Ad

الفكر السطحي للدّين، ولو من خلال إقامة صور بدائية ومتخلفة للإمارة الإسلامية، تمثل حجم المأساة التي تهيمن على عقلية «القاعدة» في عصر العولمة والحداثة وثروة الاتصالات والمعلومات

جريمة استهداف المرقد المقدس للإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) في سامراء، وبنفس طريقة التفجير المقززة لقبة هذا المرقد الشريف قبل سنة واحدة فقط، لا تعكس روح الحقد الطائفي والعصبية الكريهة التي تتبناها جماعة «القاعدة» ومن يسير في نهجها الفكري والسياسي في العراق، بقدر ما تجسد السطحية الغبية لهذه المدرسة أيديولوجياً وميدانياً وانعدام المرجعية الدينية فيها، القادرة على مجاراة الواقع ومواكبة آفاق العصر والتسويق للإسلام كمنبع للتجديد والحداثة وتمجيد رسالة النبي الأكرم (ص).

إن التفاوت في فهم مقاصد الشريعة والاجتهاد في تطبيق معاني ومعتقدات الدين شيء، والخط الذي تتبناه «قاعدة» بن لادن والظواهري ومن يسير في ركبهما شيء آخر، فالغيرة على الدين والاستعداد للشهادة على بوابة الجهاد من مكنونات الوازع الذاتي لدى الملايين من المسلمين، الذين لا ينتظرون إذناً ممن نصّبوا أنفسهم أمراء على جماعات صغيرة من الشباب، ليدفعوا بهم إلى أحضان الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة.

والمتتبع لسيرة «القاعدة» تاريخياً يدرك أن مشكلة هذا التيار ليست مع الأميركان أو الغرب عموماً، بل مع بقية المسلمين الذين حصدت الآلاف من أرواحهم البريئة في أفغانستان والسودان والجزائر، والآن في العراق. كما تؤكد المعلومات والتسريبات الاستخباراتية أن نواة الكثير من هذه الجماعات، ومحورها الأم المتمثل في «القاعدة» كانت صنيعة المؤسسات الأميركية والأوربية وحلفائهما من بعض دول المنطقة، كجزء من معادلات إدارة الأزمات التي بدت خطوطها تتبعثر في خضمّ الفوضى السياسية.

فالفكر السطحي للدين، ولو من خلال إقامة صور بدائية ومتخلفة للإمارة الإسلامية، وإن كانت مكونة من ثلاثة أشخاص وفي أية قرية صغيرة يمكن تسميتها ولاية إسلامية، تنطلق منها الغزوات حتى ضد المسلمين، هذا الفكر يمثل حجم المأساة التي تهيمن على عقلية «القاعدة» في عصر العولمة والحداثة وثورة الاتصالات والمعلومات.

وعندما بدأت القاعدة (فرع العراق) تؤسس مثل هذه النماذج المصغرة من الولايات الإسلامية في بعض أحياء المدن العراقية، اصطدمت برفض حتى أتباع المذاهب السنية، التي سرعان ما دخلت معها في اقتتال داخلي وصراعات مسلحة، قادتها بعض الجماعات الإسلامية والعشائر العراقية السنية قبل الشيعية. ولهذا كانت محاولة تفجير المرقد الشريف في سامراء استراتيجية مقصودة لخلط الأوراق وإثارة غبار الطائفية والحرب المذهبية، لصرف الأنظار عن فشل جماعة «القاعدة» في إقامة الإمارة الإسلامية في العراق، أو فرض فكرها الضيق على العراقيين السُّنة أنفسهم. وهذا ما نجحت فيه قبل عام، وجرّت بعض الشيعة إلى أتون الانتقام والتصعيد المذهبيين في أعقاب التفجير الأول، وهذا ما تسعى إليه في ظل قانون فرض النظام وتنامي المواجهات بينها وبين سُنة العراق أنفسهم من جديد من خلال التفجير الثاني للمرقد نفسه.

إن جماعة «القاعدة» تدرك قبل غيرها أن القيمة المعنوية والطهارة المتجسدة في عترة النبي (ص) ومكانة أئمة أهل البيت (ع) لا تحددها تلك القبب الذهبية الشامخة، ولكن محبتهم والولاء لهم يفرضها علمهم وفضلهم ووصية الرسول (ص) فيهم، فمحبة الأئمة الكرام في قلوب أتباعهم لا تختلف في النجف الأشرف حيث القبة الذهبية الكبرى عنها على رمال البقيع الجرداء، وإذا كان تفجير سامراء مؤلماً ومحزناً وجريمة مخزية فمن اليقين أن الألم الذي تعانيه «القاعدة» وفشلها في العراق أمرّ وأخزى!