تسوُّل السعادة في مجتمع يثير الشقاء والحزن كقطاع غزة أصبح أمراً لافتاً، حتى لو كان على شكل أقراص مخدرة تحمل اسم «السعادة»، والتي بدأت تنتشر بشدة في المدن الغزّية لاسيما في أوساط الشباب الأكثر إحباطاً من الواقع الفلسطيني المضطرب. يعاني قطاع غزة من آفة المخدرات الآخذة في التزايد والانتشار، خصوصا في أوساط الشباب وداخل اسوار الجامعات، في وقت تنشغل فيه زعاماتهم بالمناكفات والصراع السياسي، بعيدا عن همومهم وحاجاتهم.ويسهل انتشار المخدرات في قطاع غزة بسبب جملة من الأوضاع المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى التفكك الأسري والبطالة، الى جانب تكتم الأهل خشية مما يسمى بـ«الفضيحة»، الأمر الذي يدفع الشباب إلى الجريمة «الممنهجة».وتعتبر مدينة رفح الواقعة في اقصى جنوب قطاع غزة، مرتعاً وبوابة لرجالات تهريب المخدرات بحكم موقعها على الشريط الحدودي مع مصر، لاسيما أن المهربين يستخدمون أنفاقاً خاصة لجلب مواد «الكيف» في وقت تعجز أجهزة الأمن التي تتبع حكومة «حماس» المقالة، عن مراقبة هذا الشريط ومنع تدفق تلك الممنوعات.وغالبا ما تتهم اسرائيل ومصر، نشطاء غزة بمواصلة حفر الأنفاق لتهريب الأسلحة، وبدتا فاشلتين في وقف هذا التهريب الذي يخلطه تجار السلاح بالمواد الممنوعة، على الرغم من المراقبة الامنية الصارمة التي تقوم بها اجهزة الامن المصرية على الشريط الحدودي.وتعتبر ظاهرة المخدرات غريبة على المجتمع الغزي، غير ان انسداد الافق امام الشباب يبدو أنه دفعهم إلى سلوك تلك الطرق في محاولة منهم للترفيه عن أنفسهم وتضييع الوقت، كما يقول كثير منهم.ويرى الاخصائي الاجتماعي ناصر يوسف أن محاربة هذه الظاهرة تحتاج إلى جهد جماعي، على أن يكون الشباب هم قادة وطلائع المجتمع الحضاري الرافض لمثل هذه الظواهر، منوهاً في السياق ذاته، إلى خطورة انتشار تلك الآفة داخل أسوار الجامعات.ويشدِّد يوسف على «ضرورة ايلاء المؤسسات المدنية جلّّ اهتمامها وتركيز انشطتها في المناطق المتعطشة إلى المعرفة والديموقراطية والوعي والثقافة لمحاربة هذه الظاهرة، مبينا أن تساهل القانون مع تجار المخدرات والمتعاطين دفعهم إلى الاستمرار في الطريق ذاته».ويوضح الاخصائي أن «ازدياد حجم تعاطي المخدرات والإدمان عليها لا يعفي احداً من المسؤولية، مؤكداً الحاجة الماسة إلى تكثيف البرامج الوقائية والإعلامية والاسراع في سن القانون الخاص بالمخدرات، بهدف التوعية ووقف انتشار هذه الآفة الخطيرة».وأكدت الهيئة الوطنية العليا للحد من انتشار المخدرات في آخر تقرير لها، وجود نوع من «الهيرويين» مخلوط بسم الفئران يباع إلى متعاطي ومدمني المخدرات، مبينة أن هذه هي المرة الثالثة خلال عام التي يتم فيها اكتشاف مثل هذه الحالات المسمومة بهذا النوع من «الهيرويين»، وأوضحت ان عدد هذه الحالات وصل إلى عشرين «بعضها لا يزال في حالة خطيرة يتلقى العلاج في مستشفى هداسا في القدس». أفاد طالب جامعي، رفض الكشف عن اسمه، بأن الكثير من طلاب الجامعات يتعاطون المخدرات خصوصاً «البانجو» لزهد ثمنها، بينما هناك من يتعاطى حبوب «السعادة».وكانت وزارة الصحة، قد حذرت مرارا من تلك الحبوب (السعادة)، محذرة من تأثيراتها السلبية في الدماغ، والتي قد تؤدي الى الوفاة مباشرة.ولفت طلاب في أحاديث منفصلة معهم، إلى ان الأوضاع الاجتماعية في البلاد، وما تشهده الساحة من صراع سياسي محتدم بين أقطاب النزاع، يدفع الشباب للهروب الى جلسات تأخذ أحيانا كثيرة طابع تعاطي المخدرات.ولعلّ التناحر على السلطة في الأراضي الفلسطينية وما أسفر عنه من غياب للنظام والانشغال بعيدا عن هموم الشباب، يشكل سبباً رئيسيا لانتشار مثل الظواهر الخطيرة التي باتت تفتك بالوسط الشبابي.
دوليات
المخدرات تغزو شباب غزة ... والسلطات مشغولة بصراعاتها
28-10-2007