Ad

على الحكومة أن تدفع ثمن إهمالها قضية البدون طوال السنوات الماضية وإعطاء كل ذي حق حقه، وأن توفر لغير المستحقين، الذين عاشوا بيننا سنوات طويلة، ما توفره لبقية الوافدين.

وأخيراً سيعلق التكتل الشعبي جرس مشكلة البدون عبر اقتراحه المزمع تقديمه قريباً، والذي سيعطي هذه الفئة المظلومة حقوقها المدنية والقانونية التي ماداموا حرموا منها طوال الأعوام الماضية، خصوصا بعد التحرير. ولا يخفى على أحد أن استمرار التسويف في حل هذه المشكلة مكلف على البلد محلياً ويزيد من تشويه سمعتها في مجال احترام حقوق الإنسان عالمياً.

نرى يومياً كثيراً من مشاهد الحرمان الشديد والظلم في أنحاء العالم المختلفة، وأبرز مثال على ذلك ما يحدث في العراق، لكن أن تحرم شريحة كبيرة من أبسط مقومات العيش الكريم وفي بلد الخير، الذي يبني المساجد والمشاريع الجبّارة ويقدم المعونات الإنسانية لبلدان أخرى، فهذه قمة المأساة.

لا أتصور أنه يوجد بلد في العالم مارس سياسة كالتي مارسناها نحن من حرمان الناس من إصدار شهادات ميلاد لأبنائهم، ومنعهم من توثيق عقود زواجهم، وحرمانهم من الصحة والتعليم الأساسي والحصول على عمل شريف بشكل رسمي. وفوق هذا وذاك يتم التعامل معهم بشكل لا إنساني ولا أخلاقي عبر اللجنة التنفيذية التعيسة التي، للأسف، تعتبر محسوبة على وزارة الداخلية، المعنية بحفظ الأمن وتطبيق القانون، بينما تشجع هذه الفئة على القيام بإجراءات غير قانونية مثل الحصول على جوازات سفر مزورة! في الحقيقة لا أفهم سبب المماطلة في حل هذه المشكلة مع ان الحل أبسط من أن يحتاج إلى كل هذه السنوات لاكتشافه.

أثناء الدراسة الجامعية قرأنا في إحدى المحاضرات مقالة لكاتبة أميركية تتحدث عن الديموقراطية. تقول الكاتبة إن طفلها الصغير كان يشاهد برنامج «افتح يا سمسم» الذي كان يعطي مثالاً لشرح معنى الديموقراطية. كان المثال عبارة عن تصويت بين الأطفال لاختيار لعب مسابقة من بين اثنتين، وكان التصويت لمصلحة المسابقة الأولى، فقال الأستاذ إن على الجميع أن يلعب هذه المسابقة فقط، بينما كان لطفل الكاتبة رأي آخر، وهو أن يلعب الأطفال المسابقة الأولى ثم الثانية. تقول الكاتبة إن هذا المشهد كان مثالاً لتغلب فطرة الطفل الصغير على ثقافة الأستاذ الكبير.

وانطلاقا من هذا المثال، اسمحوا لي أن اقترح الحل الفطري البسيط لهذه المشكلة، الذي قد يدور في ذهن الكثير من الناس. ألا نستطيع أن نضع معايير محددة لإعطاء الجنسية للمستحقين من هذه الفئة، مثل اعتماد إحصاء 65، بحيث يحصل كل من تنطبق عليه هذه المعايير على الجنسية دفعة واحدة، بينما يحصل الباقون على جواز سفر، من دون التمتع بمميزات الجنسية، إضافة إلى الحقوق التي يتمتع بها المقيمون الأجانب، وبذلك (نفتك) من هذ المشكلة وللأبد؟ ويتم ذلك من دون محاولة قياس معايير مطاطة مثل الولاء، لأن هناك الكثير ممن يحملون الجنسية ويتمتعون بمراكز مرموقة، بينما نجدهم يعيثون فساداً في البلد وينهبون أموالها وأموال مواطنيها، فهل لدى هؤلاء ولاء لهذه الأرض أم انه ولاء لأنفسهم ولأنانيتهم؟!

قد يقول بعضهم إن هناك تكلفة مالية كبيرة لتجنيس المستحقين دفعة واحدة، لكن هل هذا ذنب البدون المستحقين للجنسية أم انه ذنب الحكومات المتعاقبة التي أهملت هذه المشكلة حتى وصلت إلى ما هي عليه؟ على الحكومة أن تدفع ثمن هذا الإهمال طوال السنوات الماضية وإعطاء كل ذي حق حقه، وأن توفر لغير المستحقين، الذين عاشوا بيننا سنوات طويلة، ما توفره لبقية الوافدين.