هي من أستراليا واسمها الأصلي فيونا غراهام، لكن زبائنها يدعونها سايوكي. هدفها تثقيف العالم عن تقليد وطني فريد.

Ad

إذا أردت إغضاب سايوكي، تحدث عن فيلم «ذكريات غيشا» الذي صدر عام 2005 أو المسلسل الذي يستند إلى هذه القصة. فهي تصف هذا الكتاب بقولها: «إنه كتاب سخيف ولا أساس له من الصحة، وضعه رجل أميركي أبيض في منتصف العمر، معتمداً على مخيلته. آمل ألا تكون في نيتك أن تكتب عنه».

لكن من سوء حظ سايوكي التي تدّعي أنها أول غيشا أجنبية في اليابان، صاغت نظرة الغرب إلى عالم الغيشا، عالم الأزهار والصفصاف، قصة آرثر غولدن، التي باعت أربعة ملايين نسخة، وفيلم زانغ زيفي المقتبس عنها.

لكن ما الذي تكرهه سايوكي في هذا الفيلم؟ تجيب: «أكره الرقص. لا ترقص فتيات الغيشا على هذا النحو. فضلاً عن ذلك، يدور الفيلم برمته حول الجنس. إلا أن عالم الغيشا مختلف الاختلاف كله».

والحق أنه لا تُعتبر سايوكي، الذي يعني اسمها المهني «السعادة الشفافة»، الشخص الوحيد الذي أزعجته مشاهدة فيلم خيالي عن بروز فتاة غيشا جميلة تُدعى سايوري. فقد استاء أحد النقاد من علاقتها الرومانسية مع مسؤول غامض، ووصف الفيلم بـ{مجموعة من الترهات الشرقية».

علاوة على ذلك، أغضب هذا الكتاب المرأة التي يُفترض أنه يروي قصتها، فتاة الغيشا المشهورة في كيوتو مينكو إيواساكي، حتى إنها وضعت كتابها الخاص لتصحّح اللغط القائم. وفي إحدى المقابلات معها، طلبت إيواساكي أن أوقع تعهداً بألا آتي على ذكر ذلك الكتاب مطلقاً. فقد قالت والسخط يملأ عينيها: «المعلومات كلها التي يحتويها مغلوطة. فلا تُضرب المبتدئات، ولا نبيع عذريتنا لمن يدفع أكثر». كذلك قاضت إيواساكي غولدن (سويت القضية خارج المحكمة) بسبب كتابه، الذي امتاز بنظرته الغربية الموجهة إلى قراء غربيين.

لكن سايوكي، التي تأتي من أستراليا وتحمل على شهادة ميلادها إسم فيونا غراهام، وهو اسم يلائمها أكثر، تظن أن بإمكانها إيصال نظرة صحيحة عن الغيشا إلى الغرب. تعمل مخرجة أفلام وثائقية وتحمل شهادة دكتوراه في علم الإنسان من جامعة أكسفورد. وقد أصبحت الآن، على حد قولها أول امرأة غير يابانية منذ 400 عاما تتدرب لتصبح غيشا. وتصور حياتها فيلماً فيما تتدرج في أحد منازل الغيشا.

وتذكر أن العالم سيرى النتائج قريباً. فسيتضمن فيلمها نظرة علمية نادرة إلى أحد المجتمعات الأكثر انغلاقاً في اليابان. وتؤكد أنه «سيكون فريداً من نوعه». تتابع: «أخفق معظم الغربيين الذين حاولوا الكتابة عن هذه التقاليد لأنهم لم يحاولوا أن يعيشوا حياة هؤلاء الفتيات. أما أنا فسأعمد إلى تصوير المجتمع الذي أحيا فيه الآن على حقيقته».

علاوة على ذلك، ليس كتاب «ذكريات غيشا»، الذي يرتكز على الخيال على حد قولها، الكتاب الوحيد الذي تصب عليه سخطها، مع أنها تتردد في انتقاد الكتّاب الآخرين. فتنتقد إحدى الكاتبات بقولها: «ذكرت إحداهن أنها عاشت مدة طويلة مع الغيشا حتى كادت تصبح واحدة منهن. هذا أمر مضحك. هل تعرف هذه الكاتبة كم من الصعب أن تصبح الفتاة غيشا؟».

وما مدى صعوبة ذلك؟ يشمل التدريب تعلم المشي والتحدث واللبس وإتقان مهارات عدة، مثل إعداد حفلات الشاي والعزف على آلة الشاميزن ذات الأوتار الثلاثة والعزف على مزمار الخيزران الياباني، الذي تتقنه سايوكي جيداً وتتمرن عليه يومياً. أضف إلى ذلك قواعد العيش في أوكايا، أي منزل الغيشا. تُعتبر هذه القواعد صعبة بما فيه الكفاية للمتدرجات اليابانيات، فكم بالأحرى امرأة قاربت منتصف العمر، مع العلم أن تقاليد الغيشا تحتم عليها عدم الإفصاح عن عمرها!

مجتمع صارم

توضح سايوكي: «تُعتبر كل فتاة في المجتمع أختي الكبرى الى أن تأتي متدرجة جديدة. لذلك عليّ الركوع والانحناء كلما دخلت إحداهن الغرفة، حتى لو كانت أختي الكبرى البالغة من العمر 18 عاما. إنه عالم تراتبي صارم وعتيق الطراز ولا يأبه إن كنت أكبر منهن سناً. وإذا ارتكبت أي خطأ، تُبلَّغ أمي الغيشا بالأمر فتوبخني. صحيح أن من الصعب تقبل هذا المجتمع، لكن هذا هو الواقع».

