يعرف الجميع أن النفط هو مصدر الدخل الأساسي للدولة منذ اكتشافه، وعلى الرغم من ذلك يرى البعض أنه يعامَل بإهمال وبطرق بيروقراطية أخرت التطور في هذا المجال. ولكن لاتزال هناك فرصة مقبلة أمام المسؤولين عن قطاع النفط، إذ إن الكويت مقبلة على تطور سياسي جديد من خلال الانتخابات البرلمانية بعد تغيير الدوائر، وهناك تفاؤل كبير بأن تفرز هذه الانتخابات أعضاء قادرين على أن يضعوا خططاً للقطاع بالتعاون مع الحكومة. وتنقل «الجريدة» اليوم مجموعة من آراء المتخصصين في النفط للمرحلة السياسية المقبلة بشأن كيفية انتشال القطاع مما هو فيه من تأخر.

Ad

يرى وزير النفط السابق د. عادل الصبيح أن قطاعي النفط والاستثمار قطاعان يعتبران مصدر رزق للدولة، ويجب أن تعمل السلطة التنفيذية جاهدة على أن تعزل هذين القطاعين عن جميع المؤثرات السياسية والاجتماعية وتمنع التدخلات فيهما، موضحاً ان تعيين قيادي في أحد القطاعين لا تتوافر فيه الكفاءة اللازمة يعني أننا نكبد البلد خسائر بمئات الملايين، لأن اتخاذ قرار خاطئ أو التأخير في اتخاذ قرار قد يؤدي إلى أضرار جسيمة وخسائر كبيرة، وهنا يجب أن تضع الحكومة حاجزا وقائيا وحديديا أمام التدخل سواء كان ذلك من الحكومة أو من مجلس الأمة.

وأوضح الصبيح ضارباً مثالاً لنتائج التدخل في القطاع النفطي أو الاستثماري، فمن خلال سرقة مليون دينار مثلا تقوم الدنيا ولا تقعد ولكن لو كان هناك موظف تم تعيينه بالواسطة يؤدي إلى تفويت أو ضياع فرصة على البلد بـ100 مليون دينار، سنرى أنه لا أحد يستطيع في هذه الحال أن يحاسبه، والسبب هو أن الخسارة في علم الغيب، ولذلك يجب أن تسخر الكفاءات العليا في الكويت لهذين القطاعين. وبالأخص لقطاع النفط الذي يعد شريان الحياة وعصبها في الكويت ورزق ابنائها، كما يجب أن تمنع التدخلات من السلطتين التي تؤثر في قرارات هذين القطاعين. مؤكداً أن القطاع النفطي حالياً يعاني من التدخلات السياسية السافرة بشكل كبير من قبل الحكومة ومجلس الأمة معا، والتي أدت في نهاية الأمر إلى وجود اعداد كبيرة من القياديين لا تتوافر فيهم الكفاءة اللازمة لهذه المناصب مع احترامنا وتقديرنا لكفاءات جيدة في القطاع، والذين لا يجدون أي دعم من زملائهم الأقل كفاءة ليحققوا الأهداف المرجوة منهم.

وأوضح الصبيح أن القطاعين النفطي والاستثماري يجب ألا يكونا تابعين لأي وزير، وأن يكونوا على صلة مباشرة برئيس مجلس الوزراء. والهدف من ذلك حماية القطاعين من التدخلات والتأثير من أي جهة كانت.

وأيد الصبيح في المرحلة المقبلة أن ينظر إلى موضوع التخصيص في القطاعات النفطية ابتداء من التنقيب والحفر والانتاج والتكرير والنقل والتخزين والتصنيع والنقل البحري، قائلاً: يجب أن يكون التخصيص على مراحل وبالتدريج، وان هذا الوضع لا يتناقض مع الدستور من حيث إن النفط ثروة طبيعية، ويجب أن يكون تحت مظلة الدولة لأن النفط في جميع مراحله هو ملك للدولة، ولكن المستثمر يقوم بأعمال نيابة عن الدولة باستخراج النفط مقابل رسوم معينة يتفق عليها مسبقاً.

وقال إنه لو تم التخصيص بهذا الشكل فسيكون القطاع أكثر كفاءة وأعلى انتاجية واقل تكلفة تشغيلية، بالاضافة إلى أنه سيكون ضمن القطاع الخاص، وسيساهم بشكل كبير في دفع الاقتصاد الكويتي.

