Ad

الهدر والتسيب الإداري والمالي، هما السوسة أو السراق الجدد للمال العام، وهما سابقان لقضايا الناقلات والاستثمارات بسنوات، ومما يؤسف له أن القليل منا يذكر ذلك ويبين خطورته، وفي ظني، لو قدر لدراسة علمية أن تبحث في قيمة ما تم الاستيلاء عليه من أموال من قبل سراق المال العام، لتبيّن أن الهدر والتسيب يحتلان المركز الأول.

أول العمود: مسلسل ضرب الصحافيين وزملائهم المصورين لا نهاية له، فهو مثل المسلسل المكسيكي... طويل، لأن رد الفعل كما يبدو ضعيف.

***

استهلك مجلس الأمة كثيراً من جلساته وجهد لجانه للوقوف ضد سراق المال العام، وهي تسمية راجت بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي، ولعل أبرز مظاهر ذلك العبث يظهر في قضيتي اختلاسات شركة الناقلات، وسرقة الاستثمارات الخارجية، ومبالغ هذه وتلك بالمليارات. وحدث أن صدرت تشريعات مضادة لهذه الممارسات ولدت بعد مخاضات عسيرة مثبتة في مضابط مجلس الأمة، وأهمها قانون محاكمة الوزراء، وقانون حماية المال العام.

لكن ومن خلال متابعاتي لما يصدره ديوان المحاسبة من تقارير سنوية ترصد حركة صرف وتحصيل أموال الدولة يتضح أننا أمام مشكلة كبيرة تفوق ما يسرقه حرامية الخزانة العامة. ففي تلك التقارير نقرأ العجب.

الهدر والتسيب الإداري والمالي، هما السوسة أو السراق الجدد للمال العام، وهما سابقان لقضايا الناقلات والاستثمارات بسنوات، ومما يؤسف له أن القليل منا يذكر ذلك ويبين خطورته، فديوان المحاسبة يصدر أربعة تقارير سنوية رئيسة بشأن الوزارات، والجهات الحكومية المستقلة، وتقريري الاستثمارات والبترول. وقراءتها تثير الكثير من التساؤلات.

هناك هدر كبير يستنزف الخزانة العامة ينبه الديوان إليه سنوياً، وبعض الوزارات والمؤسسات الحكومية تحاول الإصلاح ووقف الهدر، لكن كثيراً من الجهات يستمر لديها مسلسل الهدر من دون متابعة، وتعطي تقارير الديوان أمثلة حية على ذلك، كالأموال التي تصرف على تقدير الكلف المالية لبعض المشاريع التي يثبت لاحقاً أنها غير دقيقة ومجافية للحقيقة، وهو ما يولد ما يسمى بـ«الأوامر التغييرية» التي تفوق كلفتها أحياناً كلفة المشروع الأصلية!

أما مرضا التسيب المالي والإداري، فالديوان يكشف أيضاً كثيراً من الحالات التي تفشل فيها وزارات الدولة ومؤسساتها في تحصيل أموال متراكمة لها منذ سنين وتعد بالملايين «مثال فواتير الكهرباء»، إضافة إلى التعيينات الوظيفية المبنية على المحاباة، وصرف مكافآت مالية لغير مستحقيها، وأمثلة أخرى تطول.

وفي ظني، لو قدر لدراسة علمية أن تبحث في قيمة ما تم الاستيلاء عليه من أموال من قبل سراق المال العام، لتبيّن أن الهدر والتسيب يحتلان المركز الأول في الاعتداء على خزانة الدولة، ولا يعفي القول إن الهدر والتسيب يتمّان بغير عمد أو بحسن نية، فهما نتاج فساد إداري تُساءل عنه الحكومة، صاحبة الجهاز الإداري الذي يدير هذا المال، وبمشاركة مجلس الأمة بصفته شريكاً في الرقابة والتشريع والذي عجز في تطوير جهازه الإداري والفني طوال عقود من الزمن ليواكب تضخم حجم الميزانية العامة سنة تلو الأخرى، وهو ما يسبب امتعاض الغيورين على أسلوب سلق الميزانيات وبشكل تراجيدي سنوياً. وإذا كان الذي يسرق المال العام يجد طريقاً للمساءلة في «بعض الأحيان»، فإن المسؤولين عن الهدر والمتسيبين لا يعلمون أنهم شرفاء يمتهنون السرقة «غير المتعمدة».