يبدو أنه لم يدر في خلدهم ساعة أن قرروا تأبين الشخصية التي مازال يثار حولها الجدل ويحوم حولها الشك باختطاف طائرة الجابرية، في ظل الصمت الرسمي المطبق، أن هناك من يتربص بهم، فالمعطيات التي كانت أمام منظمي التأبين حينها «على حد تعبير أحد المقربين لهم» أن نواب مجلس الأمة ورئيسهم صفقوا في 2006 لوقوف السيد حسن نصرالله في وجه الصهاينة، وأن التيارات والتوجهات على اختلاف انتماءاتها مجّدت وأيدت ما قام به يومها، وغاب عن بالهم أن هناك من النواب وكتّاب الأعمدة وأصحاب النفوذ من يهوى التصيّد في الماء العكر باسم «الكويت والوطنية» وبحجة تصفية حسابات قديمة أو فناء تكتل سياسي مشاكس، أو نسف تاريخ شخصيات كبيرة لم تأخذ حذرها تحسباً لهذا اليوم، وكان لهم فعلاً ما أرادوا، فتحول الاتهام بالمشاركة في التأبين بين عشية وضحاها إلى محاولة لقلب نظام الحكم، وبات التصعيد الذي تديره أياد خفية نافذة في السلطة «على الأرجح» سمة الموقف، وسقط سياسياً من سقط من شخوص وجماعات وبزغ نجم «الأقزام» والأمثلة كثيرة.أما الشعب ذو الأغلبية المتلقية المسيّرة التي لا تقرأ من الصحف إلا عناوينها ولا تسمع من الأخبار إلا موجزها فقد بدأ يحلل ويربط الأحداث ويؤكد أن مختطفي «الجابرية» هم أنفسهم من فجّروا موكب سمو الأمير الراحل، وهم من فعلوا ما فعلوا بالمقاهي الشعبية، ولا غريب إن ربطوا اسم مغنية بقرار المقبور صدام بغزو الكويت!! ومن يلوم الشعب على جهله وانسياقه خلف البهرجة الإعلامية، فقيادته تكتفي بدور المتفرج على مناظر الاقتتال الطائفي التي تتوسع ساعة بعد الأخرى، تاركة دفة القيادة للصحافة الصفراء والإعلام الموجه الذي تفنّن في تأدية دور المدافع عن الوطن! في حين لم يكلف المواطن الوطني نفسه بالاطلاع أو البحث عن المعلومة، بل يأخذها منهم على علاتها وأحياناً يكتفي بقشورها! ولم يطلق العنان لتفكيره لمعرفة مآرب المؤججين وصانعي الفتنة، بل العكس كان يلهث وراءهم مردداً شعاراتهم بالخيانة والمطالبة بإسقاط الجنسية!! وإن كان قد فات عقلاء «المؤبنين» أن هناك من يبحث عن «الزلة» وأن عليهم عدم استفزاز الشارع والمتربصين، فقد فات «حكماء البوليس» أيضا أن يحاولوا تهدئة الأمور بدلاً من سكب الزيت على النار، فهم بتصريحاتهم وفتحهم الدفاتر القديمة وحكايا الثمانينيات وتركهم المتهم الرسمي بالإرهاب يتوعد، ويعيش دور الناظر، وبعمليات استعراض العضلات والاعتقال أمام مرأى ومسمع المارة على طريق الدائري الخامس لشيخ الدين المعمم حسين المعتوق، أو لأستاذ الجامعة الباحث الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية مرتين وعضو مجلس الأمة لأربع دورات د.ناصر صرخوه، يعطون الضوء الأخضر لانفلات الأمور ووقوع ما لا تحمد عقباه لاسمح الله.وما دمنا في سيرة العقلاء والحكماء نترحم على روح فقيد الكويت وحكيمها د.أحمد الربعي الذي لو كان بيننا لما كان ليرضى بما يحدث اليوم من فرقة وشتات، وكان حتماً سيحمل لواء الوحدة من ديوانية إلى أخرى ليعالج النفوس المريضة وليقنع الرؤوس «اليابسة» جامعاً ما فرقه المتنفذون بسكوتهم والكتّاب بأقلامهم، كان سيشد على أيدي قلة ممن يطالبون ولي الأمر والقضاء بضرورة أن يقول كلمته رداً على موزعي صكوك الوطنية ومطلقي عبارات التخوين والتسفير والأحكام، وبالتأكيد كان سيكون أول المتحدثين في مؤتمر وطني سني شيعي يوقظ الشعب من غفلته ويوقفه قبل الوقوع في زلته... رحمك الله أبا قتيبة.التقيت «بصاحبنا» في أحد الدواوين وكنت تواقاً لمعرفة رأيه وهو وجيه جماعته حول الحادثة، خصوصاً أنه شائع لدى جماعته تكفير غيرهم تارة أو نعتهم بالروافض أو اليهود تارات أخرى، وزاد شوقي لرأيه بعد قراءتي «من وحي خاطر» لصاحبه في الصحيفة إياها محذراً في مقاله من الحزب المشؤوم الخطير على استقلال دولتنا ووحدتنا الوطنية على حد تعبيره!! وفوجئت أن صاحبي وهو أحد رموز جماعته مؤيدٌ للتأبين «بالحرف» ولا يراه خطراً أو خيانة عظمى، وكما يقول: «إن الرموز لا تمس وأفتخر بمشاركتي في تأبين الرنتيسي وأحمد ياسين اللذين كان لهما مواقف معادية للكويت خلال الغزو»... وذكرني بمشاركته بدعم «حزب الله» في أثناء الحرب الأخيرة في تجمعات ساحة الإرادة!! اختلطت عليّ الأوراق ولكنني سأبقى متفائلاً فالكويت مازالت جميلة كما يردد دائماً الفقيد د. أحمد الربعي.
مقالات
التأبين... بحاجة إلى حكمه الربعي!
12-03-2008