استعرض الشيخ ناصر المحمد خلال منتدى الكويت العالمي الأول الذي يعقد في بروكسل، المقومات الرئيسية التي تؤهل الكويت لأن تكون مركزاً مالياً وتجارياً، لافتاً إلى أن هناك خطوات حثيثة وعملية للوصول إلى هذه الغاية. أكد سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، أن الكويت مؤهلة لأن تكون مركزا ماليا وتجاريا وبوابة للتجارة الدولية في منطقة جنوب غرب آسيا. واستعرض الشيخ ناصر المحمد في كلمة ألقاها على هامش أعمال «منتدى الكويت العالمي الأول»، الذي بدأ مساء أمس الاول في بروكسل ويستمر يومين، مقومات الكويت كمركز مالي واقتصادي في منطقة جنوب غرب آسيا، وكبوابة للتجارة الدولية بين الشمال والجنوب، قائلا ان مقومات الكويت ترتكز في المقام الأول على الإنسان ثم الأرض والاستقرار السياسي والثروة الطبيعية والمالية. وأشار إلى، مقومات الكويت كمركز مالي واقتصادي في منطقة جنوب غرب آسيان وكبوابة للتجارة الدولية بين الشمال والجنوب. وأوضح في كلمته أن المقوم الأول هو الإنسان الكويتي، إذ نشأت الكويت منذ أكثر من ثلاثة قرون على ضفاف ميناء تجاري، واحترف أهلها التجارة وصيد اللؤلؤ، وقد وُصف المجتمع الكويتي بين أهل المنطقة منذ بداية تكوينه بالتجاري، ووُصف الكويتيون بصانعي المال، فالكويت تمتلك خبرة عريقة في التجارة وصناعة المال، وهي خبرة لم تتوقف بعد ظهور النفط، بل واكبت كل التطورات العالمية المعاصرة في الاقتصاد العالمي، ولعلني لا أبالغ إذا قلت ان الكويتيين يملكون في داخلهم غريزة تجارية، ولعل هذه الغريزة هي التي تدفع الكويت باستمرار إلى أن تكون أسبق من غيرها في المنطقة في تبني الأنظمة والهياكل والأساليب المالية والاقتصادية الحديثة».واضاف المحمد إن هذه الغريزة هي التي أكسبت الكويتيين سجية التواصل بين الشعوب ونزعة الانفتاح على ثقافاتها. وروح التسامح بينهم ومع غيرهم، وهي التي كرست الميل إلى الاستقرار واحترام القواعد المنظمة للعلاقات، مشيرا الى ان الإنسان الكويتي بخبرته العريقة وقيمه وسجاياه، هو الثروة الحقيقة للكويت، وهو الأساس الذي نبني رؤيتنا الاستراتيجية وفقه. وقال رئيس مجلس الوزراء إن استراتيجية التربية والتعليم تحتل موضع الصدارة في تفكيرنا، فبناء الإنسان لدينا مقدم على تشييد العمران، ونحن نضع سياساتنا التربوية والتعليمية لتلبي حاجات الخطط التنموية في البلاد، ونضع أكثر من مسار تعليمي حتى نضمن أكبر استفادة من الأجيال القادمة، ونستثمر كل القدرات الكامنة فيهم، لذا فإننا لا نهتم بمخرجات التعليم الأكاديمي فحسب، بل نولي أهمية كبرى لمخرجات التعليم التطبيقي والتكنولوجي ومخرجات التدريب.وبين المحمد ان المقوم الثاني هو أرض الكويت، قائلا «أرضنا تقع في شمال الخليج وقمته، وهذا الموقع منحها بعدا استراتيجيا على كل المستويات، إذ يعتبر أقرب نقطة لساحل البحر الأبيض المتوسط، ويحيط به ثلاثة كيانات إقليمية كبيرة، وكانت الكويت المصدر الرئيسي خلال القرون الثلاثة الماضية لتزويد المناطق القريبة بالسلع والمواد الأساسية، ولعل هذا الموقع أغرى بعض الدول في أوائل القرن الماضي لبناء سكة حديدية تربط أوروبا بالخليج، تبدأ ببرلين وتنتهي بالكويت، ونحن في الكويت ندرك تماما أهمية موقعنا وقيمته الاستراتيجية، لذا فإننا نفكر جديا في احياء الطريق التجاري القديم الذي كان يبدأ من الخليج ويسلك نهر الفرات صعودا إلى سوق دورة قرب أبو كمال