تُشكّل نبيهة لطفي جزءاً حيوياً وهاماً في تاريخ السينما في مصر. فبالإضافة الى عدد من الأفلام الهامة التي قدمتها خلال مسيرتها الفنية وأغنت السينما التسجيلية في مصر، شاركت في الجمعيات والنوادي الثقافية والسينمائية، كـ{جمعية السينمائيات» و{جماعة السينما الجديدة» و{اتحاد النقاد» وسواها، كما ساهمت في تنظيم عروضٍ للأفلام القصيرة والتسجيلية وفي إحياء حركة نقدية ستترك أثراً واضحاً في تحديد معالم السينما الجديدة في مصر.

Ad

قدّمت نبيهة لطفي ما يقارب الثلاثين فيلماً تسجيلياً وتناولت عدداً من القضايا والظاهرات الثقافية والاجتماعية حاز عددٌ منها على جوائز محلية ودولية وهي تقوم حالياً بإخراج فيلمٍ يعرض سيرة الراقصة تحية كاريوكا.

حول هذا الفيلم كان لنا معها هذا الحوار:

تحتل تحية كاريوكا موقعاً بارزاً ومميّزاً في ذاكرة المشاهدين (والنقاد) من جمهور السينما المصرية والعربية ـ ممّا قد يجعل تناول سيرتها الفنية والحياتية في فيلم وثائقي عُرضة للأسئلة والرقابة أكثر مما نتوقع في أعمالٍ أخرى... ألا تجدين في اختيار تحية كاريوكا عنواناً وموضوعاً لعملك الجديد نوعاً من المغامرة؟ ما الذي تودّين إضافته الى الصورة التي يحتفظ بها هؤلاء المشاهدون لتحية كاريوكا في ذاكرتهم؟

قد يبدو للبعض أن الخوض في موضوع تحية كاريوكا عمل شائك، وهو كذلك، الى حدّ ما. لكن الأشواك لا ينبغي أن تعترض محاولتك للإمساك بالوردة وتنشّق عبيرها.

إن ما جذبني الى تحية كاريوكا وموضوعها هو هذا العبير القوي الذي يفوح من سيرة حياتها. وإذا كان الدخول في حياتها مغامرة فإن ذلك سيشكّل سبباً إضافياً لخوضها.

كنت أحبّ هذه المرأة التي اتيحت لي فرصة معرفتها والاحتكاك بها في العقد الأخير من عمرها وإن كنتُ قد عرفتها مهنياً أو أواخر الستينات. وفي المرحلتين شعرت نحوها بالحب والاحترام وتكوّنت في داخلي رغبة جامحة في أن أعبّر عن هذا الحب. لم أجد أحداً ممّن عرفها أو عمل معها لا يشاركني هذا الحب. وكلّما التفتُ من حولي أتأكد أن عواطفي لم تكن مخطئة.

بين أفلامها الأولى منذ أواسط الثلاثينات وأعمالها البارزة منذ مطلع الخمسينات عاشت تحية كاريوكا حياة فنية حافلة... ما هي المرحلة أو الأعمال التي يمكن أن تستوقفك أكثر من سواها في هذه السيرة؟

ينظر الجميع الى تحية كاريوكا الممثلة بحب وأعجاب منذ أن قامت ببطولة «لعبة الست» مع نجيب الريحاني وإذا كانت قد تفوقت كراقصة لفترة طويلة فإن مواهبها التمثيلية كانت واضحة. وعندما قامت بتمثيل فيلم «شباب امرأة» وحازت على جائزة الدولة في التمثيل ابتدأ المترددون في اعادة حساباتهم واتجهت نحوها الأنظار كممثلة من الدرجة الأولى.وقد تجلّت في أدوار كثيرة حتى بعد أن تجاوزت الأربعين. وفي فيلم «أم العروسة» قامت بدورٍ يُعدّ من علامات السينما المصرية. أجمل ما لاحظته في تحية كاريوكا وأنا أعيد مشاهدة أفلامها هو شخصيتها الأصيلة التي تطل عليك في جميع الأدوار التي لعبتها. هناك أشياء كثيرة تظهر في أدائها وأهمها خفّة ظلّها التي لا يباريها فيها أحد. وحتى عندما تجاوزت الخمسين في فيلم «خلّي بالك من زوزو» كان أداؤها يثير فيك الابتسام والضحك والدموع.شاركتْ تحية كاريوكا في تقديم عدد من المسرحيات السياسية البارزة أبرزها «روبابيكيا» و«يحيا الوفد» ومن المعروف أنها بدأت سيرتها الفنيّة في المسرح حين انضمت الى فرقة بديعة مصابني في الثلاثينات.

