انتقد فنان الكاريكاتير جورج بهجوري الحركة التشكيلية في مصر والحركة النقدية الأدبية على السواء وقال إنهما يتجاهلان إبداعاته الخاصة بالأدب والتشكيل، فيما يرفض النقاد التشكيليون اعتبار ما يقدمه من رسوم كاريكاتورية فناً تشكيلياً يتجاهل نقاد الأدب إبداعاته في مجال الرواية والقصة إذ قدم في هذا المجال أربع روايات هي «بيضة النعام» و«أيقونة فلتس» و«أيقونة باريس»، و«يهجر في المهجر». يقول جورج البهجوري لـ «الجريدة» إن الحركة التشكيلية في مصر لا تعترف به فناناً تشكيلياً وتحسبني الحركة التشكيلية على طائفة رسامي الكاريكاتير رغم إبداعاتي العالمية في فن البورتريه والنحت والرسم والعرائس، ويضيف أن الحركة التشكيلية تعاني من سطحية معاركها وأزمتها الفنية، إلا أنه يعتبر حصوله على جائزة الملك عبد الله الثاني للفنون بمثابة رد اعتبار له.أما عن عدم اهتمام الحركة النقدية الأدبية بأعماله الروائية فيقول: «لأنهم يعتبرونني أحد رسامي الكاريكاتير الذين أقحموا أنفسهم على الرواية والأدب رغم أن رسم الكاريكاتير لا يمثل سوى 10% من الفنون التي أبدع فيها في مجالات مختلفة».ويعدّ بهجوري «كوكتيل» من فنون التشكيل والرسم والكاريكاتير والإبداع في فنّ العرائس والرواية والتمثيل والنحت، هاجر إلى باريس بحثاً عن هويته الفنية في عاصمة النور والجن والملائكة، ليبتكر أسلوبه الفريد ليتوج ملكاً للاختزال في فن البورتريه ليصنع لنفسه عالماً مفعماً بالحياة ليحقق حلمه بالوصول إلى العالمية عبر الحصول على كثير من الجوائز في مسابقات الكاريكاتير والبورتريه والنحت لتؤكد أعماله الفنية على هوسه بالفنون المصرية القديمة، لتشغل إبداعاته النقاد العالميين، ليخلق عالمه الخاص وعلاقاته الاجتماعية في المجتمع الباريسي من خلال الرسم.وفي بداياته الأولى اشتبك بهجوري برسومه مع عالم السياسة وانتقد الرئيس جمال عبد الناصر، كما انتقد الرئيس انور السادات خصوصاً بعد توقيعه معاهدة كامب - ديفيد مع اسرائيل التي أغضبت المثقفين وأعلنوا رفضها وكان بهجوري واحداً منهم، فسخر من السادات برسوم أغضبته مستخدماً فيها الرمز حيناً والحيوانات حيناً آخر للتعبير عن رأيه، والإفصاح عن همومه الداخلية ومواقفه السياسية والاجتماعية في محاولة منه للتغيير في مواجهة استبداد الحاكم، لتكشف رسومه الساخرة مرارة الواقع، في ظل غياب المنابر الحرة، فتعرض كثير من رسومه الى الملاحقة والمنع فصدر كتابه «الرسوم الممنوعة» الذي تضمن رسوماً منعها الرقيب ليستمر بهجوري في الخوض في المناطق الشائكة من دون أن يعبأ بالمنع أو الحجب في ظل مناخ سياسي يرفض التعبير عن الرأي بالكلمة أو الريشة.وكأن هناك من يحاكم الصورة الكاريكاتيرية بطريقة غير معلنة، وإن كانت المعتقلات لم تنل من بهجوري إلا أنها نالت من كثير من أصدقائه رسامي الكاريكاتير والمثقفين، وكان من بينهم صديقه ناجي العلي، الذي اغتيل في لندن عام 1987 بسبب سخرية رسومه السياسية وتبنيه للقضية الفلسطينية من خلال شخصية حنظلة.