بسورية، وتنتقل منها البضائع بالقوافل عبر صحراء الشام إلى تدمر أو غيرها ومنها إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، إننا نفكر بأن نبني مدينة كبيرة في منطقة الصبية الواقعة في شمال الكويت، لتكون مركزا ماليا وتجاريا يخدم المحيط المجاور، الذي يمتد إلى ضفاف بحر قزوين وضفاف البحر الأبيض المتوسط، وقد وضعنا مخططاتها وباشرنا في المراحل الأولى للتنفيذ، وهي من المشاريع الضخمة التي قد يصل الاستثمار فيها إلى ما يزيد على مئتي مليار دينار، كما سننشئ جسرا طوله يزيد على خمسة وثلاثين كيلومترا، يربط مدينة الكويت بتلك المدينة الجديدة، وعلى الضفة المواجهة للمدينة الجديدة سننشئ في جزيرة بوبيان ميناء كبيرا لاستقبال الحاويات القادمة من دول وسط آسيا وروسيا وأوروبا والمصدرة إلى جنوب الأرض، فنحن نفكر جادين بربط الميناء بالخط الحديدي المسمى تراسيكا، والذي يربط دول وسط آسيا بعضها ببعض ويصلها بأوروبا، مما يعطي دول وسط آسيا وشرق أوروبا طريقا مختصرا نحو الجزء الجنوبي من الأرض، كذلك نفكر جادين في إنشاء ممر يصل الكويت بأحد الموانئ في غزة أو لبنان أو سورية، ليربط الخليج العربي بالبحر الأبيض المتوسط، وهو ممر يعيد إحياء الطريق البري التجاري القديم، وسيكون ممرا بريا موازيا لقناة السويس، يتضمن سككا حديدية وطرقا سريعة للشاحنات وخطوط أنابيب لنقل النفط وخطوط طيران شحن دورية بين الميناءين، ونأمل في أن يمتد هذا الممر ليصل إلى ميناءي جبل علي في دبي وصلالة في عُمان. واضاف إن المدينة الجديدة التي أطلقنا عليها مدينة الحرير وميناء بوبيان وممر الكويت الممتد إلى البحر المتوسط والربط مع مشروع سكة حديد تراسيكا، كل ذلك يمثل مستقبلنا البديل عن النفط، وفي نفس الوقت يقودنا إلى آفاق واسعة في مجالات الاستثمار ويفتح آمالا جديدة للتعاون بيننا وبين شعوب العالم، وإننا قد باشرنا فعلا في وضع التصميمات للمدينة الجديدة، وبدأنا في اعداد الدراسات المطلوبة للبدء بالمشروع، كما بدأنا المراحل الأولية من تنفيذ مشروع ميناء بوبيان، وفي نفس الوقت باشرنا منذ عام في اعداد الدراسات المتعلقة بربط الكويت بشبكة من سكك الحديد مع جيرانها. واوضح المحمد ان المقوم الثالث يتمثل في استقرارنا السياسي، وقال: نحن شعب مسالم اختار الحوار والتشاور والتفاهم وسيلة له للاتفاق وصنع القرار، واذا كان أجدادنا الأوائل ساروا على تقاليدهم السياسية الديموقراطية من دون اتفاق مكتوب. فإننا حرصنا منذ اللحظة الأولى ونحن نبني الدولة الحديثة، أن نجعل تقاليد الآباء مكتوبة في وثيقة دستورية تحظى باحترام الشعب الكويتي قاطبة، وهي وثيقة ضمنت للكويتيين نظاما ديموقراطيا فريدا في المنطقة العربية تحكمه مؤسسات دستورية وليس أشخاصا، وضمنت كذلك فصلا للسلطات مانحة البرلمان سلطات رقابية واسعة على أعمال الحكومة. كما ضمنت استقلالا للقضاء الكويتي بشكل يمنح رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب اطمئنانا كبيرا، وتتمتع الكويت بديوان محاسبة مستقل يمارس عمله بحماية لا تتوافر إلا للقضاء، كما لدينا حريات صحافية تكاد تضاهي ما هو موجود في الغرب من تعبير أو إصدار صحف أو محطات تلفزيونية، وإضافة إلى كل هذا، فإن لدينا مجتمعا مدنيا ينتج سنويا عدة مؤسسات فاعلة على الساحات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وتمارس تلك المؤسسات دورا فاعلا في صناعة الفكر والرأي. ونعتقد