لمَ نسأل هذا السؤال الآن؟

اجتمع زعماء الدول الأعضاء الـ26 في منظمة حلف الشمال الأطلسي في العاصمة الرومانية بوخارست، لمناسبة افتتاح قمة العام 2008، التي تعتبر بمثابة إحدى أهم القمم التي تنظمها الناتو في غضون 59 عاماً. انتهى الاجتماع بعد عقد اجتماعين منفصلين مع الرئيس الأوكراني يوشنكو والرئيس الروسي بوتين، وهي المرة الأولى التي يدعى فيها زعيم روسي إلى هذه القمة.

Ad

ما سبب اختيار بوخارست لاستضافة القمة؟

أصبحت رومانيا كاملة العضوية في المنظمة في آخر جولة لتوسيع الحلف في العام 2004، شأنها شأن دول البلطيق الثلاث وبلغاريا وسلوفاكيا وسلوفينيا، وقد اعتادت منظمة الناتو على عقد القمم والاجتماعات الوزارية في عواصم الدول الأعضاء المنتسبة إلى صفوفها علماً أن القمة الأخيرة عقدت عام 2006 في عاصمة لاتفيا ريغا.

ما الذي يميّز هذه القمة؟

يواجه الحلف منذ سنوات عدة ضغوطاً متزايدة سيعكسها كل بند من بنود جدول أعماله في بوخارست، وكان يعتقد في البداية أن المسألة الأكثر اثارة للنزاع ستكون أفغانستان، وأن حلف الناتو في وضع غير ملائم. فالطالبان يحاولون إعادة اثبات أنفسهم وحصاد الأفيون في أوجه منذ سنوات عدة. كذلك فإن المهمة التي أخذها حلف الناتو على عاتقه لإعادة اعمار البلاد وارساء التنمية فيها في فترة ما بعد الحرب تتسبب بنزاعات منتظمة أقله في جنوب البلاد. وكادت الولايات المتحدة تدخل في خلاف مفتوح مع ألمانيا، بسبب عدم رغبتها الظاهرة في المساهمة بعدد أكبر من الجنود والموافقة على انتشارها خارج اطار المناطق الشمالية التي يعمها سلام أكبر، غير أن الخوف ينتاب سائر الحكومات أيضاً بشأن ارسال جيوشها الى افغانستان أو زيادة عددها بسبب معارضة شعوبها لمثل هذه الخطوة.

هل أفغانستان هي موضوع النزاع الوحيد؟

لم تشكل أفغانستان موضوع النزاع الوحيد فحسب، ففي الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى لندن اقترح ارسال 1000 جندي إضافي إلى أفغانستان، ولكنه واجه مشاكل مع المعارضة الاشتراكية بسبب الاعلان عن هذا القرار من الخارج بدلاً من ابلاغه إلى برلمان بلاده، علماً أن هذا العرض ساعد في تبديد التوتر في بوخارست.

والآن يبدو أن الخطط المتعلقة بالتوسع المستقبلي ستشكل موضوع النزاع الأكبر، فالرئيس جورج بوش لم يخف رغبته في منح اوكرانيا وجورجيا الأولوية أثناء بحث مسألة العضوية في هذه القمة وإن الزيارة التي قام بها إلى كييف، عشية القمة، تهدف إلى توجيه هذه الرسالة بالتحديد ويبدو أن بريطانيا تشاطر الرئيس بوش الرأي ولكنها بقيت متكتمة حول الموضوع.

غير أن الطموح الذي يراود السيد بوش في هذا المجال لا ينطبق على أعضاء حلف الناتو كافة، لا سيما فرنسا وألمانيا اللتين تساورهما بعض الشكوك، فهما يهابان من جهة أولى أن يؤدي توسع الناتو السريع إلى التخفيف من قوة الحلف، كذلك يتخوّفان من أن يؤدي انضمام اوكرانيا بشكل خاص إلى تعقيد العلاقات مع روسيا. أما المشكلة الأخرى –أقله بالنسبة إلى حلف الناتو- فتتمثل في الاعتراض الشديد داخل اوكرانيا نفسها على الانضمام إلى حلف الناتو.

هل سيتحوّل الشجار القائم حول التوسع إلى انقسام بين الولايات المتحدة واوروبا؟

كلا الخلافين حول حجم الجيوش في أفغانستان والتوسع يحملان في طياتهما أكثر من إشارة خفية على تباعد الأولويات بين الولايات المتحدة وأوروبا، وهما يعبّران عن مواقف مختلفة في مجالات الدفاع والانفاق والخطر والمقاربة الأوروبية التي تكون أحياناً اقل ايديولوجية. أما التوسع فينظر الى الجدوى منه بدلاً من النظرة الكاسحة للغرب.