المجلس البلدي

ومن جهتها قالت رئيسة مجلس ادارة شركة «السور» لتسويق الوقود نوال التويجري إن على الحكومة إذا أرادت تخصيص أي شركة أن تقدم لها جميع التسهيلات بالتعاون مع السلطة التشريعية، موضحة أنه كانت هناك موافقة على تخصيص محطات الوقود، ولكن فوجئنا بتصرفات المجلس البلدي الذي يعرقل تطوير الشركات التي تم تخصيصها سواء كانت بترولية أو غيرها.

وأضافت إن من المؤسف ما نراه من قبل الاعضاء المعينين من الحكومة في المجلس البلدي، والذين من المفترض أن يكونوا مؤيدين لاجراءات السلطة التنفيذية، لكننا نراهم يعرقلون مشاريعنا لتطوير محطات الوقود.

وأشارت التويجري إلى قرار اللجنة الفنية الأسبوع الماضي بتخصيص %15 مساحة لتطوير المحطات ووضع الخدمات داخل المحطة، بأن هذه النسبة غير كافية، إذ إن مساحة المحطة 4000 متر والنسبة المخصصة لا تكفي لبناء سوبر ماركت أو محطة غسيل للسيارات وغيرها من الخدمات، مؤكدة أن الاعضاء المعينين في المجلس البلدي يحاربون ويتصدون لعدم تطوير محطات الوقود.

وقالت أيضا ان من المؤسف حتى مؤسسة البترول الكويتية التي كانت من المفترض ان تكون مساندة لنا في موضوع اعطاء نسبة مساحة كافية لتطوير الخدمات داخل المحطات لأنها تملك أيضا 40 محطة وقود.

وطالبت التويجري السلطتين التشريعية والتنفيذية في المرحلة المقبلة أن تقوما بتسهيل متطلبات الشركات التي تم تخصيصها من اجل تطوير اداء الشركة.

وأوضحت ان شركة السور قامت بجميع التغيرات المطلوبة من اجل تطوير ادائها، ولكنها تنتظر الايعاز بالبدء لأنه من غير المعقول ان نقوم بالبدء والشركة لم تتسلم الترخيص للبناء من قبل البلدية، موضحة أن على المسؤولين في الكويت أن ينظروا إلى الدول المجاورة ومحطات وقودها التي سبقت الكويت في كثير من الخدمات حتى وصل الأمر إلى ان يتم تجديد الرخص للمركبات داخل محطات الوقود.

وقالت التويجري نحن نطمح إلى أن نصل ونقدم مثل هذه الخدمات ونتوقع في المرحلة القادمة أن يأتي تطويرها، ويكون كل منا حريصاً على سمعت الكويت، لأن هناك من يعتقد ان الخصخصة والتطوير يعنيان إهمالا للعمالة الوطنية، وهذا المفهوم غير صحيح.

واشارت التويجري بأصابع الاتهام إلى السلطة التشريعية التي تعد المعرقل الاول لقوانين الخصخصة في الكويت، ضاربة بذلك مثالا بمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية التي كان مفترضا لها ان تخصص قبل 20 عاما، لكن التخصيص تم الآن، على ان ينفذ بعد عامين.

وقالت: نأمل أن يأتي مجلس للأمة متفهم أكثر، وأفكاره غير «متحجرة» لأن ما شاهدناه في المرحلة الماضية من المجلس يدل على أنه هو من يضع العراقيل أمام تنمية الكويت.

عصر جديد من المنتجات

بدوره تمنى عضو المجلس الأعلى للبترول د. عماد العتيقي ان يتم انجاز الخطة الاستراتيجية لإنتاج 3 ملايين برميل عام 2010 و4 ملايين عام 2020، وهذا مطلب مهم وحيوي يتوافق مع ايرادات دولة الكويت واحتياجاتها في السوق النفطي.

وتوقع ان تكون هناك دراسة لاحتياجات الكويت المحلية من انواع الطاقة، وأن يكون هناك نوع من الترشيد لاستهلاك الطاقة بحيث نحافظ على بيئة الكويت من التلوث، وألا يكون الاعتماد على نوع واحد من الطاقة، بحيث يتم ادخال التكنولوجيا الجديدة والتقنيات الحديثة للانتاج، معللا ذلك بأن المساحة الجغرافية لا تتحمل محطات جديدة على غرار النموذج القديم، لأن الاتجاه الحديث في المدن الجديدة يجب أن تكون مولدات الطاقة موزعة جغرافيا، ويكون فيها ادخال الطاقة الهيدروجينية مثل الغاز الحر والوقود النظيف.