الى أي مدى يتطرق الفيلم الى دور تحية كاريوكا في المسرح؟

ينظر الفيلم (وأنا الآن في مرحلة إعداده) الى مرحلة المسرح في حياتها الفنية والشخصية وهي الفترة التي ارتبطت فيها بفايز حلاوة.وقد أدّت دوراً في هذا المضمار وهو دور اعتقد انه ينبغي ان يُسجّل في حياتها الفنية وفي تاريخ المسرح المصري ايضاً. وأنا أذكر في عام 1968 حين كنت أعمل مساعدة في فيلم «لعبة كل يوم» ونصوّر في «الفيوم»، أن تحية كاريوكا كانت تحضر من القاهرة في الصباح لتعود في المساء الى القاهرة وتصعد الى خشبة المسرح! وأذكر كيف كانت طوال وجودها في مكان التصوير تضفي على المكان الكثير من سحرها وتعاونها واستعدادها لحل مشاكل كلّ من يلجأ اليها، وكانت بالفعل ملجأ للجميع. وأما عصبيتها وغضبها اللذان كانا كالبركان فانهما سرعان ما يذوبان وتعود لصفائها.

عُرفت تحية كاريوكا بالاضافة الى حضورها في الحياة الفنية بدورها السياسي والاجتماعي والانساني. ما نصيب هذا الدور في الفيلم؟

دورها كإنسانة هو أبدع ادوار تحية كاريوكا، ولأعترف بأن الفيلم مهما تناولها فلن يستطيع ان يفيها حقّها لكنه يحاول أن يظهر ملامح بارزة في شخصيتها وفي سيرتها.

يرى بعض السينمائيين المعاصرين ان لغة السينما، مع تطور عالم الصورة وتداخل أبعادها، باتت «واحدة» وان التقسيم بين سينما تسجيلية وسينما روائية لم يعد وارداً...الى أي مدى توافق نبيهة لطفي هذا الرأي؟ وهل يفسر هذا الرأي الأبعاد الدرامية في عدد من أعمالك الوثائقية (الجذور لا تموت، شارع محمد علي...)؟

السينما التسجيلية تسجّل الدراما من منابعها، وان كانت في الكثير من الأحيان لا تستطيع ان تمسك بالجذور الأصلية للحدث الذي يكون قد فات... ولذلك فان السينما الروائية والسينما التسجيلية مكملتان لبعضهما الآخر. وانني، كأي باحث عن الاشياء والوقائع والأفكار ألجأ في احيان كثيرة الى التدخل في صلب الوقائع وأهزّها قليلاً حتى أظهر حقيقتها.ويبدو ذلك كأنه محاولة لرواية قصة... إلا انه في الواقع محاولة لإظهار شيء ما.

ما هي الصعوبات التي تتوقّعين مواجهتها في تصوير هذا الفيلم؟

ليس هناك صعوبات بالمعنى الذي يمكن ان يصادف الأفلام. لكن الصعوبة هي في اتساع الموضوع ومحاولة «لمّه». اسم تحية يدعو الى التعاون، لكن تجميع المادة وترتيب الاوقات للتصوير والرجوع الى الأرشيفات... كلّها تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين... باختصار مشكلة الفيلم هي الوقت. وأنا لا أراها مشكلة كبيرة. ونحن الآن نتخطاها شيئاً فشيئاً.

ماذا بعد «تحية كاريوكا»؟ ما هو المشروع السينمائي الذي لا يزال يراود مخيلة نبيهة لطفي وتود تحقيقه؟

هناك الكثير من الافكار، لكن تفكيري القادم هو فيلم عن «صيدا» مدينتي، وقد تكلّمت في هذا الموضوع مع زميلي وصديقي اكرم زعتري ابن صيدا، حتى ننجز هذا المشروع معاً. وقد رحّب بالفكرة وأعتقد انها ستكون مغامرة جميلة. فنظرة جيلي وجيل أكرم مختلطتان عن تاريخ صيدا وجغرافية هذه المدينة التي أحببناها وأهلها...

نبيهة لطفي

ولدت في صيدا (لبنان) عام 1937.

درست العلوم السياسية لمدة سنتين في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1953.

حصلت على ليسانس الآداب ـ قسم اللغة العربية من كلية الآداب ـ جامعة القاهرة عام 1957.

حصلت على دبلوم المعهد العالي للسينما ـ قسم الاخراج عام 1964.

عملت كمساعدة مخرج في السينما الروائية مع العديد من المخرجين مثل: سعد عرفة، خليل شوقي، ممدوح شكري، فطين عبد الوهاب... بين عام 1966 و1969.

قامت باخراج العديد من الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة.

شاركت في العديد من المهرجانات والندوات الفنية في مختلف الأقطار العربية وفي بلدان أوروبية.

شاركت في العديد من لجان التحكيم في المهرجانات السينمائية في مصر وفي عدد من البلدان العربية والأوروبية.

شاركت في تأسيس جمعية السينمائيات وجماعة السينما الجديدة.

عضو مجلس ادارة اتحاد التسجيليين المصريين واتحاد التسجيليين العرب ومجلس ادارة اتحاد النقاد.