العقبات كثيرة، منها تعثّر السياسة الأميركية وأخطاؤها، وتشبّث «المنتصرين» بانتصارهم وغنائمهم بالأظفار والأسنان. ومنها اعتبار العراق ميدانا كونيا للصراع ما بين الخير والشر، من جانب أهل «القاعدة» والإدارة الأميركية معاً. تتردّد كثيراً عبارة «دعم العملية السياسية» في المنطقة. وعلى الرغم من أن لها أصداء في العراق أعلى من الأماكن الأخرى، فاننا نسمعها في ما يتعلّق بفلسطين أيضاً، وفي لبنان بشكلّ أقل... ولا نسمعها حين يجري الحديث عن سورية. ويبدو أن الموقف العلني والفعلي من هذا الموضوع قد أصبح إحدى أدوات التصنيف والاصطفاف في الحكومات والقوى السياسية على السواء.حين يُحَدّد مضمون «العملية السياسية» بشكل عام، يُقال إنها «تفاعل البنى السياسية في صناعة وإدارة القرار في مجتمع ما»، إلاّ أنها تكتسب أشكالاً ملموسة وخاصة، حين يرتبط الأمر بكل بلد بعينه. في شرق المتوسط تتجسد تعبيرات متقاربة جداً للمفهوم، حتى على الأرض.ففي العراق أولاً، قطعت العملية أشواطاً مهمة وأساسية حين تمكنت «البنى السياسية» من «التفاعل» وإنجاز الدستور وتنفيذ انتخابات بمشاركة واسعة، في أرض تعرّضت للتصحير طويلاً على يد نظام صدّام، الذي حكم عهدا يقارب في طوله «الأبد» نسبة الى سرعات التطور المتزايدة التي تفرضها إيقاعات تغيّر العالم، وعلى وقع إيقاعات الحرب والاحتلال العنيفة وتحطيم «البنى الاجتماعية» التي كانت متماسكة بقوة القمع والإرهاب والخلود إلى السكينة لا بقوتها ومسارها الخاص، في غمار التحطيم الخاطف والمتسرع للهياكل التي أقامها الحكم السابق.وعليه، تقدّمت البنى السياسية الطائفية، المستندة في تشريع ذاتها - لذاتها أولاً- إلى عنف النظام السابق أو عنف الاحتلال، وتراجعت التعبيرات المرتبطة بمشاريع الجماعة المدنية والمواطنية القائمة على الفرد ككائن سياسي، وعلى المجتمع المدني. ثم تقدمت معها المشاكل الخاصة إلى المقدمة، لتصبح أساسية ولازمة في تقدم العملية كلّها، من مثل استعادة دور السنة إلى حجم أكثر تناسباً ومناسبة، وتعديل الدستور كما اتّفق من قبل، وإعادة النظر في قانون اجتثاث البعث.العقبات كثيرة، منها تعثّر السياسة الأميركية وأخطاؤها، وتشبّث «المنتصرين» بانتصارهم وغنائمهم بالأظفار والأسنان. ومنها اعتبار العراق ميدانا كونيا للصراع ما بين الخير والشر، من جانب أهل «القاعدة» والإدارة الأميركية معاً. العقبات الأخرى تتعلّق بسياسات بعض الحكومات المجاورة؛ الخائفة أو الطامعة؛ التي جعلت العراق كذلك ميداناً لتجريب حظوظها في تدعيم نفسها أو تحقيق المكاسب عموماً. في فلسطين، وبغضّ النظر موقتاًً عن اعتبار غولدا مائير العنصري والعدواني أنها أرض بلا شعب، فإن هنالك مساراً لتكوين الجماعة المدنية الفلسطينية طالما كان صعباً في ظروف الاحتلال واللجوء والكفاح الوطني، ولم يتطوّر في الظروف الناشئة في العقدين الأخيرين في الاتجاهات السليمة. ساهمت في ذلك السياسات الإسرائيلية العنيفة والعدوانية أولاً، وعمليات الحصار والعقاب الجماعي، وتردد وتخبط القوى الدولية في الدخول إلى عمق المسألة، وكذلك استخدام القضية على ما جرت العادة عليه من قبل أنظمة عربية لإعادة توليد استقرارها بنقل بؤرة الرؤية والمناورة إلى خارجها، في فلسطين «العزيزة» خصوصاً. ولكن، وقبل أيّ شيء آخر، من خلال ضعف رؤية القوى الفلسطينية وهشاشة علاقتها بمفاهيم القانون والمدنية والجماعة الحديثة، وارتباطاتها التي كانت مفروضة في السابق بما هو خارجها حين أصبحت مجرد أداة لاستقواء الأنظمة. فكان فساد «فتح» وترهلها وعجزها عن الإصلاح، وعنف «حماس» واستكبارها الذي أودى بها إلى حفرة الانقلاب والخطيئة التي سوف تكلّف عملية إصلاح نتائجها غالياً، في الزمن والمعاناة واستعادة مستوى الثقة الرقيق الذي كان.باختصار، كلّهم مسؤولون، ويزداد حجم المسؤولية كلّما كبُر الرأس وازدادت حرارته.في لبنان تبدو العمليّة أكثر ليونة على السطح من العراق وفلسطين، ولكنها ليست كذلك في الواقع والمآل. فهنالك خط تماسّ كبير ما بين العرب وإسرائيل، وما بين الأخيرة وإيران، وما بين سورية والولايات المتحدة أو العالم في بعض التجليات، وما بين سنّة المسلمين وشيعتهم، وما بين الغرب والشرق، وما بين الوطنية والمواطنة من جهة والطائفية الراسخة من جهة أخرى.يحتدم التعارض ما بين اتّجاه يخدم بناء الدولة والتسوية والالتفات إلى مسار التحديث والديموقراطية والاستقلال، وآخر يصر على رهن معادلته الوطنية لمعادلات إقليمية أو عالمية أكبر حجماً وأكثر تدميراً. ولعلّ النجاح في تجاوز المطبّ القائم في انتخاب رئيس جديد يكون مفتاحاً لتجنيب البلاد احتمالات الانفجار من جديد... وربما لن يكفي وحده.سورية في مركز هذه الزوبعة، تتأثّر بعمق بالعمليات المذكورة كلها. مهم لها أن تدعم العملية السياسية في ما حولها، ومهم أكثر أن يكون مفهوماً أنه ما لم تنطلق العمليّة السياسية في سورية نفسها، بالمفهوم المشار إليه، فسوف تكون النتائج أشدّ وبالاً على النظام... وعلى الشعب.* كاتب سوري
مقالات
دعم العملية السياسية!
02-10-2007