أن هذه البيئة الديموقراطية توفر للكويت بيئة تشريعية مستقرة تتحكم فيها المؤسسات وليس الأفراد. وهو ما يحتاج إليه أي مستثمر أجنبي لحماية استثماراته من التغيرات الفجائية أو المزاجية، كما إنني باشرت منذ تسلمي مقاليد منصبي بتكريس مقومات الحكم الرشيد، إذ قمت بعدة زيارات إلى ديوان المحاسبة مطالبا إياه بتوسعة دوره لإحكام الرقابة على مصروفات الحكومة ومراقبة حالة الشفافية والنزاهة في أعمالها، كما وقعنا اتفاقا مع البنك الدولي لمراجعة التشريعات الكويتية وفحصها لمعرفة مدى ضمان الشفافية فيها، ولمساعدتنا في انشاء هيئة حكومية تتصدى لجميع أشكال الفساد وفق ما طالبت به اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، ودعمنا إنشاء منظمة أهلية لمحاربة الفساد، ويسعدني أن أقول ان الكويت سبقت كثيرا من دول العالم في سن قانون لحماية المال العام منذ مطلع التسعينيات، وهو من القوانين المكرسة لمبدأ الشفافية ومحاربة الفساد، وعلى بند أولويات الفصل التشريعي الحالي للبرلمان تشريعات كثيرة هدفها تحرير الاقتصاد من هيمنة القطاع العام، وتشجيع المستثمر الأجنبي ومنحه تسهيلات ضريبية وتكريس الشفافية وغيرها من مشاريع قانونية. إن الاستقرار السياسي الذي تتمتع به الكويت، ومناخها الديمقراطي المميز، وبيئتها التشريعية الخاضعة لمؤسساتها الدستورية، كل ذلك ميزة فريدة لا تتمتع بها إلا الكويت في تلك المنطقة من العالم.وبين ناصر المحمد ان المقوم الرابع يتمثل في ثرواتنا الطبيعية والمالية، واردف قائلا ان الكويت تملك رصيدا ضخما من احتياطيات النفط المؤكدة، ناهيك عن أنها تملك مخزونا كبيرا من النفط يمكن تطويره ليزيد كميات الاحتياطي المؤكد ويزيد من عمر الإنتاج، وتشير معظم السيناريوهات الى أن الكويت ستظل تنتج نفطا عندما تنفد احتياطيات كثير من الدول النفطية، وبرغم أننا نعتقد أن الطلب على النفط سوف يتزايد في العقود القادمة، وأن العرض قد لا يلبي كل حاجة السوق، إلا أننا نعتقد أن هناك مسؤولية حضارية تقع على الدول المنتجة لتوفير أكبر قدر من الطلب على النفط، فنحن قررنا رفع السعة الإنتاجية إلى الضعف تقريبا لمواجهة زيادة الطلب في المستقبل، كما نسعى إلى تطوير موانئنا حتى نكثف من عمليات التصدير، ولا يخفى عليكم أن فكرة الممر البري الذي يربط الخليج بالبحر الأبيض المتوسط تضمنت خط أنابيب لنقل نفط الكويت والعراق إلى أوروبا. فالنفط الخليجي يكاد يكون محصورا في بحيرة لها مخرج واحد هو مضيق هرمز، مما يهدد عمليات تصدير النفط لأي طارئ يغلق المضيق، فالبحث عن نقاط تصدير خارج الخليج هو موضع اهتمامنا، لأننا نؤمن بأن النفط أو غيره من المواد الأساسية للعيش يجب ألا تستخدم كسلاح في الخلافات السياسية والحروب، إن الاحتياطيات النفطية المؤكدة ستبقي الكويت دولة ممتلئة ماليا في نظر المؤسسات المالية العالمية إلى منتصف القرن الحالي على الأقل، وهي ثروة توفر قدرا كبيرا من الفوائض المالية التي نرى أنها يجب أن تتجه إلى بناء الإنسان الكويتي وتحديث البنى التحتية والخدمات اللوجستية التي تحتاج إليها الكويت كمركز مالي واقتصادي، والوصول إلى ذلك قمنا بالتعاون مع حكومة سنغافورة بتنفيذ خطة للوصول إلى الحكومة الإلكترونية. وقد أنشأنا هيئة حكومية لمتابعة هدا المشروع الضخم الذي نأمل بأن ينجز مع نهاية عام 2008، ونحن نفخر باننا سباقون في إدخال احدث تكنولوجيا الاتصالات كجزء من