من المعروف ان البدع تذهب بالناس إلى سبل منحرفة لا تحمد عقباها، فهي من المحرّمات التي حذر من اتباعها ديننا الاسلامي، ويبدو ان بدعة «داعية» عزاء النساء المتفشية في ديرتنا لا احد يدري ان في كثير من جوانبها مخاطر جمة على المجتمع والافراد، إذ إنها مستحدثة، ومن إنتاج جماعات دينية تستغلها لجمع الأموال بعيداً عن مراقبة الأجهزة الرسمية. لا تكاد إحداهن تعلم عن عزاء حتى تجهّز نفسها «ضيفة» بلا دعوة على أهل المتوفى وتحديداً على عزاء النساء، وفور إعلان المؤذن موعد صلاة المغرب تبدأ «محاضراتها» عن الدين (كما تفهمه هي طبعا) الى أن يؤذن لصلاة العشاء، وعندما تنتهي من «واجبها» تبدأ عطايا النساء المسنات اللاتي تدخل الواحدة منهن يدها اليمنى في حقيبتها ولا تحسب ما تخرجه منها من «أنواط» كي لا تعرف «شمالها ما قدمت يمينها»، ثم تنهال العطايا من بقية النساء بشكل لا يخلو من المنافسة غير المعلنة، حتى إن بعضهن تدفع بسبب الإحراج (او الاستلاب) لا بسبب القناعة بالتبرع... والفائزة طبعاً «الداعية» وبشكل غير مباشر الجمعية الدينية التي تنتمي اليها.وصولات مزورةان «الداعية» وحدها تعرف كم كانت «تحويشة» تلك الليلة! نعم وحدها، لأنها حتى لو كانت منتمية الى جمعية «خيرية» فلن تتمكن تلك الجمعية أو اللجنة من معرفة حقيقة المبلغ الذي جمع في تلك الليلة إلا إذا كانت «الداعية نزيهة»، أي أن الأمر يعود اليها وحدها فقط، فالأموال أخذت نقداً ومن دون عد أو وصل استلام. وبعضهن يقدمن وصولات من دون تحديد المبلغ المستلم، وقدر لي مصادفة الاطلاع على أحد هذه الوصولات فكان المكتوب فيه «استلام من فاعل خير دينار واحد لا غير... صدقة السر»، وسألت المرأة التي أُعطيت ذلك الوصل فقالت إن ما كان في حقيبتها لا يقل عن 50 دينارا دفعتها كلها وتسلمت الوصل ولم تنظر الى ما كتب فيه، وبالتأكيد تتكرر هذه الحالة بلا حسيب أو رقيب! أما الجديد في جمع التبرعات في «الدروس الدينية» فهو الاستقطاع الشهري من حساب المتبرع!البدع الاستهلاكيةهذه «البدعة» أخذت منحى تنافسيا بين الجمعيات واللجان فتجد المنتميات الى أسرة المتوفى يتنافسن (في حال اختلاف انتماءاتهن الى الجمعيات الدينية) في فرض «داعية» قريبة منهن، ولأن العزاء ثلاثة أيام فربما يتقاسمن تلك الأيام بين داعياتهن.ان بدعة الداعيات هذه لم يعرفها المجتمع الكويتي من قبل كما لم يعرف كثيرا من البدع الاستهلاكية الأخرى بما فيها «عدة المناسبة» كاللبس الخاص بعزاء النساء، فهناك «دراعات» وأحذية وربما ماكياج خاص بمناسبة العزاء (لأن النساء يراقب بعضهن بعضا في أغلب الأحيان وفي أي مناسبة حزينة أو سعيدة). فهذه البدعة مستحدثة ومن انتاج جماعات دينية، وتعد احدى وسائل جمع الأموال بعيداً عن مراقبة الأجهزة الرسمية، فلا أحد يمكنه مراقبة هذا الأسلوب سواء من الجهات المستفيدة منه أم من المؤسسات الحكومية المعنية.الحالة النفسيةأما لو دقق أحدنا في لقب «داعية» لأصابته الحيرة لناحية مؤهلات هؤلاء النسوة، فالصفة تمنحها «الداعية» لنفسها أو ربما منحتها إياها بعض المقربات منها، وكما في كثير من أمور البلاد، بلا دليل على المعرفة في الشأن الذي «تدعو» إليه أو فيه. والأكثر من ذلك أن كثيرات منهن يحدثن النسوة في موضوعات يكون بعض الجالسات أكثر منهن فهما في ما يطرحن، وربما أكثر منهن علماً ومعرفة سواء كان الموضوع دينياً أو دنيوياً، لكن «الداعية» تراهن على الحالة النفسية التي تمر بها النسوة في العزاء، اذ من المضمون ألا يقاطعها أحد، اللهم إلا إن وجدت من تنتمي الى فكر مجموعة دينية أخرى فإنها قد تحاول تسفيه ما قالته تلك «الداعية» بعد خروجها من العزاء ثم تقدم وعدها بجلب داعية أفضل منها في اليوم التالي... وهكذا.هذه البدعة استمرت وهي في ازدياد متسارع، فعلى الرغم من «التحلطم» المستمر من قبل أغلبية النساء في حالات العزاء فإن احداً لا يستطيع منع أو رفض مشاركة من يتحدث في أمور الدين في وقت يكون الناس في ذروة الحاجة الى سماع ما يعينهم على تخفيف مأساتهم.خارج نطاق السيطرةوبسبب الزيادة في «الطلب» تستعين بعض الجمعيات واللجان «الدينية» بـ«داعيات» من مصر وسورية وربما من دول أخرى، فهذه وسيلة خارج نطاق سيطرة وزارة الشؤون والأوقاف ولا مجال لمعرفة مصير اموال المتبرعين نهائياً، ونحن لا نتهم القائمات على هذا العمل بأي أمر، لكننا نحذر من وضع لا يمكن السيطرة عليه لا سيما انه مجال مفتوح لمن يريد العبث أو جمع الأموال لمصلحة جهات مشبوهة سواء بعلمها أم من غيره.نشاط تبشيريوالغريب في الأمر أن تسمية الداعية توحي مباشرة بأن نشاطها «تبشيري» موجه الى من لا يعرف الدين جيدا والى من هم بحاجة الى من يدعوهم الى الإسلام، وهي التسمية التي غالباً ما تطلق على من يقوم بالدعوة الى الدين الإسلامي في الدول الفقيرة غير المسلمة كافريقيا أو آسيا، لذا يصعب فهم التسمية لمن تحاضر في أمور الدين وأحياناً في أمور الدنيا (من دون معرفة كافية) في أوقات العزاء، وتحديداً في الوقت الذي يكون الرجال فيه قد أنهوا عزاء اليوم واتجهوا الى أهلهم من النساء لمواساتهم وليكونوا عونا لكل أفراد الأسرة في تلك الظروف!طريقة لجمع الاموالهذه ليست سوى طريقة واحدة من الطرق التي تستخدمها الجماعات الدينية لجمع الأموال التي لا حسيب ولا رقيب على جمعها ولا على الطرق التي تنفق فيها، مستغلة طيبة الإنسان الكويتي البسيط الذي يبادر فورا الى مساعدة المحتاجين والمرضى والفقراء والمساكين، اذ ان أكثر الفترات التي يزداد فيها نشاط جمع الاموال شهر رمضان المبارك ومناسبات العزاء والدروس الدينية.
محليات
تقرير إخباري داعية عزاء النساء بدعة دخيلة... و ضيفة بلا دعوة تجمع الأموال والتبرعات من دون حسيب ولا رقيب
13-01-2008