لم تكن الحرب على العراق من تخطيط المحافظين الجدد فقط، فالمخططون الرئيسيون كانوا من الواقعيين المغرمين بالقوة العسكرية الأميركية والمؤيدين لاستخدامها بغرض إزالة التهديدات والأخطار المحتملة على المصالح الأميركية، وهو ما يشكل توجها أصيلاً للسياسة الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

Ad

يبدو أن الأمل في تراجع نفوذ مجموعة المحافظين الجدد على صياغة التوجهات السياسية لإدارة الرئيس بوش لا يقتصر فقط علينا نحن في العالم العربي. فقد لفت انتباهي خلال الأيام القليلة الماضية أن الصحافة الألمانية، وأنا في العاصمة الألمانية برلين في إجازة صيفية قصيرة منذ ما يقرب من أسبوع، تفرد مساحات كبيرة لتحليلات حول انحسار دور المحافظين الجدد وانقلابهم على بوش بسبب إخفاقاته المتتالية. فهل لنا بالفعل أن نتوقع مثل هذا التحول؟ وهل هناك صدقية لقرب نهاية المجموعة الأكثر شهرة محلياً في الولايات المتحدة وعالمياً صاحبة مبدأي؛ تغيير النظم السياسية بالقوة، والتدخل العسكري الاستباقي لبسط الهيمنة الأميركية (الخيرة) على العالم؟

بداية خسر الحزب الجمهوري انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر 2006 بسبب رفض أغلبية الناخبين الأميركيين للسياسة المتبعة في العراق وقناعتهم بأن إدارة بوش عاجزة عن التغيير وعن صناعة أفكار استراتيجية جديدة، وأن هذا العجز قد أضحى عجزاً شاملاً يضرب أبنية الإدارة الرئيسة. عاد جزء من إحساس الناخب الأميركي بعجز الإدارة إلى طابعها الأيديولوجي الواضح، فهي تتميز عن جل الإدارات الرئاسية في العقود الخمسة الماضية بخطاب والتزام أيديولوجي طاغ يمكن رموزها من الحديث باختزالية شديدة عن صراعات الخير والشر، وتجاهل معطيات الواقع الموضوعي على نحو غير مسبوق.

فوز الحزب الديموقراطي بانتخابات الكونغرس ارتبط بحالة من التفاؤل بتراجع نفوذ مجموعة المحافظين الجدد في البيت الأبيض، وبالتبعية توقع العديد من المراقبين، ومازالوا، تغير توجهات الولايات المتحدة الخارجية، خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط. إلا أن هناك في واقع الأمر خطيئتين منهجيتين؛ أولاهما تتعلق بالمبالغة في تصوير نفوذ المحافظين الجدد في إدارة بوش، في حين تدور الثانية حول وهم تراجع النفوذ.

فمن جهة، لم تكن الحرب على العراق من تخطيط المحافظين الجدد فقط، فالمخططون الرئيسيون كانوا من الواقعيين المغرمين بالقوة العسكرية الأميركية والمؤيدين لاستخدامها بغرض إزالة التهديدات والأخطار المحتملة على المصالح الأميركية، وهو ما يشكل توجهاً أصيلاً للسياسة الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. أعطت مجموعة المحافظين الجدد بأحاديثها الكثيرة عن تغيير النظم ونشر الديموقراطية الخطاب التبريري للحرب، إلا أن نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع السابق رامسفيلد وغيرهما من الواقعيين كانوا القوة الدافعة وراء الحرب على العراق. وعلى ذلك فعندما أقال الرئيس بوش رامسفيلد في أعقاب الانتخابات، فإن من تلقى الضربة الموجعة لم يكن مجموعة المحافظين الجدد، إنما الواقعيون حول نائب الرئيس تشيني بصلاحياته الواسعة. لم ينفرد المحافظون الجدد بالتخطيط وإدارة السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، بل زاحمهم عليها مجموعات أخرى مؤثرة.

يتمثل الخطأ المنهجي الثاني في المبالغة في توقع الانحسار السريع لنفوذ المحافظين الجدد. فالحقيقة أن تأثيرهم وإمكانات حركتهم لم يتغيرا كثيراً خلال الفترة الماضية وهناك العديد من الشواهد على ذلك؛ فعندما تنظر إلى الخطاب الأميركي ككل حول العراق، لن تجد غير أصوات قليلة من داخل الحزب الديموقراطي تقول إن غزو العراق كان خطأ. إفلاس حال معظم الرأي العام الأميركي يقول «نحن أمام لحظة شديدة الدراماتيكية، شديدة المأساوية في ما يتعلق بتداعيات هذا الغزو على المصالح الأميركية». وعلى الرغم من ذلك، يطرح نفر قليل فقط السؤال الأخلاقي والسياسي المبدئي، في حين يتركز النقاش حول منطق التعامل مع النتائج. وفي هذا دليل واضح على استمرارية الوضعية المركزية للخطاب التبريري للحرب الذي صاغه المحافظون الجدد.

ويتعلق المثال الثاني بإيران، فعندما يتواتر الحديث عن احتمالية، مازالت قائمة، لخيار الضربة العسكرية، أو حين يوضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية، فإن هذه التوجهات تُدار وتُدفع الى الأمام بصورة منظمة من قبل مراكز الأبحاث والدراسات القريبة من دوائر المحافظين الجدد، فلم تعدم إدارة بوش بعد محافظيها الجدد ونفوذ أولئك ليس في سبيله الى الزوال، فلا تتعجلوا الفرح!

*كبير باحثين في مؤسسة «كارنيجي للسلام العالمي»– واشنطن