إن نظرة متفحصة في تاريخ الكويت الثقافي تظهر أن الساحة الثقافية كانت على الدوام متفاعلة في ما بينها، وأنها على الدوام كانت تتسع للتيارات الفكرية المختلفة في قناعاتها وآرائها والملتقية على مصلحة الكويت. يمكن الرجوع إلى الموقف من التعليم النظامي ودخول اللغة الإنكليزية، إلى تعليم الفتيات، إلى دخول الجرائد والمجلات إلى الكويت، إلى حضور الفكر الوهابي على أرض الكويت، ولاحقاً إلى انضمام المرأة إلى الفرق المسرحية وظهورها على خشبة المسرح، وقضايا أخرى كثيرة. لقد عُدّ ذلك ملمحاً بارزاً من ملامح الحياة في الكويت حيث الاختلاف مع الرأي الآخر هو اختلاف وخلاف في الفكر والرأي، ترتفع نبرته وتحتد إلى درجاتها القصوى، لكن من دون أن تصل أبداً إلى نفي الآخر وإقصائه بأي شكل من الأشكال. هذه الحالة متحققة ليس على المستوى الثقافي بل وعلى المستوى الاجتماعي والسياسي وبما يعود بالخير على الكويت.

Ad

إن رابطة الأدباء في الكويت التي تأسست عام 1964 بوصفها جمعية نفع عام، هي كيان معنوي يضم أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين، مثلما ينضوي تحت لوائه المنتسبون إلى الرابطة من الكتّاب والأدباء والمثقفين. والرابطة مكان لقاءٍ لتبادل الفكر والإبداع والمناقشات الثقافية والأدبية، سواء بين أعضائها أو من خلال المحاضرات والندوات التي تعقدها في موسمها الثقافي. هي بذلك تشكل رافداً مؤثراً وأساسياً من روافد الحركة الثقافية في الكويت، ولهذا فإننا نفترض بداهةً أن يتسع صدرها لاحتضان تجمع ثقافي صغير كان يعقد جلساته في ديوانيتها، ونقصد به مجموعة «ورشة السهروردي» بإدارة الزميل محمد السعيد.

لقد انعقدت «ورشة السهروردي» كلقاء ثقافي فكري بين مجموعة من الزملاء الأدباء المهتمين بالفكر والفلسفة، وكان لقاؤهم يتسم بالجدية والشفافية بحيث ينعقد في الديوانية المفتوحة أمام أنظار الجميع، متضمناً مناقشة وتبادلاً للرأي وقراءةً لبعض النصوص التراثية. وبما يشكّل نشاطاً ثقافياً من صلب عمل الرابطة، يفترض أن يكون مصدر اهتمام وتقدير من قبل أعضاء مجلس إدارتها، لكن ما حدث هو العكس

تماماً. طُلب من أصحاب الورشة الكف عن عقد لقائهم في الرابطة، من دون أي مبرر مقنع، بل وصل الأمر بتهديدهم برجال الشرطة وهذا أمر مخجل أبعد ما يكون عن الحوار والفكر والأدب.

إنني أرى أن النشاط الثقافي في أي مجتمع من المجتمعات هو بالضرورة محصلة مجموعة من الأنشطة الرسمية والأهلية والفردية، وأنه لا يمكن لأي جهة أن تنهض بالعمل الثقافي منفردة، كما لا يمكنها الإدعاء باحتكار النشاط لنفسها. وبالتالي فإن انعقاد ورشة عمل ثقافية صغيرة هو رفد وتفعيل إيجابي للساحة الثقافية، وهو وجه حضاري من وجوه أنشطة مؤسسات المجتمع المدني، وهو قبل هذا وذاك نشاط مشروع لا غبار عليه.

إنني أجزم بأن انعقاد ورشة عمل ثقافية صغيرة بين جنبات الرابطة هو إضافة محمودة للرابطة، لذا أتمنى على الزميل الكاتب حمد الحمد، بوصفه أمين عام الرابطة، أن يعيد النظر في قراره الوقوف بوجه عقد جلسات «ورشة السهروردي»، وأتمنى أن تبقى الرابطة بيتاً لكل الأدباء والمبدعين في الكويت، وأن يتسع صدرها لاحتضان الورش الثقافية باختلاف مشاربها، وهل تغتني الثقافة إلا بالتنوع؟