جاء غنيم عندما شعر تيار الإخوان في البحرين بأنهم يعانون ضعفاً في القدرة التوعوية بين الجيل الجديد، لاسيما أن الانفتاح الديموقراطي كشف ضعفهم في الحوار المباشر واستملاك الشارع والمدارس، ووقوفهم عند نقطة محددة من الانتشار، بل شعروا أن السقف السياسي وأرضية الأنظمة في حالة تراجع، وأنهم بحاجة إلى ضخ الدماء بين الجيل الجديد.

Ad

ما حدث هناك كان يدور ويحدث هنا، ولكن بصورة أخرى وأقنعة مختلفة، غير أن التطاول فاق حدّه والكراهية أخذت مدى أعمق وأبعد، ولكن على لسان الداعية نفسه والمسنود من الآخرين، والمدعوم من أشخاص هم لسان حال آخرين، وبرغبة من آخرين لديهم أجندة لا ينبغي أن نراها بعفوية وسذاجة، فعالم السياسة هو عالم الدهاء والحنكة والتخطيط، ويتحرك برداء له ألوانه المتعددة.

هكذا جاء الداعية المصري وجدي غنيم إلى البحرين على بساط الريح من الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، بعد أن شمّت الاستخبارات الأميركية الرائحة، بصورة مبكرة، خصوصاً أن الإنذار المبكر الأميركي بات مرتعباً من مشاهد الصور المفزعة لبرجيه المتهاويين، فداهم الأميركيين شعور الفوبيا من كل شخص يحمل لقب الداعية الإسلامية، حتى إن ارتدى بدلة إفرنجية على الطريقة «الوجدية» فاللسان المحرض هو الأخطر من تسرب الأشعة النووية، لهذا تم ترحيله بسرعة بعد تكدس الملف بالنوايا والأهداف، فطار بأجنحة خفيفة إلى منطقة الخليج، منطقة النفط الغنية بالثروة والضيافة والطيبة في وقت واحد، والتي تفتح بحسن نية لكل من يتحدث في الإسلام سواء بنية دعوية نبيلة وبعيدة عن نوايا السياسة أو من يجاور السياسة حول قضايا بعيدة عن التدخل في الشؤون الداخلية وممارسة التحريض بفن ومهارة، ولكن داعيتنا وجدي غنيم لم يكن صاحب أجندة بريئة ولم يكن تائها في البرية، يبحث عن مستوطنة في سيناء، ودار إقامة حتى يوم النشور، إنما تم استدعاؤه في منطقة الخليج بهدف الشعور الداخلي لجماعة الإخوان بنقصهم وحاجتهم إلى كادر دعوي، والأكثر من ذلك يبعدهم عن الصِّدام مع السلطات المحلية في حالة شطط الداعية، فكانت البحرين ساحة اختبار وبارومتر لم يفلح فيه الداعية في تغطية نواياه الحقيقية من مهماته الفعلية، حيث الشعور بالغطرسة والقوة بدأ يعتري التيار الديني عندما شعر في العقدين الأخيرين بأنه قادر على اختراق الشارع السياسي وإنجاز مشروعه في الانتصارات الانتخابية بعد أن حقق ما يريده في سنوات الكبت السياسي، مشروع هادئ هو التغلغل بين الناس بغطاء التوعية الإسلامية والدعوة، فكان الحاجز بينهم وبين السلطة غطاء التقية والاختفاء المبرمج، فالهدف هو الابتعاد عن الصِّدام مع الأنظمة السياسية في الخليج، فهي الحاضن «الطيب» لهم في زمن الانقسامات والاصطفافات السياسية، فمن هرب ومن نفر منهم في فترة الناصرية أو أحداث حلب، وجد في الغرب والخليج مرتعاً وملاذاً آمناً يتحرك فيه ويؤسس للفكرة والمشروع، فمن منطقة الخليج النفطي تم ضخ الأموال، ومن منطقة الخليج تحركت بحرية الكوادر والعناصر برضا الأنظمة التي غضّت الطرف عن المنهج الديني متناسية البعد السياسي، بحجة أن التيار الإسلامي مهتم بالدين والحفاظ عليه من الهجمة المعادية الصليبية، تاركين فكرة الانقضاض على الأنظمة حتى لحظة المواجهة الممكنة.

