تصاعدت أخيرا حدة العمليات العسكرية على طرفي الحدود الإيرانية- العراقية في منطقة كردستان العراق بعد هجمات ضد حرس الحدود الايراني قام بها حزب بجاك الكردي المعارض لإيران ما أدى إلى ردود فعل من قبل طهران، بهدف القضاء على هذه العمليات، بالإضافة الى إلقاء القبض على محمود فرهادي عضو اللجنة الاقتصادية- التجارية في محافظة كرمانشاه الايرانية من قبل القوات الاميركية. ولإلقاء الضوء على مجمل هذه الاحداث التقت «الجريدة» ممثل إقليم كردستان العراق في طهران وكان معه الحوار الآتي: س: ما أسباب الأحداث الأخيرة على الحدود الايرانية- العراقية في منطقة كردستان؟ج: الأحداث الاخيرة في هذه المنطقة تعود لسببين: الأول الذي أدى الى اغلاق الحدود بين المنطقتين هو اعتقال محمود فرهادي عضو اللجنة الاقتصادية التجارية في محافظة كرمانشاه الايرانية في مدينة السليمانية. وهو مسؤول تنسيق زيارات التجار على جانبي الحدود. لأن في منطقة كردستان حتى الآن لا توجد حدود دولية لتسهيل تردد تجار الجانبين بالوثائق الرسمية. وهم يترددون من معابر غير رسمية، عقب قيام الحكومة العراقية بإغلاق معبر المنذرية الحدودي لاسباب أمنية بحسب مزاعمها، ونحن لا نبرر ذلك، لأن هناك معابر حدودية جنوبية مفتوحة على الدوام.السبب الثاني يعود إلى تحركات المسلحين من جماعة بجاك على الحدود المشتركة بين ايران واقليم كردستان العراق. او مجموعة حزب العمال الكردستاني على الحدود العراقية التركية. وبالتأكيد ان الحكومة الايرانية كان لها رد فعل تجاه عمليات مسلحي بجاك في الاراضي الايرانية، وان الاخوة الايرانيين يزعمون ان عناصر هذه الجماعة بعد تنفيذ عملياتهم، يعودون الى قواعدهم داخل اراضي اقليم كردستان العراقي وعليهم وضع حد لهذه العمليات.س: هل اتخذت الحكومة العراقية او حكومة اقليم كردستان اجراءات لمنع تسلل المسلحين؟ج: عمليات التسلل وقعت أخيراً.س: يقال إن جماعة بجاك تنشط منذ سنتين؟ ج: كلا... ليس كذلك، هم موجودون في المنطقة من قبل ولكن نشاطاتهم المسلحة بدأت أخيراً، والايرانيون يتهمون القوات الاميركية بأنها وراء نشاط عناصر بجاك داخل الاراضي الايرانية. في الواقع بين حكومة الجمهورية الإسلامية- الايرانية وحكومة اقليم كردستان منذ قبل سقوط صدام، اتفاقية لمنع العمليات المسلحة للجماعات الكردية على جانبي الحدود، وهذا الاتفاق ساري المفعول. والعمليات الارهابية التي وقعت أخيراً ضد حرس الحدود الايراني، «كانت داخل الاراضي الايرانية من اقليم كردستان» في منطقة باشماخ. وفي اعقاب ذلك اتفقنا مع الاخوة الايرانيين على وضع حد للعمليات الارهابية قرب الحدود من خلال تعاون مشترك، ولكن بعد ذلك قامت القوات الايرانية بقصف مرتفعات قنديل وحاج عمران، في اقليم كردستان العراق، وتقول الحكومة الايرانية ان قواعد الجماعات الارهابية تقع في تلك المرتفعات، ونحن نسعى الى حل هذه المشكلة بالطرق السلمية.س: ما تداعيات العمليات الإرهابية على الحدود بالإضافة الى اعتقال محمود فرهادي على مجمل العلاقات بين طهران وإقليم كردستان العراق؟