«عدنا أنا وتوني إلى الوطن بعد رحلة إلى جنوب أفريقيا دامت أسبوعاً»، قالت شيري بلير وإمارات الراحة بادية على محياها. ثم أردفت: «كنا نستيقظ في الرابعة والنصف من صباح كل يوم. حتى خلنا أننا في عالم من الأحلام. لم أعتقد يوماً أنه بإمكاني إبعاد توني عن عالم السياسة. لكنه أحبّ هذه الرحلة».

لاحظت أن شيري بدّلت تصفيفة شعرها وخسرت بضعة كيلوغرامات من وزنها. فبدت مختلفة عن المرأة التي جاءت تزورني في الفندق قبل أسبوعين. وتبين لي أيضاً أنها أجمل بكثير من صورها في الصحف.

Ad

انهالت الانتقادات على شيري أثناء تولي زوجها زمام الـ 10 داونينغ ستريت كرئيس للوزراء. فقد أخفقت المحامية اللامعة في تجنّب معظم الافخاخ المنصوبة لها من وسائل الإعلام، سواء تعلق الأمر بحسومات مزعومة أو «بطاقات مجانية» استفادت منها أو بتغيير مظهرها بمساعدة أشخاص مثيرين للجدل.

ومع أنّ سارا براون أصبحت سيدة إنكلترا الأولى الآن، ما زالت وسائل الإعلام تلاحق شيري. تقابلنا للمرة الأولى في قسم الدرجة الأولى على متن طائرة متوجهة من نيويورك إلى لندن. فتجاذبنا أطراف الحديث ثم افترقنا.

وعندما اضطر توني بلير مكرهاً إلى التخلي عن منصبه، لم يخطر على بال أن يتساءل ماذا سيفعل رئيس الوزراء السابق، (فقد عقد العزم على تأليف كتاب وإلقاء المحاضرات)، بل تساءل الجميع: ماذا ستفعل شيري؟ هل تخسر المعاملة المميزة المزعومة التي تتمتع بها؟

قرّرنا أنا وشيري أن نلتقي. لكنها أخبرتني أن ثمة مسائل لا يمكنني ذكرها في مقالاتي بسبب الصفقة التي عقدتها بشأن كتابها. فأجبتها أني أعتقد أن الناس في إنكلترا وحول العالم أكثر شوقاً لمعرفة تفاصيل حياتها بعدما تخلى زوجها عن منصبه، وفقدت سلطةً كبيرة كانت تشرّع أمامها أبواباً كثيرة.

عندما أتت لزيارتي قبل بضعة أسابيع، التزم كلانا الحذر. وحلّ الموعد المنتظر! اصطحبت شيري مساعدتها فيما أحضرت معي المنتج المسؤول عني. لكن شيري استطاعت التقرب مني، طارحة أسئلة ذكية جداً ومعربة عن اهتمام حقيقي بعملي، متجنبةً الكلام عن نفسها. وكم أسعدني ذلك! نجحت شيري في استمالتي حين اتصلت بأصدقاء مشتركين بيننا فور انتهاء الاجتماع. ردّت عليها إحدى صديقاتي قائلةً: «أحبتك دافني. نعم، أحبتك! صدقيني، إنها معجبة بك!». هذا الجانب الخفي من شخصية المرأة الذكية هذه، هذا الشعور بعدم التأكد من الامور المحيطة بها وحاجتها إلى الحبّ هو ما جذبني إليها. السنا جميعاً نسعى إلى هذا النوع من الحب؟ بعد أن التقيتُ بشيري بلير مرتين خلال الأسبوعين الماضيين، تساءلت كيف أخفقت هذه المحامية الذكية في تفادي أبسط الأخطاء.

ثمة رابط قوي يجمعني بشيري. صحيح أن بعض تصرفاتها أزعجني خلال الأسبوعين المنصرمين، إلا أن التفاعل العام بيننا كان ممتعاً ومثقفاً ومرحاً.

