، تلك الحقائق، وهذا التوارث لم ينتج مواطناً متعاوناً مع بعث صدام أو رافضا لشرعية وطنه الدستورية. اليوم وبعد 17 عاماً من تجربة الغزو يخرج علينا من يخرج ليقرع طبول ما قبل الثاني من أغسطس، مصراً على أن يبقينا في تلك الدائرة، رافضاً على الأمة وخصوصا على حكامها حق التعلم من دروس التاريخ والاتعاظ من تجاربه. أولئك الذين لا يعيشون إلا على النار ويعشعشون في الخراب لا يعنيهم الوطن حين يدعون الى الغاء دستوره أو تنقيحه بتهميشه وتقليص هوامش الحرية والرقابه فيه، ولا تعنيهم تفاصيل التداعيات التي ترتبت على قرع طبولهم قبل الغزو، لا يعنيهم الوطن مثلما تعنيهم مصالحهم وجشعهم سلطةً او مالاً، أولئك الذين زرعوا الربح وتركونا نحصد العاصفة سبعة اشهر كانوا منشغلين فيها في بناء الثروات والتخطيط لمزيد من السلطات، أولئك أخطر على الوطن من جند الغزاة وجلاوزة الاحتلال. أن الذين يقرعون طبول «ملّينا من الدستور-معطل التنمية» هم الذين لا يريدون خيرا لهذا الوطن ويبخسون أهله حقهم، حكاماً ومحكومين في التعليم من الدروس والتجارب، هؤلاء يمثلون الغزو الحقيقي. بعد 17 عاماً ونحن نلملم رفات أبنائنا وبناتنا ونفتــش عن الغائب منهم، لا نملك سوى القول، رحم الله شهداءنا، وهدانا طريق التعلم والاستفادة، وحفظنا الله وهو الحافظ الأكبر من طبول الطامعين الجشعين. الجريدة
أخبار الأولى - افتتاحية
افتتاحية بعد 17 عاماً... إنهم يقرعون طبول ما قبل الغزو!
02-08-2007