من الحارة إلى السفارة مشوار كفاح طويل لم يكتبه عادل إمام بعد.. صخرة أشبه بصخرة سيزيف حملها الفتى الفقير بدأب من السفح إلى القمة، لقد صار ابن الحارة الشعبية نجما لامعا وسفيرا لأشهر منظمة دولية في التاريخ الحديث.. الطفل المشاغب المولود في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي وسط أجواء الحرب والفقر والقمع العائلي صار زعيما، ثريا، صانعا للأخبار، زادا للشاشات وهدفا للعدسات.

Ad

لم تكن الرحلة سهلة، ولم تكن قدرا عبثيا، كان عادل يعرف أن سخرته من الممكن أن تتدحرج إلى أسفل في لحظة ليبدأ الرحلة من جديد إذا استطاع، لذا كان يحسب خطواته ولايضع قدمه إلا على أرض صلبة، ومع كل هجوم يتعرض له، لم يكن يرتكن أبدا إلى ماحققه من نجومية أو ثروة أو شهرة او علاقات، كان يفكر بنفس البساطة التي بدا بها مشوار الحفر في صخر الواقع.. كان يستعيد عزيمة البدايات، ويفكر في الاحتماء بالناس قبل أن يفكر في التوسل لـ»زيوس»

في هذه الحلقات نتعرف على التفاصيل الأسطورية لرحلة عادل إمام، ليس باعتبارها حكايات مسلية عن حياة نجم كوميدي مشهور، ولكن باعتبارها ملحمة تحكي عن حياتنا نحن أكثر مما تحكي حياة عادل وحده.. إنه قصة مجتمع بالكامل، مرآة نرى فيها أنفسنا ونتابع صورة الأب المتسلط والأم الحنون الحامية في صمت والواقع القاسي، والقدر الذي يضن ويعطي وفق معادلات ولوغاريتمات غامضة، وشيفرات القوة التي نستهين بها قبل ان تفاجئنا بالكثير والكثير وفي مقدمتها الصبر والدأب والأمل..

ومن دون تبجيل أو تقليل تعالوا نتعرف مع عادل إمام على مشاهد وخبرات من حياته نعتقد أنها أعمق كثيرا مما قدمه من شخصيات فوق خشبة المسرح وعلى الشاشة

في الحلقات السابقة التقطنا عادل إمام في لحظة ذروة درامية عندما صعد إلى قمة الهرم في مشواره الفني والانساني، وتم تعيينه سفيرا للنوايا الحسنة في الأمم المتحدة، لكن هذه الذروة كانت مليئة بالفخاخ والمواقف الدرامية والتناقضات التي تراوحت بين التقدير المفرط والإشادة بالزعيم، وبين الهجوم الكاسح الذي تعرض له خاصة من الإسلاميين، ثم من قوى المعارضة، وذلك بسبب آرائه النقدية لما يعرف بمظاهر التطرف الديني وإدانته انتشار المظاهرات ضد حكومة الحزب الوطني الحاكم في مصر، وتصريحه الشهير «ليت جمال مبارك يرشح نفسه ويصبح رئيسا لمصر»

كانت ضجة توريث السلطة في الجمهوريات العربية قد ارتفعت وتيرتها في صيف عام 2000 عندما تولى بشار الأسد حكم بلاده خلفا لوالده الراحل، في الوقت الذي كان يعد فيه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ولديه للإمساك بزمام السلطة، كما ترددت هذه النغمة بقوة في ليبيا بعد صعود دور سيف الإسلام القذافي ، وكذلك في اليمن بعد صعود دور أحمد نجل الرئيس علي عبد الله صالح، والذي يشغل منصب قائد الحرس الجمهوري في بلاده لذلك كان تدخل عادل إمام في مثل هذه القضية الشائكة في مصر محل خلاف وضجة كبيرة نظرا لشعبية إمام الجارفة التي قد تؤثر في قضية التوريث بشكل كبير.

