على جدران صالة وملهى «art lounge»، علقت الفنانة اللبنانية لودي أبي اللمع رسومها التي تنتمي إلى فن «البوب آرت». كان مفاجئاً ان نشاهد مثل هذه الرسوم لفنانة من جيلها، ليس لجهة التقنيات التي اعتمدتها، بل لناحية اختيارها موضوعاً يرتبط بالذاكرة وما تعنيه بالنسبة إلينا. استحضرت لودي صور «رموز» الطرب والسينما في العالم العربي وقدمتهم في اطار «البوب آرت». من المعروف في تاريخ الفن ان الرموز الجماهيرية في العصور القديمة كانت تنحت او تصنع من الاحجار بانواعها او الحديد او الذهب او الخشب وغيرها من المواد او ترسم باسلوب كلاسيكي او «قبل كلاسيكي» احتراما لهذه الرموز لدى جماهير تلك العصور، لكن أتى اندي وارهول فحطم تلك الاشكال والرموز والاساليب الفنية السائدة لتأكيد «رموز» من نمط جماهيري جديد مثل مارلين مونرو واليزابيث تايلور وانغريد برغمان والكوكاكولا وماو تسي تونغ والدولار. كان وراهول يركز في اسلوبه الفني على ازالة الفوارق بين الفن التشكيلي والفنون التجارية التي تستخدمها المجلات والكتب الساخرة والمجلات الاعلانية.

لم ترسم لودي، خريجة احدى الجامعات الانكليزية، وجها للحسناء هيفا وهبي أو نانسي عجرم أو وائل كفوري او أي من الفنانين الجدد. كان عليها ان تعود الى الذاكرة وتختار ام كلثوم وصباح وفيروز ورشدي اباظة وعمر الشريف وعبد الحليم وفاتن حمامة وفيلمون وهبي وسامية جمال والآخرين. بعض هذه الرموز اصبح في ذمة الله، وبعضهم لا يزال حاضرا بقوة خارج اطار ثقافة الكليبات السائدة في الفضائيات. لودي التي قدمت لوحاتها بألوان «فاقعة» قالت انها تريد من الجيل الجديد التعرف الى ذاكرة الأهل في السينما والغناء. تحدثت عن المطربة صباح وما آلت اليه احوالها الاجتماعية، وعن وسامة رشدي أباظة الذي اطلقت عليه لقب «جيمس دين مصر»، وعن فيلمون وهبي الموهوب المغمور. عبرت لودي عن شغفها بجميع صور نجوم الأمس لمعرفة حكايتهم المضمرة بالنسبة إليها واكتشفت من خلال البحث مواضيع لم تكن تعرفها من قبل، ربما لأن الاستهلاك كان سبباً في اخفائها وغض النظر عنها.

Ad

حديث لودي عن الوجوه التي رسمتها ذكرني بعبارة «الدنيا أفيش» للكاتب المصري محمود قاسم، في كتاب «افيشات السينما المصرية» الصادر حديثا لدى دار الشروق. الافيش أو الملصق هو اول علامة حميمة بين الفيلم والمشاهد، فالمرء حتى وان لم يكن من متابعي السينما يلاحظ الافيش لأنه يعتمد مثل اي اعلان تجاري على الصورة والكلمة معا، كل منهما يحاول ان يفسر الاخر وان يدل عليه. اذ تتعدد الاماكن التي يتواجد فيها، في قاعة السينما وفي الشوارع، وفي الصحف والتلفزيون، يزرع الحب في المشاهد، يتضمن كل ما في الفيلم من جاذبية لأسماء النجوم والمخرج.

رسوم لودي تزرع الحب بالذاكرة العربية، تجعلنا نقول «الذاكرة لوحة» على نحو ما هي «الدنيا أفيش».