إن حرج المعارضة سيجعل من إحدى ركائز قوّتها المحلية المتمثّلة بتيار الجنرال عون معطّلة تماماً، وهذا يجعل نصاب الموالاة الميثاقي والشرعي، أرجح وزناً بما لا يقاس... ذلك أنه مهما حاول «حزب الله» ألّا يُسيل ماء وجه التيار العوني، فإن حفظ ماء الوجه لن يقيم أود التيار الذي خسر أغلى أحلامه بوصول زعيمه إلى كرسي الرئاسة. أوساط المعارضة اللبنانية تكرّر من دون كلل أنها حقّقت انتصارات لا يرقى إليها شك على الموالاة اللبنانية، تمثّل في اضطرار الموالاة إلى ترشيح العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية اللبنانية، فالمعارضة اللبنانية، باعتبار قواها الأساسية، ترى أن اضطرار الموالاة إلى تجرّع هذه الكأس المُرّة، يشكّل نصراً لا سابق له على موالاة وجدت نفسها بعد مؤتمر أنابوليس تواجه تغيرات في الرياح الدولية في غير مصلحتها. ويذهب كثيرون إلى قراءة مواقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط التي شهدت تبدّلاً نحو اللين وميلاً نحو التسويات مع المعارضة بوصفها، أي هذه المواقف، إقراراً ضمنيّاً بالهزيمة التي مُني بها مشروع الموالاة في المحافل الدولية، لكنّ هذا النصر المؤزّر لم يمنع المعارضة من الشعور بالحرج حيال ترئيس العماد ميشال سليمان، ذلك أن شطراً مؤثراً، ميثاقيّاً، من هذه المعارضة وجد نفسه من دون مكاسب على الإطلاق، مما حدا بالنائب وائل أبو فاعور عضو كتلة اللقاء الديموقراطي التي يتزعمها النائب وليد جنبلاط إلى التأكيد أن التسوية السياسية يجب ألا تهمل التيار العوني، وأن ما خسره عون في بعبدا يمكن التعويض عنه في القصر الحكومي. لكن هذا التعويض لن يجعل الجنرال ميشال عون مقتنعاً بانتصار الفريق المعارض، فثمّة غصّة خانقة في هذا الانتصار الذي تدّعيه المعارضة لا يمكن التعويض عنها إلا بجعل الخصوم يتجرّعون الكأس نفسها. هكذا لم يجد الجنرال عون شرطاً لموافقته على ترئيس الجنرال سليمان أنسب من وضع الفيتو على تسمية النائب سعد الحريري زعيم الأغلبية النيابية لرئاسة الحكومة الأولى في العهد الجديد، وهو الأمر الذي ينتقص علناً وبوضوح من صلاحيات الرئيس الجديد والمجلس النيابي في طبيعة الحال. الحرج الذي تبديه المعارضة في هذا المجال، تقابله الموالاة بالتصريح إنها قدّمت كل التنازلات والتسهيلات الممكنة، فتخلّت عن مواقفها المبدئية في ضرورة التزام النص الدستوري وعدم المساس به، وهي في هذا التنازل تذكر أن بعض طعنها المتمادي في التمديد للرئيس السابق إميل لحود يتصل اتصالاً مباشراً بالتزام الدستور الذي عدّل لمصلحة الرئيس السابق مرات ثلاث، لكن هذا التنازل الذي قدّمته الموالاة لم يشق صفوفها ولم يحرج قواها الوازنة. مما يعفيها سلفاً من تهمة نصب المتاريس في مواجهة كرسي الرئاسة الأولى، في حين أن المعارضة تغامر، صمتاً وتمنّعاً وحرجاً في جعل الموقع الأول في الجمهورية اللبنانية على قدر من التحسّس والتوجس قد يجعل من نصرها أضغاث أحلام.طبعاً ليس ثمة شك في أنّ التحولات في المواقف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة اللبنانية ستشدّ من أزر المعارضة التي تشعر بأنها نجت من فخّ الهجوم الأميركي الكاسح، سواء في طهران أو في دمشق وبيروت، لكنّها لا بد أنها تدرك في الوقت نفسه أن تماسك الموالاة وقدرتها على التحشيد محلياً وإقليمياً ودولياً لم يتراجع قيد أنملة، وهذا يعني أن احتمال كسرها على مذبح المواقف الدولية لن يكون سهلاً على النحو الذي يتصوّره البعض. ذلك أن ما كان مطروحاً قبل هذه التحوّلات لم يكن أقلّ من تجريد المعارضة اللبنانية من أسلحتها كافة، مما يجعل أمر غضّ الطرف عن بعض هذه الأسلحة انتصاراً في حد ذاته، والحق أن الموالاة اللبنانية حصلت على فرصتها كاملة في تحقيق هيمنة سياسية واقتصادية يقبل بها المعارضون لكنها فشلت في تسويق هذه الهيمنة وفي إقناع القوى اللبنانية المعارضة وذات الوزن الراجح بتقبلها. اليوم ثمة توازن في القوى بين الطرفين، لكنه مرة أخرى يبدو أرجح لمصلحة الموالاة، ذلك أن حرج المعارضة الذي لا يخفى على أحد سيجعل من إحدى ركائز قوتها المحلية المتمثلة بتيار الجنرال عون معطلة تماماً، وهذا يجعل نصاب الموالاة الميثاقي والشرعي، الذي حوربت به طوال العام الماضي، أرجح وزناً بما لا يقاس. ذلك أنه مهما حاول «حزب الله» ألّا يسيل ماء وجه التيار العوني، فإن حفظ ماء الوجه لن يقيم أود التيار الذي خسر أغلى أحلامه بوصول زعيمه إلى كرسي الرئاسة، فضلاً عما سيتركه هذا الحرج من آثار لن تُمحى على علاقة المعارضة بسيد العهد الجديد.* كاتب لبناني
مقالات
المحرجون
12-12-2007