ج: نحن نتمنى ألا تؤثر هذه الامور على علاقاتنا الوطيدة والتاريخية لا سيما بين الشعبين الايراني والعراقي. إن لايران دورا مهما في ارسال المساعدات الانسانية الى منطقة اقليم كردستان قبل وبعد سقوط نظام صدام. وكان للجنة الاقتصادية التجارية لمحافظة كرمانشاه دور ايجابي وممتاز في تقديم المساعدات لمحافظة السليمانية. حيث تم في شتاء العام الماضي تقديم اكثر من ألف طن من الوقود بسعر منخفض، وكان من المقرر تصدير اكثر من هذه الكمية للشتاء المقبل، وكان هدف مجيء محمود فرهادي إلى السليمانية هو بناء مخازن للوقود قبل الشتاء تتسع لأكثر من 40 مليون لتر، وأيضا انجاز اتفاقية ايصال 150 ميغاواط من الطاقة الكهربائية الى منطقة اقليم كردستان. ولكن مع الاسف أدى التدخل الاميركي غير القانوني في شؤون المنطقة إلى اغلاق الحدود. ويأتي كل ذلك بعد تسليم الملف الامني إلى حكومة اقليم كردستان، وكان من المفترض ان يكون هناك تنسيق بين القوات الاميركية وحكومة اقليم كردستان. س: هل هناك محاولات لإطلاق سراح محود فرهادي من جانب الرئيس العراقي جلال طالباني؟ج: منذ اليوم الاول لاعتقال فرهادي، قامت حكومة اقليم كردستان برئاسة مسعود البارزاني ورئيس وزرائها انوشروان بارزاني والرئيس العراقي جلال طالباني بإرسال رسائل ومذكرات الى السفارة الاميركية في بغداد وإلى قائد القوات الاميركية لإطلاق سراح فرهادي لأن هذه العملية من شأنها ان تؤدي الى تدهور الوضع الاقتصادي في اقليم كردستان، وبالفعل تدهور الوضع الاقتصادي بعد اغلاق الحدود. كما كان من المقرر ان يقدم الرئيس طالباني خلال لقائه الاثنين الماضي مع الرئيس جورج بوش مذكرة احتجاج رسمية من تجار المنطقة من اجل اطلاق سراح محمود فرهادي. وتأتي كل تلك المحاولات للإساءة إلى العلاقات التاريخية التي تربط شعب اقليم كردستان مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. س: هل تتوقع ان يُطلق سراح فرهادي قريباً؟ج: من الضروري ان تعود الامور الى سابق عهدها حتى اذا لم يطلق سراح فرهادي، لأن استمرار العلاقات بين الجانبين ضروري للغاية.س: أغلب الجماعات والاحزاب العراقية عارضت قرار الكونغرس الاميركي بشأن تقسيم العراق هل تعتقد ان هذا القرار سيمهد الارضية لتقسيم العراق؟ج: اولاً القرار غير ملزم. وثانياً اذا كان قراراً ملزماً، فهو قابل للتفسير مثلما يريدون منه. أنا لا أعتبره تقسيما، بل تجزئة للعراق إلى ثلاثة كيانات ادارية (كردية وسنية وشيعية). ينبغي القول ان فكرة تجزئة العراق إلى ثلاثة كيانات ليس مشروعاً جديداً، بل أنه طرح لاول مرة عام 1989 من خلال مقال نشر في جريدة «الاتحاد»، الناطقة باسم الاتحاد الوطني الكردستاني. واليوم فان مقترح تجزئة ادارة العراق الى ثلاث فدراليات اتحادية، باتت مسألة مقبولة! لماذا؟ لأن من يدرس المقترح، وله اهتمام بوحدة العراق ومستقبله، قد ينظر بإيجابية الى جميع المقترحات التي تؤدي الى توحيد وتعزيز دور الحكومة العراقية، وان من يرفض فكرة تجزئة ادارة العراق من الناحية الادارية، له اجندة خاصة. إذن ان قرار الكونغرس الاميركي ياتي استكمالاً او اعادة لطرح فكرة المقترحات السابقة للاحزاب الكردية. س: هناك من يفسر هذا القرار بانه خطوة في طريق التقسيم؟ج: جيد، اوافق على التفسيرات. التفسير الذي يقود إلى التقسيم، أو التفسير الذي يقود إلى تجزئة العراق إلى ثلاث دول. ماذا نريد نحن العراقيين، هل نريد عراقاً فدرالياً وموحداً، أم نريد تقسيم العراق الى ثلاث دول؟ هذا يرتبط بإدراة الشعب العراقي. الدستور الدائم الذي وضع في العهد الجديد، ينص على ان يكون العراق جمهورية فدرالية. وابدى الشعب العراقي موافقته على هذا الدستور. اما نحن كاكراد نعارض اي تقسيم للعراق إلى ثلاث دول مستقلة (كردية، سنية، شيعية)، ورفضنا ان يكون استقلال كردستان على اساس قومي وعرقي، لأن في اقليم كردستان قوميات أخرى مثل التركمان والاشوريين والعرب واديان ومذاهب أخرى مثل الشيعة والسنة والمسيحيين والايزديين. نحن نود ان تعيش جميع هذه القوميات والطوائف بسلام وتعايش مشترك في الاقليم، وفي النهاية نحن مع وحدة العراق. لكن مع الاسف، في هذه الظروف البالغة الدقة، حيث الشعب العراقي يحتاج الى وحدة الصف، هناك من له اجندة خاصة يسعى الى العكس من ذلك.س: لاكثر من نصف قرن تربط إيران بالأحزاب الكردية العراقية علاقات جيدة وممتازة. كيف تنظر الى مستقبل هذه العلاقات؟ج: انا اتوقع تقدم وتنامي وازدهار العلاقات، فالطرفان بحاجة الى تعزيز هذه العلاقات التاريخية التي تربط الشعبين الكردستاني والايراني اولاً، والعلاقات التي تربط القيادات الكردية مع الحكومات الايرانية ثانياً، لا سيما حكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية. حيث كان لها دور ايجابي في دعم حركة التحرر العربية ودعم الحركة التحررية الكردستانية في جميع الظروف.س: الاكراد المعارضون لتركيا وايران يتخذون من الاراضي العراقية قواعد لهم. هل لأن اقليم كردستان العراق يسمح لهذه الجماعات بممارسة نشاط سياسي أو عسكري؟ج: يجب ان يكون واضحاً، ان وجود الاحزاب والمجموعات السياسية المعارضة لتركيا أو لايران في المنطقة ليست مسألة جديدة. ان قواعد ومقرات هؤلاء موجودة منذ زمن صدام، ومن قبل ذهابنا لتحرير هذه المنطقة من يد الجيش العراقي السابق. وبعد انتفاضة الاكراد العراقيين عام 1991 وتشكيل دولتهم المحلية، انسحبت الجماعة المسلحة تلك، الى عمق اراضي اقليم كردستان العراق، بحسب اتفاقنا مع الحكومة الايرانية من جهة واتفاقنا مع اخواننا الاحزاب الكردية المعارضة لايران من جهة أخرى. اذن من غير المسموح لتلك الجماعات القيام بعمليات مسلحة ضد انظمة الحكم في ايران أو تركيا. ان حكومة اقليم كردستان لا تسمح لاي تنظيم سياسي بالقيام بعمليات مسلحة. ليس لدينا مانع من بقاء الحزب الديموقراطي الكردستاني الايراني وحزب بجاك (المعارضين لإيران) وحزب العمال الكردي (المعارض لتركيا) في اقليم كردستان العراق بشرط ممارسة نشاطاتهم السياسية والثقافية فقط. القيادة