نفس الحال انطبق على آراء عادل تجاه القضايا السياسية الأخرى وفي مقدمتها إدانته للمظاهرات، وهجومه الدائم على حركة «كفاية»، وأحزاب المعارضة، ونقده الحاد لظاهرة الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين في تصريحاته وأفلامه أيضا، ومن هنا بدأت صورته لدى الإسلاميين تتوتر، واستعاد البعض مقولة الداعية الشهير الراحل الشيخ عبد الحميد كشك عن «مأساة هذه الأمة التي رزقها الله عادل إمام ومازالت تبحث عن إمام عادل»

لكن أغرب ما حدث في علاقة عادل إمام بالدين حقيقة هو ماقيل عن تحوله للمسيحية، وهي شائعة انتشرت على الانترنت وموقع البالتوك الشهير، ورددها كثيرون مع تعليقات تحتمل الجد مرة والسخرية مرات، لكنها في كل الأحوال لاتخلو من مغزى يدور حول قضية العلاقة المتوترة بين عادل إمام والإسلاميين، وهي قضية يعتبرها إمام جوهرية لمصلحة الأمة، ويفاخر دوما بأنه «وقف ضد هوجة الإرهاب»، ويقول كاشفا عن اسباب وقوفه الدائم في مواجهة الاسلاميين «أنا خفت على بلدى، ثم إنهم كانوا يكفروننى كفنان، ويقولون إن أموالى حرام، وكان لابد أن أدافع عن نفسي وعن مهنتي كفنان

لماذا أصبح الزعيم مسيحيا؟

على الرغم من صعوبة تقصي جذور أي شائعة إلا ان رصد مسار الشائعة وأسبابها قد يساعد كثيرا في معرفة الكثير عنها ويحدد مدى اقترابها من الحقيقة او الإفتراء، وبخصوص شائعة تحول عادل إلى المسيحية قال أحد الشباب متسائلا: سمعت في «البالتوك» أن الممثل الشهير عادل امام أصبح مسيحيا، فهل لديكم معلومات؟

رد شاب آخر قائلا بتبسيط : أكيد مصدر الإشاعة دى واحد يهودي، لكن ثالثا قال باستفزاز: وليه لأ.. عادل إمام رجل عقلانى جدا وأنا أضعه فى مرتبة الراحل فرج فودة وعلى سالم ومحمد نوح، والعديد من المصريين المتنورين.... وأضاف مواطن مشاغب «افتكاسة» من عنده قال فيها: «على فكرة..عندما يتنور المصرى فهو لايصبح مسلما بعد»، وزاد أحد المتطرفين فقال: إن عادل امام, حتي لو لم يصبح مسيحياً.. فهو بمواقفه مسيحي اكثر بكثير من المسيحيين، لقد كان أول فنان يتصدى للمسلمين تحت مسمى أنهم إرهابيون، وقام بإهداء قيمة إحدى جوائزه التقديرية الى الجنود الذين يقومون بحراسة الكنائس وقال حينئذ إنه عار علينا ان نضع حرسا امام الكنائس.

واكتفى «مواطن صالح» بالإشادة الجوفاء على طريقة «مصر هي أمي» فقال: عادل إمام هو إبن تلك الأرض الطيبة , أرض مصر التى هجم عليها البوم بدولارته وريالاته.. تحية لعادل إمام هذا الانسان الفنان الذى قدره العالم بجعله سفيرا للنوايا الحسنة للعام الرابع على التوالى، لكن أحد المتشككين الباحثين عن يقين وفق كوجيتو ديكارت الشهير «انا أشك إذن انا موجود» تساءل موسعا دائرة الشك: بس حكاية تحول الزعيم للمسيحية ليست ثابتة وتحتاج إلى تأكيد أكثر، فقد سمعت مثلا أن طه حسين عملاق وعميد الأدب العربي، وتوفيق الحكيم وآخرين قد تحولوا للمسيحية وإن كانت أشك في ذلك واعتبر هذه المعلومات أخبارا غير مؤكدة... فهل يملك أحدكم دليلا على ذلك؟

رد «عبده مطمئن» قائلا: يا جماعة بلاش اشاعات مالم تكونوا متأكدين... فيه برضه محمد صبحي قالوا عنه كدا... أنا رأيي انه مش كل واحد يكره الارهاب يصبح مسيحيا.. فهناك مسلمون كثيرون يكرهون الإرهاب غير عادل إمام... لذلك اعتقد ان الإشاعه دي قصدها خلق المشاكل لعادل بعد انتقاده للداعية الاسلامي عمرو خالد، لكن من الصعب أن يصبح الزعيم مسيحيآ... بطلوا إشاعات يا... يا كفرة... فليحيا عادل إمام المسلم وليسقط بباوى الـ....