لكن الأصعب هو الجلوس طوال ساعات في وضعية «سييزا»، أي الجلوس والركبتان مثنيتان والكاحلان تحت الردفين. تخبر سايوكي عن معاناتها: «ظننت أن بإمكاني فعل ذلك، غير أني أصبت بآلام مبرحة يوماً بعد يوم طوال فترة طويلة. فهن لا يستخدمن الوسائد، حتى انهن يجلسن أحياناً على الأرضية الخشبية مباشرة».

ومَن هي هذه المرأة التي تظن أن بإمكانها أن تنجح حيث أخفق الآخرون؟ جاءت الآنسة غراهام من ملبورن إلى اليابان ضمن إطار برنامج تبادل للطلاب عندما كانت في الخامسة عشرة، فتخرجت من مدرسة ثانوية يابانية لتنال بعد ذلك شهادتها الجامعية من جامعة كيو العريقة. وبما أنها تتقن اللغة اليابانية، قضت وقتها في العمل في شركات يابانية وفي مجال الصحافة. وقد وضعت كتباً عدة عن الحضارة اليابانية وعن عقيدة الشركات اليابانية واستراتيجيتها، فضلاً عن مشروع عام 2005 بعنوان Playing at politics: the ethnography of the Oxford Union.

وتقول غراهام إن مشاهدة فيلم «ذكريات غيشا» هي التي أقنعتها بمحاولة التدرج لتصبح غيشا. وهي أول امرأة تحاول ذلك بعد العالمة الأميركية ليزا دالبي في منتصف سبعينات القرن العشرين، لكنها تؤكد أن دالبي لم تصبح يوماً غيشا حقيقية، على الرغم من أنها شاركت هؤلاء الفتيات حياتهن. فضلاً عن ذلك، كتب صحافيون ومتخصصون آخرون في علم الإنسان عن تفاصيل حياة الغيشا، غير أنهم لم يتكبدوا مشقة الخوض في التدريب المضني.

مهمّة صعبة

تخبر غراهام: «إذا أصبحت غيشا، فستكون مكانتي في أدنى السلم. وعلى الرغم من أنني تلقيت علومي في مدرسة يابانية، استصعبت هذه المهمة جداً. فالقبول في منزل الغيشا ما هو إلا البداية. لا أتخيل أن إحدى الفتيات الغربيات يمكنها تحمل ذلك كله». وتنفي أن تكون قد حظيت بأي معاملة خاصة لأنها أجنبية.

بدأت التدريبات في شهر نيسان/ أبريل الفائت وقُبلت متدرجة في كانون الأول/ ديسمبر. وتظهر في فيلم قبولها، الذي تحتفظ به على كمبيوترها المحمول، وهي تركب عربة مفتوحة وتتنقل في مختلف أنحاء أساكوسا، أحد أقدم أحياء الغيشا الستة المتبقي في طوكيو، فيما تراقبها أعين بعض المشاهدين.

كان الكيمونو (اللباس التقليدي في اليابان) يلف جسم غراهام الطويل، وقد طلت وجهها بمساحيق الزينة الخاصة بالغيشا. فبدت جميلة فيما راحت تقدم نفسها إلى زبائنها المستقبليين، أي نحو 100 مطعم ومقهى لشرب الشاي.

كانت ترتدي كيمونو أزرق فاتحاً مع حزام أبيض أعطتها إياهما المسؤولة عنها ويساويان نحو مليوني ين (9300 جنية استرليني).

ستشمل مهامها حضور الحفلات في هذه الأحياء وصب الشاي وتسلية الضيوف. توضح غراهام: «نتمرن على كل شيء بدقة. عندما افتح الباب الجرار علي أن أكون جاثية وأقف. ثم أغلق الباب وأنا جاثية. ثمة الكثير والكثير من العادات المماثلة». على الرغم من مرور عام على تدريبها، تقول إنها لا تزال «غير واثقة» من أن الكيمونو الذي ترتديه هو الملائم.

صحيح أن هذه الحياة بعيدة كل البعد عن حياتها كأكاديمية وكاتبة محترفة، لكنها تصرّ على أن مَن يرى الغيشا مجرد فتاة ضعيفة وخاضعة يغفل عن نقطة مهمة. تذكر: «إنهن نساء عاملات قويات ومستقلات يتحكمن في حياتهن الخاصة. إنهن من أولى السيدات المستقلات».

يقدم موقعها الإلكتروني،

WWW.sayuki.net، صوراً لها وهي تؤدي واجباتها كغيشا، لكن هل تبقى غيشا طوال حياتها؟ تجيب غراهام بالنفي وتقول: «لم أفكر في ما سأفعله بعد ذلك. إلا أنني لا أتوقع أن أبقى غيشا طوال حياتي».

وتختم: «سأحاول نقل الحقيقة، نعيش اليوم في عالم يختلط فيه الخيال بالواقع. لذلك أرجوكم لا تقارنوني بذلك الكتاب. فسيكون الأمر أشبه بمقارنة التفاح بالبرتقال».