الكردية في اقليم كردستان التي تتألف من الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تقول ان زمن النضال المسلح قد ولى. ينبغي التفكير بعقلية جديدة وطرق جديدة ومتحضرة لضمان حقوق الاكراد في تركيا وفي ايران، وفي العراق وفي سورية. جميع الاكراد هم من قومية واحدة وليس بمقدور أحد انتزاع هوية هؤلاء. نحن الذين ناضلنا من أجل حقوق شعبنا الكردي في العراق ومن اجل ترسيخ أسس الديموقراطية وحقوق الانسان، كيف بإمكاننا تجاهل حقوق اخواننا الآخرين. نحن نوصي اخواننا الاكراد في كل تلك المناطق، بمراعاة الاوضاع والظروف التي يعيشون فيها. حكومة اقليم كردستان العراق هي بحاجة إلى اقامة علاقات جيدة مع ايران وتركيا ومع سورية ومع الجميع. لا نسمح لاي جماعة ان تستغل اراضي كردستان العراق للهجوم على ايران او على تركيا. القيادة السياسية الكردية في العراق تعتقد بوجوب ان يكون النضال سياسياً، دبلوماسياً وبرلمانياً. واذا ما أرادت تلك الجماعات الكردية مواصلة عملياتها المسلحة وما زالت تؤمن بالكفاح المسلح، فعليها العودة الى مناطقها الاصلية في ايران وتركيا وممارسة نشاطاتها من هناك. نحن الحركات الكردية- العراقية لم نستغل في أي وقت من الاوقات اراضي دول الجوار في كفاحنا ضد الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في العراق. كنا نواصل كفاحنا من داخل اراضينا.س: ما هو موقفكم من الاتفاقية التي أبرمت الاسبوع الماضي بين وزراء داخلية العراق وتركيا في انقرة لمطاردة عناصر حزب العمال الكردي في عمق أراضي اقليم كردستان العراق؟ج: اولاً نحن نحترم اية اتفاقية تبرم بين حكومة العراق وأية حكومة اجنبية بعد تصديقه في البرلمان العراقي.ثانياً من البديهي على حكام العراق واخواننا العرب في السلطة ان ينظروا بمنظار واحد تجاه العراق ككل، ويتابعوا جميع الملفات الأمنية، بالمساواة. لان ليس هناك منطقة محايدة او منطقة مجتزأة في العراق. ينبغي على الحكومة المركزية في بغداد ان تعترف بإدارة اقليم كردستان، وان هذه الإدارة لها وزير للداخلية وقوات شرطة وقوات البيشمركة التابعة للجيش العراقي. السؤال هو هل بات بمقدور مسؤولي الحكومة في بغداد ان يذهبوا الى دولة مجاورة ويتفقوا معها على مسائل امنية تتعلق بمنطقة اقليم كردستان من دون علم حكومتها، ومن دون مشاركة ممثليها؟ الحكومة العراقية التي تعارض تقسيم العراق وتدعو الجميع الى المشاركة السياسية، تنفرد بالقرار. نحن قلنا منذ البداية، اننا نعارض عمليات حزب العمال الكردي المسلحة ضد تركيا، ولكن لماذا تنفرد الحكومة العراقية باتخاذ مثل تلك الخطوات. مثل هذه الاتفاقيات كانت تبرم في عهد صدام حسين! وعندما اتت الحكومة العراقية الجديدة ألغت جميع الاتفاقيات التي أبرمها صدام حسين! ومرة أخرى نعود ونتفق على نفس البنود والفقرات مع الحكومة التركية؟ لماذا نلغي ولماذا نوقع ثانية؟
دوليات
ممثل إقليم كردستان في طهران لـ الجريدة: كيف تعطي الحكومة العراقية الحق لدولة مجاورة أن تتوغل داخل أراضيها؟
05-10-2007