حياة الصعلكةولأنه طفل كبير كثيراً ما تشاهده يجوب الشوارع والحارات والدروب حاملاً حقيبته فوق كتفه، وكأنه تلميذ هارب لتوه من المدرسة يفتش في أرجاء المدينة على شيء مجهول يشبع فضوله الفني، وربما تشاهده جالساً القرفصاء فوق الرصيف يفتش حقيبته ليخرج أوراقه وفرشاته وألوانه، ليرسم وجوه المارة والباعة الجوالين وعمال التراحيل والأفندية والسائقين.وفي باريس عاش بهجوري حياة الصعلكة وبهرته العاصمة الفرنسية وأثارت دهشته، ويقول عنها انّها امرأة جميلة علّمته كيف يكون الجنون، فلم يستقرّ به الحال في الحيّ اللاتيني، وجاب شوارعها وتسكع على نواصيها في محاولة منه لالتقاط الملامح الحقيقية لتلك المرأة المجنونة للوصول إلى حقيقة شخصيتها المبهرة، ليتحوّل خلال أشهر قليلة إلى مواطن «عولمي» يصادق الإيطالي والفرنسي والاسباني والهندي والسنغالي والبريطاني، في محاولة منه لاكتشاف مختلف الثقافات، وكانت رسومه لبورتريهات أصدقائه هي عقد الصداقة غير المبرم، ليتمكن بذلك من التواصل مع مختلف الحضارات في محاولة ليكتشف أسرارها، إلا أنه ظلّ يحافظ على هويته الشرقية رغم اندماجه في المجتمع العولمي المحيط به.فلسفة النقطة والخطمن أهم خصائص بهجوري ابتكاره لأسلوبه الفني الذي يميّزه عن غيره من الفنانين، حتى انه يمكنك أن تميّز رسومه حتى لو لم يوقّع عليها، وذلك لتميّزه بفلسفةٍ فنية تعتمد على النقطة والخطّ المتصل، فهو يبدأ رسومه عند نقطة معينة من دون تخطيط لذلك، وينطلق منها في خط متصل ومتواصل إلى أن ينتهي من اللوحة من دون أن يرفع قلمه. ولا يرفع بهجوري ريشته عن اللوحة حتى تنتهي، لتتحوّل لديه العينان إلى نقطتين، ليلخص الكثير من التفاصيل ويبرز أهم ملامح الشخصية وتلك الفلسفة الفنية ذاتها هي التي دفعت الرئيس السادات الى إدراجه في القائمة السوداء نتيجة لتهكّمه عليه من خلال مبالغته في رسم ملامحه في لحظات الانفعال.الفرعونيوفي باريس التقى بهجوري بأعمال الكبار فان غوخ ومودلياني وبيكاسو وغوغان ورامبرانت، وهناك انخرط في المدرسة التكعيبية لبعض الوقت، إلا أنه سرعان ما توقف في محاولة منه لإعادة اكتشاف نفسه وخلق أسلوبه المتفرد، وهو الخط الذي استقاه من الفراعنة الذي تعلّق بفنونهم منذ طفولته الأولى فعندما كان يبحث عن أسلوب فني جديد عاد بذاكرته إلى وراء سبعة آلاف سنة ليستعيد إبداعات الفراعنة عبر الخط كأسلوب فني متفرد، وإن كان الفنان العالمي بيكاسو سبقه في هذا المجال إلا أنّ بهجوري يقول إنّ بيكاسو اقتبس أسلوبه من الفن الفرعوني القديم، ويعيبه أنه لم يزر مصر ونتيجة لهذا الأسلوب الذي ابتدعه بهجوري فقد اطلق عليه النقاد اسم «بيكاسو المصري».
توابل - ثقافات
الفنان جورج بهجوري... مبدع في التشكيل والرواية يتجاهله النقاد
05-02-2008