وطالب العتيقي بأن تدخل الكويت عصرا جديدا من المنتجات التي يمكن ان تساند النفط التقليدي مثل الغاز الحر والنفط الثقيل وتكون هناك اتفاقيات موسعة مع شركات التكنولوجيا التي تستطيع ان تساعد في انتاج مثل هذه الانواع من المنتجات بحيث تساهم في تنمية عجلة الاقتصاد في الكويت.

ودعا المعنيين إلى ان يأخذ مشروع تخصيص بعض النشاطات النفطية طريقه إلى حيز الواقع مثل تخصيص شركة ناقلات النفط او اجزاء منها، وتخصيص مصانع البتروكيماويات والأسمدة وتخصيص شركة البترول العالمية، أو بعض قطاعاتها، بالاضافة إلى اشراك القطاع الخاص في النشاطات الكبرى في قطاع الطاقة.

وتمنى العتيقي ان تستفيد الكويت من الحكومة بتطوير البلد ذاتيا سواء عن طريق تلبية الاحتياجات الطاقة أو تلبية احتياجات البلد من العمالة والتدريب، ويمكن أن يساهم في ذلك القطاع النفطي لا أن يقتصر على موضوع الانتاج.

وقال إن المطلوب سياسياً هو ألا يتدخل السياسيون في الامور الفنية، وهو من الامور الاساسية لان التدخل كان بشكل كبير من السلطتين، حتى إنه وصل إلى مضخات الكيروسين والديزل التي توضع في محطات الوقود! موضحاً ان هناك أمورا لا تحتمل أن تصدر بقرار سياسي.

واضاف: لو كان التدخل السياسي متوازنا لما انتظرنا 10 سنوات على مشروع حيوي ومهم مثل حقول الشمال الذي تم تعطيله، وهذا التدخل يسبب نوعا من القلق والارباك في كثير من مشاريع القطاع النفطي، مؤكداً ان هذا التدخل ليس فقط في القطاع النفطي.

الحرمي: ليسأل رئيس الحكومة عن خطط القطاع النفطي

اما الكاتب الصحافي والخبير في الشؤون النفطية كامل الحرمي، فقال إن على الحكومة في المرحلة المقبلة ان تضع خطة تنموية واضحة في كل المجالات، ولاسيما القطاع النفطي، حيث يجب ان يكون هناك التزام من قبل الحكومة بخطط المجلس الأعلى للبترول ومؤسسة البترول الكويتية، مع وجود التزام وتناغم وتناسق بين الحكومة ممثلة بوزير النفط وبين المجلس الأعلى للبترول. وأضاف أنه من غير المعقول مع تغيير كل وزير أن تتغير السياسات، فيجب ان تكون هناك ثوابت للحكومة تلتزم بها.

وضرب الحرمي أمثلة على هذا الموضوع، قائلا ان الكويت تريد بناء المصفاة الرابعة وتحقق معدل انتاج نفط مستمرا وثابتا لـ4 ملايين برميل في 2020 فهل هناك التزام من قبل الحكومة تجاه هذا الموضوع؟

وفي المقابل هل ستطرح الحكومة موضوع الاحتياطي النفطي على مجلس الأمة؟ وهل من الممكن أن يطّلع المجتمع الكويتي على ارقام الاحتياطي أم لا؟

واضاف أن على الوزير المقبل للنفط ان يسأل رئيس الحكومة: هل هناك خطط موجودة للنفط؟ وما هي؟ واذا نفذ الوزير هذه الخطط فهل ستسير الحكومة على نفس النهج؟ واذا عارض مجلس الأمة هذه الخطط فما هو دور الحكومة؟

وقال: يجب ان تكون خطة الوزير وبرنامج عمله حاصلان على موافقة من الحكومة والمجلس الأعلى للبترول ومن مؤسسة البترول الكويتية، مضيفا ان البرنامج يجب ان يكون شاملا وكاملا في جميع المؤسسات والقطاعات، سواء الحكومية او غيرها.

