لمَ نطرح هذين السؤالين الآن؟مات عشرات الناس في تظاهرات جماعية ضد الحكم الصيني في التيبت. عمد المتظاهرون في شوارع لهاسا إلى إضرام النار في الشركات الصينية وحطموا المباني الحكومية. بدأت التظاهرات عندما خرج الرهبان البوذيون من أديرتهم في مسيرة في العاشر من آذار (مارس) الجاري، إحياء للذكرى التاسعة والأربعين للانتفاضة الفاشلة ضد الحكم الصيني في التيبت التي حاولت إعادة الحاكم البوذي، الدالاي لاما، إلى منصبه كحاكم سياسي في التيبت عام 1959. تعرض بعض المتظاهرين هذه السنة إلى الاعتقال وفي اليوم التالي، انطلق عدد إضافي من الرهبان في مسيرة أخرى. فور انتشار الخبر، نزل التيبتيون في الصين والنيبال والهند إلى الشوارع أيضاً. ما سبب هذه التظاهرات؟مات أكثر من سدس السكان البالغ عددهم 6 ملايين نسمة عندما اجتاحت الصين التيبت في العام 1950، مدعية أن التيبت كانت رسمياً جزءاً من الأمة الصينية منذ القرن الثالث عشر، فرد عليهم التيبتيون بالقول إن أراضيهم كانت مملكة مستقلة طوال قرون ويحكمها الدالاي لاما منذ القرن السابع عشر. أعلنت التيبت استقلالها في العام 1912، وحافظت على هذا الاستقلال حتى اجتياح العام 1950 وهو حدث ما زال يثير الاستياء والمرارة في نفوس التيبتيين. في الاعوام الأولى بعد الاجتياح، فرض الصينيون سيطرتهم بالقوة وعامل الجنود السكان المحليين بوحشية وتعرضت الحضارة التيبتية للقمع، فأُقفلت أديرتها وحُظر استخدام لغتها في جامعتها.وحاولت بكين أخيراً تهدئة الوضع في التيبت، فنقلت مجموعات كبيرة ممن ينتمون إلى الاثنية الصينية إلى التيبت كي يفوق عددهم عدد التيبتيين أصحاب الأرض. يكره التيبتيون هؤلاء المهاجرين الصينيين من الهان، قائلين إنهم يسلبونهم أفضل وظائفهم. كذلك يدّعون أن بلادهم حُرمت من الازدهار الاقتصادي الذي تتمتع به الصين، مع العلم أن التيبت تعاني من التضخم الذي يتزايد بسرعة في الصين. تحدث الدالاي لاما عن «إبادة حضارية، إذ يُحرم التيبتيون من التمتع بالوضع الاجتماعي والاقتصادي نفسه داخل بلادهم».من هو الدالاي لاما؟يؤمن البوذيون التيبتيون أنه التقمص الرابع عشر للدالاي لاما الأصلي الذي كان قائداً روحانياً ولد في العام 1352 ويُقال إنه تقمص لأفالوكيتشفارا أو بوديساتفا الرحمة. ولد الدالاي لاما الحالي في عائلة فلاحين في قرية صغيرة في شمال شرق التيبت في العام 1935. عندما كان في الثالثة من عمره، اعتبره الرهبان الزوار تقمص الدالاي لاما الثالث عشر الذي مات قبل أربعة اعوام.في العام 1950، أمسك بزمام السلطة بصفته الحاكم الدنيوي للتيبت، كان آنذاك في الخامسة عشرة من عمره، في تلك السنة اجتاح الصينيون البلاد. بعد سبعة اعوام، فرّ واستقر في دهارامسالا في شمال الهند حيث أسس حكومة في المنفى، في حين وقّع وفد من التيبتيين الذين استُدعوا إلى بكين على وثيقة متخلين فيها عن استقلال التيبت.هل هو إذاً القائد الروحي والسياسي؟يُعتبر القائد الروحي والسياسي على حد سواء. يتطلع إليه ستة ملايين بوذي تيبتي لنيل الإرشاد الروحي، لكنه قائد 100 ألف تبتي يعيشون في المنفى في الهند واللاجئ السياسي الأكثر شهرة في العالم أيضاً. ومنذ هربه من التيبت، كرس حياته لشن حملة عالمية بغية الترويج لقضية بلاده المحتلة، إلا أنه يشدد دائماً على ضرورة عدم اللجوء إلى العنف. نتيجة لذلك، حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1989.اتبع الدالاي لاما مسلكاً مدروساً أبقاه طاهراً روحياً، مع أنه لم يخلُ من الحنكة السياسية. تمكن من إيجاد «طريق وسط» لحل الوضع في التبت، مقترحاً منح التيبت الاستقلال الذاتي من دون انفصالها عن الصين. يخاطب الدالاي لاما شعبه بطريقة مختلفة عن مخاطبة الغربيين. مع شعبه يتكلم، على غرار الدالاي لاما السابقين، بجدية ووضوح عما ينبغي لهم فعله. أما مع الغربيين، فلا يعظ من مركز متعالٍ، بل يبدو شخصية ودودة تتكلم بتواضع نابع من ممارساتها البوذية. يمتاز بدفئه وروحه المرحة، ووسيلته للتخاطب هي رسالته، إلا أنه يحذر غالباً البوذيين الغربيين من أن «عليهم تعاطي السياسة إذا أرادوا الاهتمام بالدين».