يكمن الحل في الوصول الى نقطة وسط بين الموقفين الإيراني والغربي، بمعنى السماح لإيران بتخصيب جزئي ومحدود لأغراض البحث، ولكن تحت رقابة دولية مشددة، مع تقديم أجوبة عن كل ما هو مبهم في الملف، وهو ما سيحقق أهدافاً عدة بضربة واحدة، لأن الحلول الوسط الناجحة هي التي يخرج منها كل طرف بجملة من المكاسب. انتهى اجتماع مجلس المحافظين التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي ناقش فيه تقرير الدكتور محمد البرادعي بخصوص تعاون إيران مع الوكالة، كما اختتمت قبله بأيام قليلة قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى اجتماعاتها في ألمانيا، بقرار يمهد الطريق لقرار جديد من مجلس الأمن يسمح بتشديد العقوبات الدولية المفروضة على إيران، بسبب عدم التزامها بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم، حسب منطوق وروح القرارين 1737 و1747. وفي مقابل مطلب وقف التخصيب فوراً، الذي يتمسك به مجلس الأمن، يبدو أن إيران باستمرارها في التخصيب قد خلقت واقعاً جديداً. ولأن إيران بلغت مراحل متقدمة فيه يبدو مطلب إيقاف التخصيب مطلباً غير واقعي، حسبما يرى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي ،الذي يشدد على ضرورة حل الملف سلمياً. والواقع أن طهران لم توقف تخصيب اليورانيوم فقط، بل واصلته بنجاح، وتنوي تشغيل ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي ثم نصب خمسين ألف جهاز في مرحلة لاحقة. ومنذ بداية السنة الحالية ضاعفت إيران عمليات التخصيب ليصل عدد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها من 164 جهازاً قبل شهور إلى 1312 جهازاً الآن. ولذلك فمن المرجح تحويل الملف مجدداً إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد يسمح برفع سقف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، ولكنه لن يحل المشكلة على الأرجح. جوهر المسألة المتنازع عليها في الملف النووي الإيراني، هو تخصيب اليورانيوم، الذي يعد مثالاً كلاسيكياً لتقنية الاستعمال المزدوج. إذ يمكن استخدام تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية بغرض توليد الطاقة، إذا توقف عند درجة نقاء لا تتجاوز 5 %، أما إذا استمر لفترات أطول وحتى الوصول إلى درجة نقاء ما بين 80 % إلى 90 %، فيمكن عندها إنتاج أسلحة نووية. ويعتمد الموقف الغربي في تقييمه للمنشآت النووية الإيرانية على شكوك عميقة في نوايا طهران السلمية، وأنها تسعى الى تخصيب اليورانيوم بشكل يمكنها من انتاج أسلحة نووية لاحقاً. وزادت الشكوك عقب اكتشاف أن أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها إيران في عمليات التخصيب قد تم تأمينها عبر الشبكة الدولية التي تزعمها العالم الباكستاني عبد القدير خان. وأفاد التحقيق أن الشبكة المذكورة لم تمد طهران بأجهزة الطرد المركزي فقط، بل أيضاً بمعلومات حول تطوير «هيكسافلوريد اليورانيوم»، وهو منتج لا يمكن استخدامه إلا لإنتاج الأسلحة النووية. وبسبب تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الخاصة بامتلاك بلاده لدورة الوقود النووي؛ فقد ازدادت الشكوك في البرنامج النووي الإيراني إلى حد كبير. ومرد ذلك أن دولاً قليلة جداً تمتلك دورة الوقود النووي الكاملة وهي: الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين والهند وباكستان واليابان وإسرائيل وكوريا الشمالية والبرازيل وجنوب أفريقيا، والملاحظ أن الغالبية العظمى لدول تلك المجموعة تمتلك أسلحة نووية أيضاً. ومازالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنتظر منذ شهور إيضاحات من إيران حول عدة مسائل تقنية تتعلق ببرنامجها النووي ومنها: أن العمل جار في منشأة «أراك» للمياه الثقيلة من طريق مفاعل من طراز IR-40 ولم يتوقف. كما إن إيران لم تزود الوكالة بمعلومات جديدة بخصوص برامجها المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي من طراز P1 وطراز P2، ولم تقدم لها المعلومات المطلوبة عن إجراءات اختزال غاز سادس فلوريد اليورانيوم إلى معدن اليورانيوم. ولكل هذه المبررات لا تستطيع الوكالة إعطاء إيران «صك براءة» من الشكوك المثارة حول برنامجها النووي، رغم تعاون إيران الذي لا ينكره المفتشون الدوليون. ربما يكمن الحل في الوصول الى نقطة وسط بين الموقفين الإيراني والغربي، بمعنى السماح لإيران بتخصيب جزئي ومحدود لأغراض البحث، ولكن تحت رقابة دولية مشددة، مع تقديم أجوبة على كل ما هو مبهم في الملف، وهو ما سيحقق أهدافا عدة بضربة واحدة، لأن الحلول الوسط الناجحة هي التي يخرج منها كل طرف بجملة من المكاسب؛ أولاها: سيسمح هذا الحل بحفظ ماء الوجه لإيران داخلياً ويعطيها في النهاية بعضاً من طموحها. وثانيها، سيبدد ذلك في الوقت ذاته الشكوك الغربية لأن إيران ستكون قد تخلت عن امتلاك دورة الوقود النووي الكاملة. وأخيراً، جني مكاسب أخرى مترتبة على «الحل الوسط» لكل دول المنطقة؛ لأن العمليات العسكرية لو اندلعت -لا قدر الله- ستكون منطقتنا الخاسر الأكبر فيها. باحث وكاتب مصري
مقالات
الملف النووي الإيراني بين الشكوك و«الحل الوسط»
13-06-2007