المهم التغلغل إلى كل أجهزة لها تماس بصياغة الرأي العام وتربيته، لهذا صارت وزارتا التربية والإعلام هما الهدف الرئيس والجمعيات الخيرية واستحصال الأموال، بينما منابر المساجد والحلقات الدينية هما الخزّان الذي يتم فيه اصطياد المراهقين والفتيان والنسوة والشباب فهم عدة المستقبل.

جاء غنيم عندما شعر تيار الإخوان في البحرين بأنهم يعانون ضعفاً في القدرة التوعوية بين الجيل الجديد، لاسيما أن الانفتاح الديموقراطي كشف ضعفهم في الحوار المباشر واستملاك الشارع والمدارس، ووقوفهم عند نقطة محددة من الانتشار، بل شعروا بأن السقف السياسي وأرضية الأنظمة في حالة تراجع، وأنهم بحاجة إلى ضخ الدماء بين الجيل الجديد، فبدت استضافة الداعية للبحرين أولية وعابرة، ولكن الأيام كشفت عن محاولة «التوطين»، إذ بإمكان الداعية بعدها أن يتحرك في المنطقة بكل حرية بجواز سفر جديد، ولكن الحسابات السياسية أفسدها اللسان والغرور، وقد توَّهَم أن من قاموا بتغطية الوجه الحقيقي للمشروع قادرين على حمايته، ولكنهم أثناء المواجهة صمتوا عنه علناً، خشية المواجهة مع السلطات الرسمية واستنفار الشارع، بعد أن تكشفت شخصية الداعية بتطاوله على العائلة الحاكمة في الكويت، بالرغم من تهاون وتساهل السلطات في البحرين في كل ما فعله من محاولات الهيمنة على برامج دينية في الإذاعة والتلفزيون البحريني، بل حاول التحرك بين المدارس الثانوية والإعدادية للبنات، باعثاً بينهن روح الكراهية والعدائية عندما ردد بين الطالبات توصياته المعبرة عن روح الكراهية بتحريض الطالبات بعدم مصافحة زميلاتهن المسيحيات، بل طلب من الطالبات غير المتحجبات اللاتي حضرن محاضراته الجلوس في الخلف، ولولا حاجته لتغييرهن لقال لهن اخرجن من القاعة، ولكن لكل مرحلة غاياتها، فشعر الآباء والمجتمع في البحرين بخطورة السلوك الغريب الذي يمارسه الداعية، والمؤثرة على روح التسامح والوحدة الوطنية.

وبعد أن مارست الصحافة جزءاً من دورها في تلك المعركة السياسية ونقدها لذلك النوع من الخطاب الديني المحرّض على الكراهية وغسل دماغ الصغار والصغيرات بهدف جرهن إلى حبائله، حتى انتقلت قضيته إلى المحاكم كقضية نزاع بينه وبين جريدة «الأيام»، محاولاً في تلك اللعبة كسب قضيته المثارة في المحاكم البحرينية، بهدف إخافة جريدة «الأيام» ورئيس تحريرها، والصمت إعلامياً عن تعريته في الساحة السياسية، خصوصاً أن خلف المشروع الديني كان هناك مشروع مواز يتحرك بخفاء هو التجنيس، فعندما يتمكن من استدعوه من منحه الجنسية يصبح التيار الديني ذاك، قادراً على توسعة قاعدته الشبابية في المرحلة القادمة محافظاً على قوته ونفوذه وانتشاره، فبعد أحداث سبتمبر هناك رؤية جديدة للمشروع، وبضرورة الاختفاء وراء أقنعة مهمتها مواصلة الهيمنة على الشارع السياسي والمؤسسات السياسية في زمن الديموقراطية.

يا لسعادة المنتصرين في صناديق الانتخابات ويا لحزنهم الكبير على داعية أفسد البيض والسلّة، فركضوا خفافاً يعتذرون ويحاولون إيقاف عملية إلغاء الإقامة والترحيل.

* كاتب بحريني