وتساءل الحرمي قائلا: هل ستلتزم الحكومة في المرحلة القادمة بموضوع خصخصة القطاع النفطي؟

وهل ستلتزم مؤسسة البترول الكويتية بتوسيع عملياتها ونشاطها في الخارج والاستثمار في الهند والصين وباكستان وفيتنام؟ والسؤال الأهم هل سيلتزم الوزير ببرنامج الحكومة؟

وشبه الحرمي القطاع النفطي حاليا بأنه يعاني «التوهان» و«الضياع» موضحا أن لدى الحكومة الآن مجلساً أعلى للبترول، ومجلس ادارة لمؤسسة البترول، وأن الأخيرة وضعت من «اختراعها» مجلسا استشاريا عالميا، ويجب أن تكون هناك في المرحلة المقبلة لجنة برلمانية خاصة تعنى بشؤون النفط وتتابع مع الجهات سير الخطط وبرامج الدولة في القطاع النفطي.

وأكد الحرمي ان القطاع النفطي يعاني من التدخلات السياسية فيه، وأن هذا بدا واضحاً مع تغير كل وزير، إذ يأتي بخطة جديدة اضافة إلى توظيف المقربين منه في القطاع، موضحاً أن تجنب مثل هذه التدخلات يكون عن طريق وضع خطة واضحة يكون رئيس الحكومة على علم بها ويراجعها مع الوزير المكلف.

الوزان: لا تضعوا البنية التحتية تحت رحمة لجنة المناقصات

«إما أن تكون وإما ألا تكون!» بهذه المقولة بدأ الرئيس التنفيذي لشركة «عارف» للطاقة طارق الوزان حديثه قائلا: إذا كانت الدولة جادة فهناك مواضيع كثيرة يجب أن تهتم بها مثل ايجاد وتطبيق خطة واضحة لمدة زمنية محدودة يقودها المختصون وتكون لها رؤية وهدف وطريقة عمل لتحقيق الهدف. بشرط أن تمنح هذه الخطة استقلالية كاملة عن بيروقراطية وأسلوب العمل العام لباقي المؤسسات، ووضع جهة رقابية متخصصة قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة والاستراتيجية التي تخدم مصلحة البناء والتنمية في القطاع النفطي.

وأشار الوزان إلى إنه يجب انشاء هيئة من مستشارين وطنيين ودوليين اصحاب اختصاصات في مجال صناعة النفط والغاز لتذليل المعوقات ووضع ضوابط حسب المعايير الدولية، لأن لدى جميع دول العالم فرقا اقتصادية وصناعية متخصصة لتطوير الآلة الصناعية في الدولة سواء كانت على مستوى الطاقة أو غيرها، لأن رجل السياسة في النهاية للسياسة، والاقتصاد للاقتصاد.

وأوضح أنه أيضا يجب تخصيص القطاعات النفطية تدريجيا بنسبة %15 وعلى مدى الثلاث سنوات المقبلة بشرط استثناء شركة نفط الكويت (Koc) إلى أن تصل إلى نسبة %45 ما بين المستثمر والدولة.

وقال الوزان ان على الحكومة والمسؤولين ادخال الشركات العالمية المتخصصة بشرط أن يكون مع شريك وطني بنسبة متكافئة، لأن الكويت ما زالت في فترة نمو وتطور، وتحتاج إلى الدعم الفني من قبل الشركات العالمية، ولكن بشرط عدم إعطائها استقلالية تامة.

أما في ما يتعلق بكفاءة العمالة في القطاع النفطي فقال الوزان إن الكفاءة الكويتية كانت موجودة وواضحة على السطح سواء كانت من ناحية التدريب أو القدرات والخبرات، وقد أعطيت الفرصة ولكن هذه العمالة تكلفتها عالية، وبعد أن تم فتح الباب لشركات المقاولة اصبحت تكلفة الكفاءات الكويتية كبيرة، واستعان القطاع النفطي بخبرات خارجية ليست بجودة وكفاءة وحرص المواطن على بلده، موضحاً أن لجنة المناقصات هي من يتحمل اختيار الكفاءات والعاملين في قطاع النفط، لأنها تختار المناقصات على اساس الاقل سعرا، وإذا باتت البنية التحتية للقطاع النفطي تحت رحمة لجنة المناقصات فهي كارثة مستقبلية.

ولهذا السبب نرى أن انتاجية المقاولين ليست ذات جدوى، وأن عيوباً ونواقص تتخللها.