دافني باراك: إذاً يا شيري، كيف تمضين وقتك هذه الأيام؟

شيري بلير: أؤلف كتاباً. وقعت عقداً مع دار Little Brown. هل هي دار جيدة؟

دافني باراك: نعم، إنها جزء من مؤسسة Simon and Schuster.

شيري بلير: (تتنفس الصعداء) أحسنت الاختيار إذاً. لا يُفترض أن أجري أيّ مقابلات حتى يصدر الكتاب. لذلك أحاول تجنب الظهور علناً. أتصدقين أنني أدون الكتاب بنفسي؟ أحظى بمساعدة أحد الكتّاب، إلا أنني أفضل أن أكتب المواد بنفسي ومن ثم أسلمها.

دافني باراك: بما أنك محامية كثيرة الانشغال وامرأة متزوجة، متى تتسنى لك الكتابة؟

شيري بلير: أكتب عادة في الليل. أجد متعة كبيرة في الكتابة. استغربت هذا الموضوع. هل تعتقدين أن الكتاب سيحقق نجاحاً؟.

دافني باراك: أنّى لي أن أعرف؟ لا أملك أدنى فكرة عمّا تكتبينه. ويتوقف نجاح الكتاب أيضاً على توقيت صدوره والأحداث المهمة الأخرى. في مطلق الأحوال، احرصي على اختيار كاتب جيد يقدم لك المساعدة واحفظي حقوق ملكيتك الكتاب بطريقة قانونية. فمن السهل الوقوع في هذا الفخ في الولايات المتحدة.

المحامية القوية والسيدة الأولى السابقة حساسة جداً. فغالباً ما تسألني: «ماذا تقصدين يا دافني؟ أين اخطأت برأيك؟ أخبريني».

يفسر انعدام الثقة المستمر هذا الكثير من التناقضات حيال شيري بلير. فمن جهة، تبدو محامية صلبة لا تقبل الرفض أو الهزيمة. ومن ناحية أخرى، تظهر بحلة السيدة الأولى المثيرة للشفقة التي تحاول الحصول على حسومات أو وجبات مجانية وتعتمد على مستشارين «أغبياء».

أخبرني أحد اصدقائنا: «تتحدر من عائلة فقيرة، وكانت معدمة. لذلك ستبقى دوماً متعطشة للمال، لأنها تعتبره الوسيلة الفضلى للعيش بأمان».

ولكن حقق توني بلير ربحاً كبيراً من كتابه ومحاضراته، فضلاً عن صفقته الاستشارية المثيرة للجدل مع شركة JP Morgan منذ أن أُرغم على التخلي عن منصبه. فحلّ محله غوردن براون. والجميع يعرف مدى كره شيري لبراون.

حاولتُ أن أسألها عن مضمون الكتاب، لكنها نجحت في حصر الحوار في مسألة المال.

شيري بلير: دافني، هل تعرفين دون والكر؟

دافني باراك: طبعاً أعرفه (دون هو ابن هاري والكر الذي أسس وكالة تتعهد بتأمين الخطباء والمحاضرين، مقرها في نيويورك). أنا ودون صديقان، وتعاملت معه في عدة مناسبات. لمَ تسألين؟

شيري بلير: ما من سبب محدد، لكنني معجبة به. وأردت أن أعرف إن كنت قد عقدت صفقة جيدة.

دافني باراك: عمَّ تحاضرين عادة؟ وكم تدوم كلّ محاضرة تلقينها؟ على سبيل المثال، عندما أقمت عشاء على شرف آل غور قبل أن يفوز بجائزة نوبل، شعرت بأن محاضرته طويلة. وبدا لي أنه يكرر المحاضرة نفسها أينما ذهب.

شيري بلير: كم دامت محاضرته؟

دافني باراك: نحو 45 دقيقة، أعتقد أنه كان من الأفضل لو لم تتجاوز العشرين دقيقة.

