من الهزيمة... إلى النكسة... فالانتكاسة...

الأمة العربية لديها إمكانات بشرية ومالية وجغرافية كبيرة، ولكنها مبعثرة وغير منظمة، وتفتقر إلى القيادة المخلصة والمراقبة شعبياً، لذلك فإن أسباب الهزيمة التي ولّدت نكسة فانتكاسة مازالت قائمة ومستمرة، ولابد من تقييم الدروس والعبر ونحن نعيش هذه الذكرى الحزينة.

Ad

تمر علينا هذه الأيام الذكرى الأربعين لنكسة حرب يونيو عام 1967م أو حرب الأيام الستة، ففي صباح الخامس من يونيو 1967م شنت قوات الكيان الصهيوني الجوية غارات غادرة ومباغتة ومدمرة على المطارات والقواعد الجوية المصرية ملحقة بالقوة الجوية المصرية دمارا كاملا، ثم ما لبثت القوات البرية للكيان الصهيوني أن اقتحمت قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، ثم تستمر الآلة العسكرية الصهيونية بالتهام كامل سناء والجولان والضفة الغربية... أما الشعوب العربية فلقد كانت تعيش في تلك اللحظات حالة من الحماس ونشوة الانتصار الزائف وحلم اندحار الصهاينة متأثرة بالحملة الإعلامية العربية المضللة التي أوصلت الجيوش العربية إلى مشارف تل أبيب بعد أن دحرت جيش الصهاينة!!! ولم تستفق الشعوب العربية من هذا الحلم، إلا على وقع كابوس أوامر الانسحاب الكامل للجيوش العربية!!! وقرار مجلس الأمن 242 يونيو1967 الذي يدعو إلى وقف الحرب، وانسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي التي احتلها في يونيو 1967، وعودة اللاجئين إلى ديارهم.

نكسة يونيو 1967 م سبقتها هزيمة حرب 1948م، وتلتها محاولة لرد الاعتبار في حرب 1973م، استثمرها الصهاينة بتكريس وتمكين أسباب الاندحار العربي المستمر باتفاقيات ما يسمى بالسلام والتي لم يتمخض عنها سوى المزيد من تمادي وطغيان وتفوق العدو الصهيوني عسكرياً وسياسياً من ناحية، وتكبيل وتفكيك وضعف وهوان العرب من ناحية أخرى... هذا هو وصف لماضي العرب الحديث وحاضرهم من هزيمة إلى نكسة إلى انتكاسة... فهل من أمل في الخلاص من هذا الواقع المرير؟!

(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، ولعل أول ما يجب ان نغيره هو أسباب تفوق عدونا علينا، والذي يمكن إجماله من دون الدخول بالتفاصيل بأسلوب بعض أنظمة الحكم الشمولية المتفشية بالأمة العربية التي استولت من دون وجه حق على قسم من موارد الأمة وأهدرت القسم الآخر بمصاريف غير تنموية ولا جدوى من ورائها، وأخص بالذكر منها شراء المنظومات الدفاعية والأسلحة التي يمكن تقييم أدائها بين الرذيلتين، إما فاسدة ، وإما عديمة الجدوى، وخير دليل على ذلك عدم صمودها أو حتى فعاليتها أمام أسلحة الكيان الصهيوني. وإذا أضفنا إلى ذلك تخلف إعلامنا الذي مازال دون مستوى المنافسة والتحدي عن مواكبة ومجاراة المنظومات الإعلامية العالمية المسخرة للعدو.

أما الحرية وكرامة المواطن العربي فتأتي بعد الأمن الخاص لبعض الأنظمة العربية التي مازالت تتربع على عروشها بانتخابات الأربع تسعات!!! او مجالس شورى شكلية لا تتمتع بصلاحيات تشريعية أو رقابية...وفي الوقت الذي يتمتع الكيان الصهيوني بنظام سياسي ديموقراطي وبعلاقات استراتيجية متميزة مع الدول الكبرى... نجد ان أنظمة بعض دول الأمة العربية، إما في حالة عداء شديد مع النظام العالمي، وإما في علاقة خضوع وخنوع معه، وكلتا الحالتين ليس في مصلحة الأمة العربية.

الأمة العربية لديها إمكانات بشرية ومالية وجغرافية كبيرة، ولكنها مبعثرة وغير منظمة وتفتقر إلى القيادة المخلصة والمراقبة شعبياً، لذلك فإن أسباب الهزيمة التي ولّدت نكسة فانتكاسة مازالت قائمة ومستمرة، ولابد من تقييم الدروس والعبر ونحن نعيش هذه الذكرى الحزينة، ولكي نتمكن من النهوض لدحر العدو لابد من أن تقوم سياسة الأمة العربية الدفاعية على منظومة متسلسلة تتكون حلقاتها المترابطة من التوازن الاجتماعي، والتعليمي، والصحي، والاقتصادي، والسياسي، والأمني، والعسكري، إن قوة الأمة تتمثل بقوة ترابط هذه السلسلة التي لا تتجاوز قوة أضعف حلقة فيها، لذلك من الواجب مراعاة توازن قوة هذه السلسلة فلا جدوى من الإفراط في الصرف على الحلقة العسكرية على حساب التفريط في قوة الحلقات الأخرى...

إن الأداء العسكري للأمة خلال الحرب يحدده ويقرره أداؤها في زمن السلم في مختلف الجوانب والمحاور، فالاستقرار الاجتماعي، والتقدم العلمي، والقوة الاقتصادية، والرعاية الصحية والتعليمية في زمن السلم تصبح مؤشراً استباقياً لما سيكون عليه أداؤها العسكري في زمن الحرب... والخطوة الأولى في طريق النصر ـ الطويل ـ هو الاستثمار في المواطن العربي.