شلولح كمان وكمان

في تطوير هجومي لكسر حصار الحديث في الشائعة تساءل شبيب مستنكرا وساخرا: كيف تعجبون بعادل إمام الذي يمارس الجنس على الشاشة مع عدد كبير من النساء؟، والله إنني لأستحي أن أشاهد افلامه ومسرحياته عند بباي ومماي

وأضاف كرم مذكرا بنماذج من هذه الشائعات: أكيد أصحاب هذه الشائعة لايقصدون أن يضحكوا ويفرفشوا شوية وبس، لكنهم يريدون إيقاظ الفتن، مثلما أرادوا ذلك من قبل في إشاعات من نوع ان الشيخ كشك الأعمي أبصر لأن السيدة العذراء زارته في المنام، والذي عندما وصله الخبر أعلن قائلاً «لو كنت سأترك الإسلام للمسيحية بسبب إن العذراء فتحت عينيا فأنا أفضل أن أظل أعمي ولا أترك الإسلام»، كما رددوا ذلك عن مصطفي محمود ومحمد صبحي ونادية لطفي والكثير والكثير... مش عارف متي سنعقل؟.

وقال سمسم متفلسفا على طريقة عادل إمام: أحب أن أقول كلمة أخيرة في هذا الموضوع وهي «بطلوا شغل العبط ده.. فماذا أقول بعد كل ماقيل من قول عن الاقوال بعد القول الذي قيل، حيث يقال أن كل قول كان قوالا ومقوولا.. وكمان شلولح»

واختتم المعلم وصلة التفاسير حول الشائعة بتحية سمسم قائلا: الله ينور عليك يا سمسم.. كلامك في السليم، لكن ماتعرفش الحوار ده أصله إيه؟

وبالطبع لم يجب سمسم على السؤال العويص وتركنا نتصدى للمهمة الصعبة، وهي مهمة صعبة لنها تتطلب البحث عن جذور علاقة عادل إمام بالدين منذ طفولته وحتى الآن، لكنها ليست مهمة مستحيلة لأن عادل إمام فنان مشهور، وجانب كبير من حياته تحت الضوء، كما ان الجانب المؤثر في تكوينه يمكن دراسته بهدوء من خلال المعلومات المتاحة ورواياته عن طفولته، ورصد المؤثرات التي ساهمت في بناء شخصيته قبل ان يحترف الفن.. ولنبدأ..

ولد عادل إمام في ظروف مرتبكة في العالم كله، وظروف شخصية لاتقل ارتباكا عن ظروف العالم، فعلى المستوى العام ولد الطفل الفقير في حي شعبي وسط المآذن السامقة بمنطقة السيدة عائشة بوسط القاهرة، في الوقت الذي شهد فيه العالم صدمة الإعلان الرسمي للحرب العالمية الثانية بعد بعد سقوط بروكسل عاصمة بلجيكا ودخول قوات النازي إلى العاصمة الفرنسية باريس بعد ذلك بشهور قليلة، وكان هتلر قد بدأ الحرب قبل ذلك بشهور حيث غزا بولندا في سبتمبر عام 1939 واجتاح الدانمرك في إبريل، وفي يوم مولده بالضبط في 17 مايو سقطت بروكسل ثم النرويج، ودك الطيران الألماني سلاح الجو البريطاني ودفاعاته الجوية في «عملية النسر» الشهيرة وتعرضت لندن لأعنف قصف جوي في تاريخها، وبدأ الحلفاء في تحويل مستعمراتهم إلى ميادين للقتال أو الدعم اللوجستي، وكانت مصر المحتلة بالقوات البريطانية من أهم هذه الميادين، كما تم تاسيس الجيش الليبي لأول مرة في ذلك العام تمهيدا لحرب العلمين ذائعة الصيت.

هكذا ولد عادل ابن الشاويش محمد إمام وسط أهوال الحرب الثانية التي حصدت 61 مليونا من زهرة شباب العالم وخلفت 83 مليون جريحا ومعاقا، وقد يتصور البعض ان هذه الأحداث الكونية بلا تاثير على شخصية جنين ثم طفل كان يحبو وهو في عيد ميلاده الخامس عندما وضعت الحرب اوزارها في مايو 1945م، لكن العلم يؤكد أن شخصية الطفل تتأثر الى حد كبير بالمناخ الذى يولد فيه، بل أن بعض علماء النفس الحديث يتحدثون عن تأثر الجنين فى بطن أمه بما يدور حوله فى العالم من خلال وسائل لم يتعرف عليها العلم حتى الآن بدقة، ولكن الاحتمالات التى تؤيد تأثير الأجنة والأطفال الصغار بالعالم من حولهم تتزايد يوما بعد يوم مما يجعل دراسة الزمان والمكان الذى ولد فيه عادل أمر مهم فى التعرف على جوانب مهمة من شخصيته قد لا نستطيع معرفتها فى حالة اغفالنا للمكونات والظروف التى ولد ونشأ فيها.

