مخطئ وزير الإعلام لو اعتقد أنه يُحقق إنجازاً أو خطوة تستحق التقدير بإصداره اللائحة التنفيذية للقانون رقم 61 لسنة 2007 بشأن الاعلام المرئي والمسموع، فاللائحة بالشكل الذي صدرت فيه ليست سوى مجرد خرقة بالية لن تلقى منا ومن أهل الرأي في الكويت إلا الرفض الكامل.

Ad

مشكلة اللائحة العظيمة أنها تعاني عيبين، الأول مضمونها المتخلِّف الذي يفرض رقابة مسبقة على الانتاج والبث المباشر، والثاني توقيتها المشبوه الذي يلحق إجراء مريباً بوقف البرامج الحوارية في تلفزيون الكويت.

لا أحد يرفض لائحة تنفيذية تنظم عمل قطاع مهم يزداد اتساعاً وتعقيداً مع تطورات التكنولوجيا ومستلزمات الحداثة، وانفتاح طرق المعلومات. والكل يعلم ان الدول الأكثر عراقة في الديموقراطية والحريات تنظم هواءها، وتضع قوانين تمنع الفوضى، وتحفظ المجتمع من الاتجاهات المدمرة والمنافية لقواعد الحرية المسؤولة. لكن لا يمكن لأحد ان يصدق اننا في القرن الواحد والعشرين وفي زمن انفجار وسائل الاتصال يمكن أن نُصدر لائحة تنفيذية تعود الى زمن غابر، وإلى ممارسات الدول القمعية، وإلى ما نشهده في ما تبقى من دكتاتوريات ممجوجة.

نحن هنا في الكويت يا معالي وزير الإعلام... ولعلمك فإن تجربتنا الديموقراطية هي ملك الشعب الكويتي الذي يحرص على تطويرها، ويرفض النكوص عنها.. ولعلمك فإننا لم نقتنع بأن وقفك البرامج الحوارية الثلاثة في التلفزيون مجرد إجراء تقني سببه ضيق الهواء في فترة الاحتفال بالعيدين الوطني والتحرير؛ بل نعتقد ان ضيق الصدر هو السبب الأساسي، يليه الاعتقاد بأن المجتمع خامل يقبل بها إذا فرضت عليه، وبأنه مسكين يحوِّل الأمر الواقع الى وقائع... هذا وهمٌ أكيد، مثله مثل الظن أن «اللائحة الهمايونية» يمكن ان تمر، وأن الكويت يمكن أن تعود الى زمن الرقيب التافه الذي كان يداوم في الصحف، ينشر ما يشاء ويمنع ما يشاء.

لا تبدأ مشكلة قانون المرئي والمسموع في لائحته التنفيذية التي تم إتحافنا بها، فهي ناجمة أصلاً عن خلل بنيوي؛ ذلك ان كل دولة متحضرة نظمت هواءها، جعلته في عهدة مجلس أعلى للمرئي والمسموع، يضم شخصيات معنوية مشهوداً لها بالحياد والنزاهة والكفاءة، بينها أكاديميون وقضاة وأهل فكر يستطيعون التعاطي مع الحاجة الماسة الى الحرية بالمرونة الكافية واتساع الرؤيا. وليس مصادفة أن الدول التي لا تزال ترزح تحت عبء وزارات الإعلام وأساليبها البالية لم تستطع أن تحتل مركزاً متقدماً حقيقياً يتجاوز البهرجة الى عمق تجربة ممارسة الحرية.

ما زلنا بعيدين عن ذلك... لكننا يجب أن نكون على الطريق. ولن يعيدنا الى الوراء إجراء متعسف من هنا، ولائحة مخالفة للدستور من هناك... وعلى من أصدر اللائحة أن يدرك أن حرية الكويت ستبقى أمانة في عنق الأحرار.

الجريدة