اقتبس Into the Wild عـن كتـاب لجون كراكاور وعدّله الكاتب والمخرج شون بن. يعتبر فيلماً درامياً حكيماً كأنه دراسة عن الوجود وماهيته من خلال كريستوفر مكاندلس (22 عامًا) الذي يترك عائلته وبيته وماضيه وينطلق في مغامرة شاقة، آملاً بالوصول الى ألاسكا، لكن الثمن سيكون أكثر مما توقّع. ينطلق الفيلم من قرار الطالب المتخرج كريستوفر مكاندلس وضع الهموم اليومية جانباً، فيتبرع بمدخراته البالغة 24.000 دولار أميركي ويحرق بقية المال الموجود بحوذته كطريقة فضلى لتحرير نفسه من معايير مادية يعيش من خلالها المجتمع. يقطع كريستوفر الروابط مع عائلته ويعيش من خيرات الأرض متنقلاً من مكان إلى آخر ومختبراً المغامرات على طريق الساحل الغربي في الولايات المتحدة. لا تتطلّب ملاحقة كريس في رحلته من قبل المشاهد، الموافقة على ما يفعله بل فهم الأسباب الكامنة وراء تصرفاته. على الرغم من لامبالاته وانهماكه في أموره الخاصة من دون أن يُعلم والديه القلقين والت (ويليام هرت) وبيلي (مارسيا غراي هاردن) وشقيقته الصغيرة كارين (جينا مالون) عن مكان وجوده، لا بد من الإعتراف بوجود جوهر لهدفه. فهو لا يهتم بالاستقرار أو العمل في وظيفة من التاسعة لغاية الخامسة، أو بالتكيف مع المجتمع لكنه يتوق إلى الهدف الذي لا يمكن الحصول عليه وهو الحرية المطلقة. محاطاً بالمناظر الطبيعية الرائعة، ينجح كريس في تحقيق ما أراد فعله طوال حياته، لكن لسوء الحظ لا يدرك حقيقة أن الحياة من دون اتصال بشري لا تعني شيئًا، إلا بعد فوات الأوان. هذا هو أساس المأساة في حياة مكاندلس وموته وهذه هي الفكرة التي يظهرها الفيلم بطريقة واضحة وبطيئة. اللافت في الفيلم الأشخاص الذين يلتقي بهم كريس في طريقه لأنهم أكثر من مجرد عابرين أو حاضرين لإعطاء القصة دفعاً، فالثنائي الهيبي المسافر جان (كاثرين كيينير) ورايني (براين ديركر) يعالج جراحاً من ماضيه ومن خلال تفاصيل قصته يتحول كريس إلى المنقذ الذي يمد لهما يد العون. أما المراهقة ترايسي (كيرستن ستيوارت) التي تطمح بأن تصبح مغنية فتقع في غرام كريس ولا تتقبل فكرة رحيله عنها. كذلك يهتمّ العامل المزارع الكادح واين (فينس فون) بكريس عندما يكون هذا الأخير في حاجة إلى العمل بهدف إكمال رحلته. أخيراً يستعيد رون (هال هولبروك) وهو رجل وحيد توفيت زوجته وطفله منذ عقود حبه للحياة عندما يعرض على كريس مكاناً موقتًا يقيم فيه ويجد فيه الصديق الذي كان يحتاج إليه. جاء أداء الممثل اميل هيرش متفوقاً ومميزاً فهو حاضر في حوالي 98 % من المشاهد ودوره مقنع في تقمص شخصية البطل. كذلك لا يستطيع المشاهد إلا أن يهتم به ويقلق بشأنه خلال الـ140 دقيقة من الفيلم. أمّا الأداء الثانوي لكاثرين كيينر ومارسيا غراي هاردن وويليام هرت فكان جيدًا ومميزاً في بعض اللقطات. كانت كل لحظة للممثل المخضرم هال هولبروك، البالغ من العمر 82 عاماً، رائعة حقاً من خلال عمق عينيه المقنع جداً. تفوّق المصور السينمائي إريك غوتيير على نفسه في هذا الفيلم مستغلا المواقع الخارجية في ألاسكا، أوريغون، نيفادا، ساوث داكوتا، كاليفورنيا، نيو مكسيكو وأريزونا لإعطاء صورة مميزة. كعادته نجح الممثل والمخرج شون بن الذي عودنا في أفلامه السابقة على الغوص في عمق مواضيعه في تقديم فيلم مميز، خصوصاً في القسم الأخير منه حيث يجد المشاهد نفسه مكبلاً ولا يستطيع أن يفعل شيئاً سوى مشاهدة تدهور الشاب الذي حيك قدره بطريقة معقدة في خلال بحثه عن السعادة التامة.
توابل - Movies
Into the Wild بحث درامي عن الحرية المطلقة
24-02-2008