تأليف: د. حفناوي بعلي

عن الدارالعربية للعلوم ـ ناشرون

Ad

في إصدار جديد عن الدارالعربية للعلوم والنشر، يناقش الباحث الجزائري د. حفناوي بعلي نظرية النقد الثقافي المقارن وأثرها على الدراسات الأدبية الحديثة، مؤكداً أن النقد الثقافي نشاط يشمل جميع المعارف الإنسانية وليس مجالاً معرفياً قائماً بذاته، وأن الناقد الثقافي أو نقاد الثقافة يطبقون المفاهيم والنظريات المتنوعة، مستمدين مواضيعهم من الثقافة الشعبية والحياة اليومية، حيث نجد جملة من العناوين والقضايا المهمة التي هي موضوع دراسة مثل: ثقافة العلوم، تشمل التكنلوجيا والمجتمع والخيال العلمي وثقافة الصورة والميديا وصناعة الثقافة والدراسات النسوية وخطاب ما بعد الاستعمار.

يتطرق الباحث إلى بعض الاتجاهات والمذاهب النقدية الأخرى للماركسية الجديدة أو التاريخانية الجديدة، إحدى المنابع والمصادر التي أفاد منها النقد الثقافي، خاصة في جانبها الاجتماعي، وتوجهاتها الأدبية التي تربط الأدب بالمجتمع وبمنطلقاتها في التفسيرالمادي التاريخي مثل البنية التحتية والفوقية والبرجوازية، الطبقة والاغتراب، ثقافة الاستهلاك والامبريالية الثقافية، الهيمنة والاستنساخ الآلي... ورغم أن الماركسية شوّهت من حيث كونها نظرية اقتصادية وفلسفة سياسة، إلا أنها مازالت في جانبها الثقافي والفكري تصوّغ عمل عدد كبيرمن المشتغلين بالنقد الثقافي وتسيطر على تفكيرههم، لاسيما الأوروبيين منهم. كثير من نقاد الماركسية لايؤمنون بوجوب العنف/ الصراع لإسقاط النظم السياسية في بلادهم إنما يستخدمون مفاهيم الفلسفة الماركسية للهجوم على الأمراض في ما يسمونه المجتمعات الرأسمالية البرجوازية. كان الماركسيون الليبراليون أكثرانفتاحاً على العمل التجريبي وعلى فناني الحداثة وكتابها أمثال بابلو بيكاسو وفرانز كافكا وجيمس جويس. بذلك نكتشف أن النقد الماركسي لم يكن أحادي البعد، كذلك الماركسية الجديدة.

النقد النسوي

يذهب الباحث في كتابه إلى أن النقد النسوي ظهر منذ نحو ثلاثين عاماً، فرعاً من النقد الثقافي الذي يركز على المسائل النسوية، وهو الآن منهج في تناول النصوص والتحليل الثقافي بصفة عامة. ينشغل النقد النسوي على مستوى واضح بالمسائل المرتبطة بالجنوسة على سبيل المثال. درس بعض النقاد الطرائق التي تشكلت بها صورة المرأة في وسائل الإعلام واهتمّ بأمور مثل عدد النساء مقارنة بالرجال في النصوص المعروضة في وسائل الإعلام الجماهيرية، وبدور المرأة في النصوص الدرامية، وبالاستغلال الجنسي لجسد المرأة، كما اهتم هؤلاء بالمسائل المرتبطة بذلك مثل النظرة الذكورية في النصوص والقيم والمعتقدات الموجهة في المقام الأول إلى المرأة كالروايات العاطفية والمسلسلات والكيفية التي قدمت بها المرأة في مثل هذه الأنواع الأدبية.

أكد عدد من أصحاب النظرية النسوية على أن كثيراً من المجتمعات هي مجتمعات أبوية يدورالمدارفيها حول القوة الذكورية والمنهج الذكوري في رؤية العالم، كما أكدوا على أن مضمون التحليلات لأدوار المرأة في وسائل الإعلام لم يكن كافياً إذ لم يقدموا الموقف الفلسفي للمرأة، ما يعني أنهم يتعاملون مع السيطرة والاستغلال فحسب.