يقول عادل: إن اسمه الأصلي عادل محمد إمام محمد بخاريني، ويؤكد انه لايعرف أصل عائلته ولا معنى كلمة بخاريني، وقد حاولت البحث عن أصل لهذه العائلة في قرية «شها» التي جاء منها والد عادل مهاجرا من ريف المنصورة في دلتا مصر إلى القاهرة بحكم عمله في مصلحة السجون في وزارة الداخلية حينذاك، لكنني لم اعثر على معلومة واحدة تقودني إلى تفسير أصول عادل إمام، على الرغم من انني وجدت بقايا عائلة كريمة صغيرة وفقيرة في قرية شها الريفية التابعة للدائرة الثانية بمركز المنصورة، وساعدنا في التعرف عليها نائب الدائرة طارق قطب، لكن استاذا في علم الأجناس استهواه اصراري على معروفة هذه المعلومة التي لم يهتم بها عادل إمام نفسه، وقال في حوار تليفزيوني منذ سنوات لمفيد فوزي «معرفش ومايهمنيش أعرف.. أنا قرأتها كده وخلاص»، وبعد أيام من البحث اتصل بي الباحث المتخصص وأخبرني انه وجد اصلا لعائلة بخاريني في معجم يضم أنساب طبقة النبلاءِ روسيا، وقال أن العائلة ربما تعود أصولها إلى مدينة بخارى، وهي مدينة روسية يقول عنها المستشرق بارتولد في دائرة المعارف الإسلامية إنها نشأت قبل الإسلام بقرون عدة، وكان اسمها باللغة الصينية نومى، أما كلمة بخارى فقد جاءت من الكلمة التركية المغولية بخر التى تعنى «الصومعة» أو مكان التعبد،

وقبل الإسلام، حكمت المدينة أسرة شهيرة باسم بخار خدات أي «أمراء بخارى» وظلوا يحكمونها حتى دخول المسلمين سنة 54 هجرية/ 674 ميلادية، بقيادة عبيد الله بن زياد، ثم تثبيت أركان الحكم الإسلامي على يد القائد قتيبة بن مسلم فى حدود سنة 90 للهجرة، وينتمي إليها الإمام البخاري أحد رواة الحديث الشريف الكبار.

ويقول بارتولد أن أعدادا من المسلمين هاجروا في موجات متعاقبة بسبب الحروب التي بدأت بغزو جنكيز خان الذي دمر بخارى تماماً ، وقتل معظم سكانها سنة 616 هجرية . ثم بناها مرة أخرى خلفاؤه من ملوك المغول وأمراء خوارزم .. وفى العام 671 هجرية دمرها نكبى بهادر حتى أنه لم يبق فيها كائن حى خلال الأعوام السبعة التالية!، ثم عادت المدينة للحياة والازدهار فى عصر الأمير تيمور وفى عام 905 فتحها الأوزبك بقيادة شيبانى خان، ثم احتلها الروس سنة 1887م، ثم سقط الاتحاد السوفيتي وعادت بخارى مدينةً مسلمةً فى حدود دولة أوزبكستان

ويقول الباحث أن بخارى ضمت عائلات منسوبة اليها منها بوخاريف، وبوخارين وبوخاريني، وبوخافيتسكي، وبوخانوف، وغيرها.

قد يبدو هذا المقطع جافا وثقيلا ونحن نتناول سيرة فنان، لكن خفة عادل إمام التي ساعدت على تسطيح الكثير من القضايا، يبدو انها قديمة، بحيث لم يجهد نفسه في البحث عن معنى اسم ظل يحمله لأكثر من ستين عاما، فيما استطاع غيره ان يجد تفسيرا ما، في عدة ايام، وهذا يشير إلى ان تكوين الزعيم لم يكن يركز على العمق منذ بداياته، بل كان يعمد إلى التسطيح، ربما لحاجته إلى الهروب من ظروف تصور أن الغوص والتعمق فيها لن يجلب له سوى الكآبة، فالحرب تأكل الناس، كما تأكل النار الحطب، والفقر يكمل على الباقي.

يقول عادل بنفسه: جاء أبي من «شها» مع أمي الفلاحة البسيطة غير المتعلمة، وسكن في السيدة عائشة، وعاش حياة شعبية فقيرة في ظل أوضاع صعبة (كانت الأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينات قد التهمت خير العالم كله وتكفلت نيران الحرب بالباقي).

