على الرغم من عدم نص قانون المرئي والمسموع، الذي أقره مجلس الأمة العام المنصرم لتنظيم عمل الفضائيات والإذاعات الخاصة، على وجود رقابة مسبقة لوزارة الإعلام، فإن الأخيرة تحاول أن تبرر اعتمادها للرقابة المسبقة على نصوص اللائحة التنفيذية التي اعتمدتها وزارة الإعلام في قراءة خاطئة منها لنصوص قانون المرئي والمسموع، واعتمادا منها على استنتاج نصوص القانون أو رغبة منها في تمرير ما يمكن تمريره باللائحة. وعلى الرغم من مراهنة وزارة الإعلام على الفقرة ج من المادة 21 من قانون المرئي والمسموع، التي تلزم وزير الإعلام بوضع اللائحة التنفيذية، فإن تلك المراهنة خاسرة، لأن المشرع لو كان يريد إعطاء وزارة الإعلام رقابة مسبقة على عمل الفضائيات لما عجز عن وضع نص لأي رقابة تطمح «الإعلام» الى تحقيقها لنفسها على الرغم من عدم وجود رقابة فعلية لديها.رهان الوزارةكما أن مراهنة وزارة الإعلام على الفقرة ج غير منطقية لكون المادة 21 من القانون تنص على ان «يصدر الوزير اللائحة التنفيذية والقرارات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به، مشتملة على مايلي:«نظام إجازة المصنفات المرئية والمسموعة»، وبقراءة هذه الفقرة لا يمكن التكهن بأنها تعطي الوزير وضع الرقابة المسبقة على ماتبثه الفضائيات، ولا يمكن لوزارة الإعلام سوى وضع الطرق الخاصة لعمل المصنفات المرئية والمسموعة وكيفيتها، كما أن المشرع وللأسف لم يعرف معنى «المصنفات» حتى تقوم وزارة الإعلام بوضع رقابة على ماشاءت، كما فعل بوضع تعريفات «كالإعلام المرئي والمسموع والبث وإعادة البث والقناة والبرامج والتردد وترخيص البث والمرخص له والوزارة والوزير، لكن اللائحة حاولت تدارك ذلك الفراغ بنصها عن معنى تلك المصنفات، وما هو مقصد الإجازة التي قصدتها الفقرة ج، وهو الأمر الذي يثير الاستغراب: كيف لوزير بلائحته التنفيذية أن يفسر مقصد القانون، وهو الأمر الذي يدعونا الى التساؤل هل حل وزير الإعلام محل المحكمة الدستورية التي أناط لها الدستور ومن بعده قانون إنشاء المحكمة الدستورية في عام 1973 أحقية المحكمة الدستورية في تفسير القوانين، وأبعد من ذلك فإن المشرع لم ينص بالقانون على الرقابة المسبقة صراحة، كما فعل في قانون المطبوعات والنشر وهو ليس بعاجز عن ذلك، وبالتالي فإن اللائحة لم تبتدع الرقابة المسبقة فقط، وإنما جاءت بمعنى المصنفات ومعنى الإجازة الذي وضع على نحو عام في الفقرة ج. رقابة لاحقةكما لا يمكن القياس على نص الفقرة ج لكي تعتمد وزارة الإعلام في لائحتها التنفيذية على وضع رقابة مسبقة تحت ذريعة هذه الفقرة، وها هي الفقرة لا تتحدث عن أي رقابة، بل وعلى العكس فإن قانون المرئي والمسموع نص صراحة على إعطاء وزارة الإعلام رقابة لاحقة لما تبثه من مواد، وهو ما أكدته المادة 9 بفقرتيها الثامنة والتاسعة، حيث نصت المادة 9 على «كما يتضمن الترخيص بصفة خاصة الشروط والأحكام التالية:ثامنا: الاحتفاظ بسجل يتضمن جميع البرامج التي قام المرخص له ببثها خلال إثني عشر شهرا متتالية متضمنا التاريخ والتوقيت الذي تم بث تلك البرامج فيه.تاسعا: الالتزام بتسجيل كامل مدة البث والاحتفاظ به ثلاثة أشهر من تاريخ البث، والسماح للموظف المختص بالوزارة الاطلاع على التسجيلات.دخول المحطاتويتضح من خلال تلك النصوص أن القانون وضع نصوصا صريحة بوجود رقابة لاحقة على ما يبث في الفضائيات لوزارة الإعلام، في حين تراهن وزارة الإعلام على بعض الفقرات الواردة في قانون المرئي والمسموع، وتلك الفقرات قد وردت في معرض حديث بعض نصوص قانون المرئي والمسموع، وتحديدا في المادة 16 من القانون، التي تنص على «يصدر الوزير قرارا بتعيين الموظفين الذين يكلفون إثبات المخالفات لأحكام هذا القانون، وتحرير محاضرها وإجراءاتها وإحالتها إلى جهات التحقيق المختصة، ويكون لهم بهذه الصفة الحق في دخول محطات البث أو إعادة البث لتدقيق المستندات والموجودات والتحفظ على أي منها، وللوزارة الحق في وقف أي برنامج مخالف لأحكام هذا القانون».