شيري بلير: (بحذر) 45! لا، إنها محاضرة طويلة. لكنني لن أكتفي بعشرين دقيقة. ستدوم محاضرتي على الأرجح ثلاثين دقيقة. أرغب في الحديث عن حقوق المرأة وغيرها من المواضيع الشائكة. تثير السوق اليونانية اهتمامي، وخصوصاً بسبب جانبها الديني. ذُهلت حين علمتُ أنّ بعض أغنى النساء هناك لا يعملن. فوظيفتهن الوحيدة مرافقة أزواجهن والظهور بأبهى حلة. علينا تثقيفهن. لا أرى هذه الظاهرة في الدين الكاثوليكي.

حملنا الحديث عن الأماكن التي يرتادها الأغنياء والمشاهير إلى مواضيع أكثر جدية، مثل الحالة الاقتصادية المتدهورة.

لا أقصد مدخول آل بلير لأن توني بلير يجني مبالغ تفوق ما يكسبه بيل كلينتون من إلقاء المحاضرات. فضلاً عن ذلك، يكسب بلير المال من صفقة كتابه والصفقات الاستشارية. لذلك تستطيع شيري بلير أن تنام قريرة العين لأنها متزوجة من رجل ثري.

دافني باراك: ما رأيك باقتصاد إنكلترا؟ يبدو أفضل بقليل من اقتصاد فرنسا أو حتى ألمانيا.

شيري بلير: نعم، لكنه سيتراجع. ما زال الباوند أقوى من الدولار. لكن وضعه سيسوء. تمتعنا ببعض السنوات الجيدة، لكن الأمور لن تظلّ على حالها.

دافني باراك: إذاً، ترك زوجك منصبه في الوقت المناسب.

شيري بلير: لا أعلم كيف كان توني سيرد على عبارتك هذه.

دافني باراك: بما أن كلّ قائد يهتم بالإرث الذي يخلفه، ألست قلقة بشأن مرحلة الحرب على العراق؟

شيري بلير: يمكنني قول الكثير عن هذه المسألة، لكنني على الأرجح سأضمّنه كتابي. ثمة معلومات محرفة كثيرة عن هذا الموضوع (تحرص على ألا تذكر كلمة «العراق».) أما أنا، فلا أقلق حيال ما ستذكره كتب التاريخ عني.

دافني باراك: ماذا يقلقك إذاً؟

شيري بلير: أخاف من الأشخاص الذين يحاولون الإساءة إلى توني وإبقاء موضوع العراق حياً في الصحف.

دافني باراك: الحياة بعد رئاسة الوزراء: إلامَ تحنين؟ هل تفتقدين السلطة أو أشخاصاً معينين؟

شيري بلير: لا أفتقد وسائل الإعلام... ما زلنا على اتصال بأصدقاء كثر تعرفنا إليهم خلال تلك السنوات. أتمتع الآن بخصوصية أكبر. حتى أنني تمكنكت من إعداد الطعام لزوجي.

الاستحقاق الرئاسي

عندما اضطر توني إلى مغادرة منصبه، كانت خطوته التالية التي استقطبت اهتمام وسائل الإعلام زيارته البابا واعتناقه الدين الكاثوليكي. وذكرت وسائل الإعلام أنه قام بهذه الخطوة بتأثير من شيري، كما لو أنها لم تؤثر في المسائل الأخرى في حياته. وبما أنني لا أهتم كثيراً بموضوع الدين، سرني أن أنتقل بالحديث إلى الانتخابات الأميركية.من الواضح أنني وشيري من أصدقاء هيلاري كلينتون.

دافني باراك: إذاً، ماذا نفعل لمساعدة هيلاري؟ أنفقت بسببها مبالغ طائلة. وما عاد أفراد عائلتي يتحملون المزيد. فقد أقمت لها في منزلي مأدبتي عشاء وواحدة لبيل.

شيري بلير: أين أخطأتْ برأيك؟ هل تظنين أنها لا تتقبل الانتقاد؟ يا له من خطأ فادح! لكنني يا دافني، لا استبعد فوزها. فإذا فازت في تكساس واستعادت قوتها، يمكنها الفوز في الانتخابات. تعلمين كم يصعب التكهّن بالنتائج، لذلك لا أستبعد فوزها.