العولمة

يشير الكاتب إلى أن مفهوم العولمة يتلخص في كلمتين أساسيتين: كثافة انتقال المعلومات وسرعتها. نعيش اليوم في عالم واحد موحد أو في قرية كونية واحدة وتبشر العولمة بمرحلة جديدة من تنظيم العلاقات بين البشر هي على النقيض من المرحلة السابقة التي نحن في صدد الخروج منها، أي مرحلة الدولة القومية والانكفاء ضمن الحدود السياسية للدولة كإطار جغرافي للتثمير المادي والروحي عند الجماعات والشعوب المحافظة.

ليس ممكناً فهم العولمة من حيث ديناميكيتها من دون فهم أساسها المتمثل في الثورة العلمية والتقنية المتجسدة بشكل رئيسي في الثورة المعلوماتية وثورة الاتصالات، منطلقة من القاعدة الصناعية. حتى أن هناك من يطلق على عصرنا اسم العصر الالكتروني. يمكن أن نتصورالعولمة من دون ثورة الاتصالات ولا يمكن أن نفهم نتائجها كما نشاهدها اليوم من دون فهم السياسات الليبرالية أو النيوليبرالية التي توجهها. إن الأخذ بتقنيات العولمة أمر ضروري للدفاع عن البقاء وضمان النجاعة الاقتصادية والثقافية، لكن الاستفادة الفعلية من هذه التقنيات غير ممكنة إذا لم تقف وراءها استراتيجية ذاتية تحدّ وتقلل من استخدامها من القوى الكبرى لأهداف تتعلق بالهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب المستضعفة وآمالها.

المنهج الثقافي المقارن

أما المنهج الثقافي المقارن فيشير الباحث إلى أنه يستخدم في فروع المعرفة وميادينها كافة، فأي بحث ثقافي ينطوي بالضرورة على مقارنات بين بعض المتغيرات ويعرف المنهج الثقافي المقارن بأنه دراسة توزيع الظواهر الثقافية في مجتمعات مختلفة أو أنماط محددة من المجتمعات، أو حتى مقارنة المجتمعات بعضها بالبعض الآخر، أو مقارنة النظم الثقافية الرئيسية من حيث استمرارها وتطورها والتغير الذي يطرأ عليها، على اعتبار أن المقارنة من الأدوات التي يمكن أن يفيد منها الباحث كثيراً، فبفضل المقارنة يمكن أن ننتقل من الجزئي إلى الكلي ومن العام إلى الأعم ومن ثم نستطيع بلوغ النهاية بفضل استخدام المنهج المقارن إلى ما يسمى بالتعميمات أو العموميات التي تصدق على كثير من المجتمعات البشرية.

ثمة صعوبات منهجية ونظرية تكتنف استخدام المنهج المقارن في الدراسات الثقافية بصفة عامة وسوسيولوجيا الأدب بصفة خاصة، ومن أهم المشاكل المنهجية استخدام اختيار وحدة المقارنة التي تتحدد على أساسها المتغيرات الأساسية في البحث، فثمة في العمل الأدبي وحدات متنوعة للمقارنة كالرواية أو القصة والمسرحية، كذلك مشكلة تحديد المؤشرات التي تتعلق ببناء العمل الأدبي ذاته أو مضمونه كالإيديولوجيا الثقافية على سبيل المثال. أمكن استخدام التحليل المقارن في دراسة الحالة السيكولوجية للقائمين على عملية الاتصال من خلال تحليل أنواع الاتصال التي يقوم بها الأفراد كالخطب وسير الحياة وبرامج الإذاعة والتلفزيون باعتبارها مؤشراً لدوافعهم وانبعاثاتهم السلوكية.

الخطاب الإعلامي

أخذت الدراسات الثقافية تعنى بالميديا وعلوم الاتصال والخطاب الإشهاري فعرفت تحولاً واضحاً لأن الجمهور المتلقي أضحى أكثر استعداداً نتيجة تغيرات عامة اجتماعية وثقافية واقتصادية وتجارية. كان للنقد الثقافي فضل في توجيه الاهتمام الى ما هو جماهيري وإمتاعي ومنفعي في الوقت نفسه، حيث يركزالخطاب على المتلقي فيعمل على إغوائه وإغرائه واستدراجه.