لمَ يتمتع بهذه الشهرة الواسعة؟يُعتبر الدالاي لاما الرجل الذي عرّف هوليوود إلى البوذية وصارت البوذية اليوم الديانة الشرقية الأوسع انتشاراً في الغرب، فهي تلقى رواجاً بين الطبقات التي تشجع على العلمانية، لأنها لا تفرض عقيدة بل تحث على السؤال والبحث، مقدمة بالتالي مزايا الإيمان من دون عبء التعصب. كذلك تبنت «حركة العصر الجديد» الكثير من ممارسات البوذية، مثل التأمل. إنها بمثابة علم التنجيم القديم الحديث بالنسبة إلى الطبقات المتوسطة في الغرب. والمفارقة أن الدالاي لاما لا يحاول هداية الناس، ففي حال وجد الناس التقاليد الروحية الخاصة بحضارتهم، على حد قوله، عليهم أن يبحثوا في أعماقهم ليعرفوا السبب. إلا أن شخصيته المؤثرة وتسامحه جعلا منه أحد أشهر رجال الدين الأحياء اليوم. بما أنه يترفع عن العنف، لمَ يقوم أتباعه بأعمال شغب؟ضاق الكثير من الشبان التيبتيين ذرعاً بموقفه المسالم، على الرغم من رفض الدالاي لاما وتحذير الحكومة الصينية، لجأوا إلى التظاهرات العنيفة، مع أنهم، على ما يبدو، أستهدفوا الممتلكات لا الناس. غير أن الدالاي لاما أخبر الصحافيين أخيراً أن هذه الحوادث في التيبت كانت خارجة عن سيطرته وأنه سيستقيل في حال ازدادت أعمال العنف سوءاً في الوطن.ما كانت ردة فعل الصين؟جاء ردها عنيفاً. قتل ما لا يقل عن 99 شخصاً ومات 19 منهم برصاص قوى الأمن في مقاطعة جيانغسو في شمال غرب الصين. تلوم حكومة بكين الدالاي لاما وتقول إن «عصاباته التيبتية» قتلت 13 «صينياً بريئاً». ذكر رئيس مجلس الدولة الصيني ون جياباو أخيراً أن ثمة أدلة تظهر أن «هذه الحادثة نظمتها جماعة الدالاي لاما، دبرتها، خططت لها وحضت عليها».هل تؤثر هذه الحوادث في الألعاب الأولمبية؟سيكون لها تأثير على الأرجح. يخطط المناصرون لهذه القضية داخل الصين وخارجها لاستخدام الألعاب الأولمبية في آب / أغسطس المقبل لإثارة هذه المسألة. كذلك قد تشكل رحلة الشعلة الأولمبية عبر التيبت وفوق جبل إفرست في حزيران / يونيو المقبل وهي في طريقها إلى الألعاب الأولمبية الشرارة لحوادث مهمة. تظاهر الناشطون التيبتيون خارج مقر اللجنة الأولمبية الدولية، مطالبين بتبديل مسار الشعلة التي يُفترض أنها رمز للتفاهم.وماذا بعد؟أي شيء ممكن. انتشرت التظاهرات الآن في مقاطعات صينية أخرى تحد منطقة الهيمالايا. نزل التيبتيون إلى الشارع في جيانغسو وتشينغهاي وسيتشوان وأمرت وزارة الأمن العام الصينية بزيادة رجال الشرطة الموجودين هناك. كذلك ازداد التوتر، بعدما وضعت الشرطة الصينية العصي جانباً وحملت البنادق. بطاقة تعريفالمساحة: 2.5 مليون كيلومتر مربع.العاصمة: لهاسا.عدد السكان: 6 ملايين تيبتي وما يُقدر بـ7 ملايين صيني.الطعام التقليدي: تسامبا (طحين الشعير المحمص).المشروب الوطني: الشاي مع الزبدة المملحة.أعلى جبل: جبل تشومولانغما (جبل افرست)، علوه 29028 قدماً.الموارد المعدنية: البورق، اليورانيوم، الحديد، الكروميت، الذهب.المقاطعات: أمدو، خام، واو-تسانغ.البلدان المجاورة: الهند، النيبال، بوتان، بورما، الصين.القائد السياسي والديني: الدالاي لاما الرابع عشر، في المنفى في دهارامسالا في الهند.هل الدالاي لاما مسؤول عن أعمال العنف في التيبت؟نعم...- ولّد ترويجه لاستقلال التيبت الذاتي، مقارنة مع الواقع السياسي، آمالاً كاذبة في نفوس المتظاهرين.- يدعي الصينيون أنهم يملكون أدلة تظهر أن هذا الاضطراب «خططت له مجموعة الدالاي لاما وحضت عليه».- صحيح أن كلماته كلمات رجل مسالم، إلا أن أعماله تظهر أنه سياسي محنك. لا...- التزم طوال حياته بالسلام، ولا يقبل أن تقوم تظاهرات باسمه ما لم تكن سلمية.- مرة جديدة، أرسلت السلطات الصينية قوات مسلحة لصد مدنيين عزل.- إن سياسة إغراق التيبت بمهاجرين صينيين التي تعتمدها بكين هي السبب الحقيقي لهذا البغض العميق المتفشي بين التيبتيين.
توابل
مَن هو الدالاي لاما؟ ولمَ هو محور تظاهرات التيبت؟
23-03-2008