دافني باراك: شيري، ستبقى هيلاري صديقتي، سواء فازت أو خسرت.

شيري بلير: بغض النظر عن صداقتنا، ألا تظنين أنّه ما زال بإمكانها الفوز؟

دافني باراك: آمل ذلك. صحيح أنني ديمقراطية، لكنني أراهن على ماكاين. فمع أنه جمهوري، أؤمن بقدراته.

شيري بلير: نعم، أوافقك الرأي. أظن أن جون ماكاين سيفوز. وفي حال فاز باراك بأصوات الديمقراطيين، لا أعتقد أنه سيصل إلى البيت الأبيض.

دافني باراك: أعرف أنّ أناساً كثيرين يعتبرون أنّ العامل العرقي سيحول دون فوزه. لكنني أعتقد أنّ ثمة علامة استفهام حوله. كان حاضراً حين التقيت بكبار أثرياء نيويورك. لا شك في أنّه وسيم وجذاب. وعندما نظرت إلى خارج الغرفة حيث أقيمت مأدبة العشاء، رأيت مئات الأشخاص ينتظرون لمصافحته أو رؤيته من بعيد. فخيّل إليّ أننا في حفل موسيقي وأنه ميغ جاغر.

شيري بلير: لا، ليس ميغ جاغر. (تفوهتْ بهذه العبارات وهي تنظر إلى الخجل الذي لوّن وجه صديقتي بيانكا، زوجته الأولى).

دافني باراك: لكني أحسست أنه تافه. صدقيني يا شيري! لقد راقبته جيداً.

شيري بلير: أنت محقة. صحيح أنه وسيم وموهوب، ولكن كيف سيتمكن من معالجة مختلف المواضيع؟ تعوزه الخبرة في مجال السياسة الخارجية، في حين أن هيلاري شاركت زوجها في هذه المسائل عندما كان رئيساً. فبصفتها السيدة الأولى، جابت العالم وتعلمت الكثير.

دافني باراك: إنها إنسانة نشيطة وتعمل بجد. لكنني لا أظن أنها ستفوز. ماكاين هو الفائز.

شيري بلير: نظراً إلى أنك صديقة هيلاري وماكاين في آن، لنتمنى لهيلاري التوفيق. ولكن مقارنة بماكاين، ماذا كان برأيك خطأ هيلاري الأكبر؟

دافني باراك: (حاولتُ ألا أنظر مباشرة إلى عينيها.) بعد بضع ساعات على اعتراف كلينتون أنه أقام علاقة مع «تلك المرأة»، سافر الرئيس وزوجته هيلاري المخدوعة، وابنتهما تشيلسي إلى مارثاز فينيارد.

شيري بلير: إلى أين؟

دافني باراك: إنها جزيرة للأغنياء والمشاهير.

شيري بلير: لم أكن أعرف ذلك. أين تقع هذه الجزيرة؟

دافني باراك: إنها جزيرة هادئة للأشخاص الفاحشي الثراء. لكنها جزيرة صغيرة رائعة الجمال. في حين كانت هيلاري تعلن أنه «يوم سيئ جداً للسيدة الأولى»، بعثت برسالة مناقضة عندما رافقت بيل إلى هذه الجزيرة. لهذا السبب يصدق المواطن الأميركي الأقاويل عن صفقة «هيل وبيل». فلا يعتقدون أن زواجهما حقيقي. شيري، نحن نعرف هيلاري جيداً، ونعلم كم تحب بيل وكم هي حساسة. لو أنها انفصلت عنه لبضعة أشهر ثم طلبا مساعدة عدد من مستشاري الزواج وواعدت بيل مجدداً، لتعلّق بها الأميركيون. لكنّ مرافقته إلى الجزيرة والخروج برفقة آل كينيدي في غضون 36 ساعة كانا خطأً جسيماً.

شيري بلير: أنت محقة. هيلاري حساسة. أنا وأنت ندرك ذلك. إنها حساسة جداً. ولم يقدم لها بيل الدعم خلال الأسابيع القليلة الماضية. لم يدعمها مطلقاً.