بدأت قبل مدة في مراقبة الأخبار الأكثر قراءة على شبكة الانترنت في مختلف المواقع العربية. وجدت الفكرة مسلّية ومضحكة، أو لعلها مبكية، تكشف عن مكنون الجمهور وطموحاته العاطفية والفاشية والإنسانية والدينية، والأبرز من كل ذلك السطحية والاعتباطية. لاحظت ان المواضيع التي تحظى باهتمام القراء والمتابعين يضعها أصحاب المواقع في الهامش عن غير قصد. استنتجت ان المواضيع الاكثر قراءة كما لاحظت تدل على ان الهامش أقوى من المتن. اهتمامات القراء تنصب على منوعات هيفا وهبي ورقص ميريام فارس ومجنونات الفنانين وفتاوى الشيوخ في مصر أو قناة الجزيرة وأحوال الجنس هنا وهناك. الأخبار العابرة جاذبة اكثر من القضايا الكبرى، اكثر من قتال حركتي "فتح” و”حماس” في قطاع غزة، او العمليات الانتحارية في بغداد، او إعصار غونو في الخليج العربي.

Ad

الأخبار الأكثر قراءة مثل الرموز الطائفية الذي تحرك الغرائز تذكرنا بمقولة جوزف ستالين المشهورة:”موت انسان مأساة، أما موت مليون فمسألة عدد”، فالمرء قد يتأثر بقتل عصفور أكثر من ارتكاب مجزرة أو إلقاء قنبلة نووية في مدينة مكتظة بالسكان. مزاجية القراءة لا تتبع الحدث بل متعة ما يحمله الخبر الذي يصبح "خبرية” او حكاية. هل تذكرون كيف تحول مقتل الأميرة ديانا قبل عشر سنوات لغزاً وأصبحت صورتها مؤثرة لدى شعوب العالم ولا تزال تتصدر أغلفة المجلات العالمية. كان موتها مأساة "حقيقية”، بينما مقتل مليون في الحرب القبلية بين الهوتو والتوتسي فلم يكن اكثر من مسألة عدد. عندما يتذكر البعض تلك المجازر في القارة السوداء لا يتذكرها لأنها مأسوية بل لأنها مسألة عدد، فالضحايا لا نعرف ملامحهم ولا نعرف اسماءهم ولا مهنهم، نعرف عددهم فحسب. الكارثة حين تصبح المجتمعات كلها مجرد عدد.

الموضوع الآخر الذي يجذبني إلى شبكة الأنترنت هو ردود القراء وتعليقاتهم على الأخبار والمقالات المكتوبة. ردود وتعليقات مسلية ومفيدة أكثر من المقالات الرزينة. تفضح بعض الكتاب، تعريهم، تفكك مقدساتهم، فما لا يجرؤ الكاتب على تدوينه يقوله القارىء. ما يخفيه صانع الخبر يكشفه هواة الإنترنت بطريقة عفوية او غوغائية او إرهابية. انها "ثقافة الفضح” مثل "زلة لسان” مذيعة قناة حركة "امل” في بيروت التي لم تكن زلة لسان، إذ شمتت باغتيال النائب وليد عيدو ولم تنتبه ان صوتها على الهواء. ما "فضح” المذيعة على الهواء سمعنا مثله في الشارع. إنها ثقافة الحقد في بلد "العسل والبخور”، او لنقل ان "زلة اللسان” جوهر "الثقافة” لدى الطوائف اللبنانية اذ يتربع الحقد "سيداً” على رأس هرم هذه الثقافة. الحقد مفردة بارزة في قاموس القبائل اللبنانية المدعومة بخطب القادة ومدعي التسامح والعفّة.

زلة لسان المذيعة تدل على الثقافة السائدة. ردود القراء وتعليقاتهم الشنيعة تدل على ثقافة سائدة في العالم العربي.