مخالفاتويتضح من تلك المادة السابقة أنها تعطي للموظفين المكلفين إثبات المخالفات الدخول بهدف إثبات المخالفات، لكنها لم تمنحهم أي سلطة بالاطلاع على أي مادة إعلامية أو برنامج من المتوقع بثه أو عرضه، كما لا يمكن القياس على الشق الأخير من المادة 16، والتي تنص على أن «وللوزارة الحق في وقف أي برنامج مخالف لأحكام هذا القانون»، لأن النص لم يتحدث عن أي رقابة مسبقة لوزارة الإعلام، وإنما تحدث عن وقف برنامج مخالف لأحكام هذا القانون والبرامج المخالفة هي التي نصت عليها المادة 9 بفقرتها الأولى، والمادة 12 بمحظوراتها الـ14، والتي تضمنها كذلك قانون المطبوعات والنشر الصادر عام 2006، وبالتالي لا يمكن الحديث عن وجود رقابة مسبقة لوزارة الإعلام على أي برامج سواء تبث مباشرة أو يتم تسجيلها.بدعة الرقابةوبعد عرض ما تناولته نصوص قانون المرئي والمسموع وخلوه من أي نصوص تمنح وزارة الإعلام أحقية الرقابة المسبقة على الفضائيات، يجب التطرق إلى ما ابتدعته وزارة الإعلام من نصوص في لائحتها التنفيذية التي تنص على الرقابة المسبقة، وهي بذلك أفرغت قانون المرئي والمسموع من مضمونه، وجاءت بتشريع آخر من عندياتها، وأصبحت هي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في آن واحد، وألغت إرادة المشرع بما وضعه من نصوص على كيفية عمل الفضائيات، على الرغم من عدم صدور نص من المشرع يسمح لوزارة الإعلام بسط رقابتها المسبقة على عمل الفضائيات، وهو ما يدعونا إلى الإشارة إلى أن اللائحة التنفيذية التي أصدرها وزير الإعلام بقراره يعتريها عيب إساءة استعمال السلطة واغتصابها عملا من أعمال السلطة التشريعية، وينعدم معه قرار وزير الإعلام بوضعه اللائحة التنفيذية، لأن ما تضمنته من نصوص قد صدرت ممن لايملكها، لاعتبار أن من يملك الحظر والإباحة هو المشرع العادي ممثلة في مجلس الأمة، وعلى الرغم من خلو القانون من وجود رقابة مسبقة، فإن الإصل في الأشياء الإباحة، وهو مبدأ عام يتعين احترامه ولا يمكن لوزير الإعلام تجاهله بالنص على مايخالفه بوضع لائحة لا تقوى على مناطحة القانون، فكيف به يأتي ويسلب اختصاصا أصيلا من السلطة التشريعية التي يقوم عملها أساسا على التشريع.البث التلفزيونيوبالنظر إلى ما نصت عليه اللائحة التنفيذية بمادتها الـ14، التي تنص على «لا يجوز لمنشآت الإنتاج الفني بغير إجازة مسبقة من الوزارة القيام بأي عمل من الأعمال الآتية والمتعلقة بالمصنفات المرئية والمسموعة:أولا: تصويرها أو تسجيلها أو نسخها أو تحويلها بقصد الاستغلال.ثانيا: عرضها أو بثها أو إذاعتها في مكان عام. ثالثا: توزيعها أو تأجيرها أو تداولها أو بيعها أو عرضها للبيع.ويتبين من تلك الحالات، التي عرضتها اللائحة التنفيذية، أنها جعلت كل عمل إعلامي يخص الفضائيات أو الإذاعات عرضة للرقابة المسبقة، سواء برنامجا مصورا أو تم عرضه أو تسجيله، فهو خاضع للرقابة المسبقة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن استحالة وجود الرقابة المسبقة على البرامج الحوارية المباشرة، فهنا يمكن لوزارة الإعلام أن تراقب تلك البرامج قبل بثها وفق اللائحة من خلال الاطلاع على فحوى مادة المعد، أو وضع إطار مسبق للمادة الإعلامية قبل طرحها للمشاهدين سواء بالتنبيه بعدم التطرق الى بعض الأمور أو القضايا لدى الحديث في قضية ما، وبالتالي فالرقابة المسبقة التي وردت في اللائحة التنفيذية اطلقت يد الوزارة من كل قيد على الفضائيات، وهو ما يدعو الفضائيات الى التفكير في البث خارج دولة الكويت، حتى تبتعد عن قيود الوزارة المعقدة للعمل الإعلامي!سحبأخيرا، يتعين على وزير الإعلام أن يسحب لائحته التنفيذية لمخالفتها مبدأ الفصل بين السلطات، ولكون ما ورد باللائحة من نصوص يتضمن عملا من أعمال السلطة التشريعية، كما أن الأصل في الأشياء الإباحة ولا يمكن لوزارة الإعلام فرض أي رقابة مسبقة على ما يبث، لأن المشرع لم يفرض تلك الرقابة المسبقة.
محليات - قصر العدل
المرئي والمسموع يفرض رقابة لاحقة على الفضائيات والإعلام ابتدعت الرقابة المسبقة! قرار الوزير منعدم ويخالف مبدأ الفصل بين السلطات... ولائحته اغتصبت عمل البرلمان
10-02-2008