تطوير البنية التحتية، إذ اننا ننفذ الآن المرحلة الأولى من مشروع توصيل كوابل الألياف الضوئية، وكذلك للمنازل في 30 منطقة من الكويت كمرحلة أولى، مع نية ربط جميع مناطق الكويت، مع الاستفادة من احدث حلول شبكة الجيل الجديدة، ونأمل في تقديم حزمة النطاق بسعة تصل إلى 70 ميغابايت لكل مشترك مع بداية العام الجديد، وبهذا تكون الكويت من أوائل الدول التي تستخدم هده التكنولوجيا على كامل أراضيها، كما إننا أنجزنا التصاميم الأولية لبناء شبكة مواصلات للمترو تحت الأرض وفوقها، ونستعد للتنفيذ في الأشهر القليلة القادمة، ناهيك عن أن الكويت تتمتع بشبكة حديثة ومتطورة للطرق السريعة تربط الكويت بكل أجزائها، وتملك ثلاثة موانئ حالية في طور التطوير بالشراكة مع مشغل عالمي، كما أننا نعتز بتجربة مؤسساتنا المالية الناهضة من شركات استثمارية ومصارف وشركات تأمين وهيئات مالية وأسواق أوراق مالية، وما تقدمه من خدمات مصرفية وتأمينية متطورة، فهي رائدة ومتقدمة مقارنة بمثيلاتها في المنطقة.واضاف المحمد: إذا كانت أقطار الخليج العربي كلها ذات اقتصادات غير متنوعة تعتمد على إنتاج وتصدير النفط بصورة رئيسية، وهي اقتصادات مفتوحة على العالم الخارجي، وتتجه أغلب تجارتها نحو الأقطار المتقدمة، إلا أن الكويت بدأت منذ أواخر الستينيات في تنويع مصادر دخلها، فهي بجوار إنتاج النفط تنمي فوائضها المالية وتستثمرها في الخارج، وقد وصلت عائدات الاستثمار في فترات ما قبل الغزو العراقي للكويت إلى مستوى يقارب عائدات النفط، غير أننا سلكنا سياسة نعتز بها وهي ادخار تلك العائدات وعدم ادراجها ضمن إيرادات الدولة السنوية، وهذه الاستثمارات قوة مالية نستند إليها في كثير من خططنا ورؤانا، لكننا لم ولن نستخدمها كوسيلة ضغط أو سلاح قط، وإذا بدأت الأسواق الأوروبية اليوم تتحدث هذه الأيام عن ظاهرة صناديق السيادة الاستثمارية وتبدي تخوفاتها منها، فإن الاستثمارات الكويتية سبقت هذه الظاهرة منذ عهد بعيد وصنعت لها سمعة طيبة في الأسواق العالمية منحتها الثقة الدولية، ولقد تجاوبت الاستثمارات الكويتية في كثير من الحالات مع الرغبات السيادية لكثير من الدول التي استثمرت فيها، وليس أدل على ذلك اضطرار الكويت إلى بيع جزء كبير من حصتها في أسهم شركة بريتش بتروليوم إلى حد طمأن حكومة المحافظين آنذاك، بل اننا نؤكد أن استثماراتنا ساهمت في أحيان كثيرة في انعاش الأسواق وانقاذ بعض المؤسسات العريقة، وشعورا منا بالمسؤولية الدولية تجاه مشاكل الفقر، قامت الكويت منذ عهد مبكر بإنشاء صندوق الكويت للتنمية الذي ساهم على مدى عقود في دعم مشاريع التنمية في كثير من العالم. في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية وأوروبا، ومازال هذا الصندوق يقوم بدوره بشكل ملحوظ وناجح. وختم ناصر المحمد قائلا: أيها الحضور الكريم هذه مقومات الكويت التي تؤهلها لأن تكون مركزا ماليا وتجاريا وبوابة للتجارة الدولية في منطقة جنوب غرب آسيا، وانني أرجو أن أكون قد قدمت ملامح رؤيتنا لاستكمال بناء دولتنا الحديثة وإدخال جميع مستلزمات العصرنة فيها، كما أرجو أن أكون قد قدمت لكم صورة للكويت تربط ماضيها وحاضرها بمستقبلها المنشود، مع خالص شكري وتقديري لإصغائكم.
محليات
ناصر المحمد من بروكسل: الكويت مؤهلة لأن تكون مركزاً مالياً المقومات ترتكز على الإنسان والأرض والاستقرار السياسي والثروة الطبيعية والمالية
19-12-2007