يكمل عادل: ولدت في هذه الظروف التي لا أعرفها، وكانت حياتنا أقرب إلى الكفاح والشقاء، لكن مع رغبة قوية في التحدي ومقاومة الظروف الصعبة، لقد كان ابي رغم قسوته يعرف مايريد، ويصر على تعليمي بدرجة من التحدي والإصرار والعناد لم تكن تتوفر لكثيرن من أمثاله من الموظفين الحكوميين البسطاء.. دخلت مدرسة الحكومة بالمجان، وأكلت أكل الحكومة، ولبست ملابس الحكومة، لم أنشأ ثريا ولا مرفها، كنت أعرف أن الظروف صعبة، لكنني لم اكن أهتم بذلك... كنت أضحك، وألهو، وأسخر، وأدبر المقالب، وأعيش الدنيا بالطول والعرض، ولم أكن أخشى شيئا ولا أحدا إلا والدي.. كنت أعمل له ألف حساب لأن الوالد كان يمثل جيل «سي السيد»... كان حاكما بأمره في البيت، ولكنه لم يكن يشبه «سي السيد» في الخارج، بل كان ايضا جادا ومهابا في المنطقة والحي كله، وكان يأخذنا أحيانا إلى قرية شها عند العائلة، حيث تعرفت على جدي، وكان بقالا لكنه كان رجلا بشوشا وساخرا جدا، كنت ألاحظ أن الناس في القرية يجتمعون عنده كل ليلة للضحك والسمر، ويتبادلون القفشات والقافية، والضحك يرن في اذني وانا اتابع، وعندما كنت أنظر ناحية والدي كنت أجده يشاركهم الحيث أيضا، وكانوا يضحكون جدا، لكن والدي كان محافظا على مهابته، ولا يضحك إلا قليلا، وكانت ابتسامته نادرة في العموم.

يقول عادل:

يقول عادل: والله مش عارف إذا كان أبى قد استقبلني بالترحاب المألوف وفرحة الأب بأول طفل ينجبه أم أنه استقبلني بـ» الشلاليت» التي تعودت عليها منه منذ تعلمت المشي والكلام، والحقيقة في بعض المواقف أنا كنت استاهل لأني كنت شقي جدا، طفل نحيف بس عفريت، وبدأت في معاكسة خلق الله من بدري جدا، مرة من أجل إضحاك الناس وأصدقاء الطفولة على موقف غريب، ومرة أدبر مقلب في حد متغاظ منه، ومرات كتير مش عارف ليه، والحق يقال إن المشكلة زادت جدا بعد دخولي المدرسة، لأن أنا كنت أعيش في حي من الأحياء الشعبية الجميلة جدا والثرية جدا بالحياة والناس الأصيلة والقيم البديعة جدا ولحسن حظي أننى ولدت فى هذا الحي، لأن بصراحة أعتقد ان محدش في الدنيا كان يقدر يتحملني غير الناس الطيبين دول.. فقد كنت اعشق كرة القدم وامارسها مع أصدقائي فى شوارع الحلمية والخليفة بشكل دائم وبصفة خاصة فى شهر رمضان وكانت الكرة ايامها مصنوعة من شراب (جورب) قديم مش زي اليام دي، وكنا نحشوه بقماش مهلهل، أو نقطع كرسي ونسرق الأسفنج ونلفه بالخيوط، المهم نعمل حاجة مدورة ونلعب بيها، والغريب اني لم اكن املك اي كرة، كان صاحب الكرة دائما واحد تخين ومابيعرفش يلعب وكنا حرصين على ألا نغضبه حتى لايأخذ الكرة ويمشي، ومش عارف يمكن حبي لكرة القدم هو الذي جعلنى اقدم خلال مشواري الفنى عددا من الأفلام عن هذه الرياضة مثل «الشياطين والكرة» عام 1973 مع حسن يوسف و»رجل فقد عقله» عام 1980 مع سهير رمزي وفريد شوقي و»الحريف» عام 1984 من اخراج محمد خان ومع فردوس عبد الحميد

ولا انسي يوم تركت حقيبتي بجانب الرصيف وعدت إليها بعد المبارة فلم أجدها فكرت يومها في عدم العودة إلى المنزل الهروب إلى الصعيد لكن حدثت مفاجأة لم تكن في الحسبان...

يتبع في الحلقة المقبلة