لا يساوي خطأ من يعتقد بأن الاستقالات التي شهدناها أمس أمر غير مألوف، إلا ذاك الخطأ الذي يرتكبه من يرى في الاستجوابات والنقاشات التي تحصل في مجلس الأمة والتجاذب مع الحكومة نوعاً مكروهاً من التصعيد يستهدف الاساءة إلى الديموقراطية وخصوصاً إلى الحكم.

Ad

ما حصل أمس هو الصواب بحد ذاته، واستقالة الجراح بديهية ولو أنها أتت متأخرة. أما الذين يستغربون كيف أن وزيراً يصعد إلى المنصة ويخرج منها إلى المنزل فهؤلاء لا يريدون أن يصدقوا أن طبيعة الديموقراطية تفرض أحياناً خروج مسؤولين ودخول آخرين ومحاسبة مرتكبين أو مرتبكين أو مقصرين. والأمثلة لا تحصى في الديموقراطيات العريقة، ولنا في دونالد رامسفيلد وفي طوني بلير مثلان طازجان على قدرة المؤسسات الديموقراطية على التغيير من دون اتهام بالتصعيد واستهداف النظام.

ما حصل يجب ان يوضع في اطاره الصحيح لأن من يقرأ صحف الكويت الصادرة في الأسبوع الماضي، من دون أن يكون متابعاً للوضع السياسي المحلي وملماً بتركيبته يمكنه بسهولة أن يخرج بانطباع بوجود معارضة قوية للحكم وليس للحكومة.

فمنذ بضعة أشهر استقالت الحكومة كلها تحت ضغط استجواب وزير الصحة الشيخ أحمد العبدالله الأحمد، وفي الأسبوع الماضي أصبحت حقيبة وزارة النفط في حكم الشاغرة، بعد استجواب حاملها الشيخ علي الجراح، وفي جلسة اليوم التالي بالتحديد قرعت أجراس قوية تنال من أداء وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الشيخ صباح الخالد، على خلفية التهاون في تطبيق قوانين الرياضة، بل إن أحد النواب لم يتردد في التحدث «بتأكيد» شديد عن احتمالات استجواب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك.

بقناعة كاملة لا تحفظ فيها ولا استدراك، نؤكد أن مثل هذا الانطباع وأياً كان موقع حامله، هو انطباع خاطئ ومضلل.

هو خاطئ ومضلل، لأن العديد من الكتل والنواب قد غيروا مواقعهم بالكامل حيال الاستجوابين، فمن وقف مع طرح الثقة بأحمد العبدالله وقف مدافعاً عن علي الجراح والعكس صحيح.

وهو خاطئ ومضلل، لأنه في الحالتين كان هناك إجماع بين كل الكتل والنواب على النيّات الإصلاحية لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح.

وهو خاطئ ومضلل، لأن الاستجواب الأول ـ الذي أدى إلى استقالة الوزارة ـ كان في حقيقته موجها إلى ممارسات شيوخ آخرين من خلال شيخ وزير، ولأن الاستجواب الثاني وجه إلى الشيخ وزير النفط بسبب علاقته المريبة بشيخ هو وزير نفط أسبق، أما الأجراس التي قرعت للشيخ وزير الشؤون الاجتماعية والعمل فسببها شيوخ آخرون يمسكون بالرياضة الكويتية من تلابيبها.

إذاً ليست هناك معارضة نيابية للحكم، بل هناك تجاوزات من بعض أبناء بيت الحكم، لا يرضى عنها سيد البيت، ولا يقبل بها ولي عهده، ولا يستطيع ردعها رئيس الوزراء.

الانطباع الخاطئ والمضلل عن وجود معارضة نيابية تستهدف الحكم، لا يمكن أن يصدقه ويتفق معه أو يؤيده ويعمل على نشره، إلا من لا يعرف مدى التلاحم العضوي الوثيق بين شعب الكويت و«صباحها»، ومن لم يطلع على كلمات مؤتمر جدة وقراراته، ومن خان ذاكرته فتناسى الشواهد التاريخية الكثيرة والمتواصلة على قوة تمسك الكويت بشرعيتها الدستورية.

مجلس الأمة بكل كتله ونوابه مع الحكم... المهم أن يكون كل أبناء الحكم بعضهم مع بعض ومع مجلس الأمة.

أما التشكيك والاتهام بالتصعيد لمجرد أن وزيراً استُجوب واستقال فهما بدعة الذين لم يفقهوا أصول الديموقراطية.

الجريدة