غير أن اوروبا تواجه أيضاً بعض الانقسامات الداخلية التي تذكرنا بالانقسام الاوروبي القديم الجديد حول العراق، من بينها الخطة الأميركية القائمة على تشييد منشآت مضادة للصواريخ في بولندا والجمهورية التشيكية كجزء من برنامج الصواريخ الدفاعية، وقد دخلت الولايات المتحدة حتى الآن في مفاوضات ثنائية مع هاتين الدولتين فأبقت حلف الناتو على هامش هذه الصورة.

غير أن سعي الولايات المتحدة إلى إرساء اتفاقات ثنائية حول المنشآت الدفاعية في اوروبا خارج اطار حلف الناتو يثير من دون شك الشكوك حول جدوى هذا الحلف وتماسكه. كذلك تغيظ الخطط الأميركية المضادة للصواريخ روسيا التي تعتبرها موجهة ضدها في المقام الأول على رغم انكار الولايات المتحدة.

أين يمكن أن يتّفق الحلفاء إذاً؟

تسعى كل من كرواتيا والبانيا لاكتساب عضوية داخل الناتو، ويتوقع أن يمر طلبهما دون اعتراض. كذلك فإن جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة تود ارتقاء الدرج الأول من السلم أيضاً، ولكن اليونان قد تستعمل حق النقض في مواجهتها ليس لسبب جيوستراتيجي مهم ولكن لأنها تريد من مقدونيا أن تقدم على تغيير اسمها لتثبت أنها لا تملك أي هدف عدواني ضد مقدونيا اليونانية، غير أن هذا العائق يبدو بسيطاً مقارنة مع التعقيدات المرتبطة بضمّ اوكرانيا وجورجيا.

هل في الأفق نور؟

نوعاً ما. فقد أعلن الرئيس ساركوزي عن رغبته في اعادة ضم فرنسا إلى بنية القيادة العسكرية للناتو بعد ابتعاد دام 40 عاماً، مما قد يعزز قوة الناتو ويجعلها أكثر تماسكاً، غير أن الولايات المتحدة وبريطانيا بدتا أقل ابتهاجاً مما كان متوقعاً بسبب اشتباههما بأن السيد ساركوزي يرى في زيادة التدخل الفرنسي طريقة لتعزيز «الدعامة» الأوروبية لحلف الناتو مع السعي في الوقت المناسب إلى منح الاتحاد الوروبي المزيد من الاستقلالية في مجال الدفاع.

وإن كان الانقسام القبرصي يقترب من الحل كما يبدو في الظاهر، فسيؤدي ذلك إلى زوال نقطة احتقان بارزة بين تركيا واليونان وهو جانب آخر قد يؤدي الى ارساء مزيد من الوحدة داخل الحلف.

ما الذي يقلق الناتو في روسيا؟

تنظر روسيا إلى الناتو كتحالف يرمي إلى احتوائها في المقام الأول، وما يعزز نظرتها هذه هو الطريقة التي سعت فيها دول التكتل السوفياتي السابق وجمهورياتها الى اكتساب الضمانات الدفاعية لحلف الناتو، مع الاشارة الى أنها منحت هذه الضمانات. كذلك تدّعي موسكو أن حلف الناتو أخلّ بالتزاماته الخاصة بعدم التوسع نحو الحدود الروسية وعدم اقامة منشآت في الجوار.

ولو كنا نعيش في عالم مثالي، لسارعت منظمة الناتو إلى الاعلان عن انتصارها نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991 وحلت نفسها بنفسها، ولو قام تحالف جديد يحمل رسالة جديدة لاستوعب بعضاً من الاعتراضات اللاحقة لروسيا، وفي تلك الفترة كانت تنتاب الزعماء الغربيين مخاوف أكبر وكانت دول أوروبا الشرقية والوسطى تطالب بالانضمام، ولكن منظمة حلف الشمال الأطلسي استمرت في الوجود مع ادخال بعض التغيرات عليها.

أنشأت منظمة الناتو المجلس الأطلسي الروسي لمحاولة تطبيع العلاقات، غير أن الآلية المعتمدة لم تبدد يوماً الشكوك المتبادلة المتعددة.

أما زال لحلف الناتو دور ما؟

نعم

 إنه في الواقع التحالف العسكري الأكثر تقدماً في العالم والأكثر فاعلية والأكثر تقديراً.

 يمنح بلدان اوروبا الشرقية والوسطى الحديثة الاستقلال والثقة في المجال الأمني.

 انتقل بطريقة مدهشة وسريعة من تحالف في مواجهة الحرب الباردة إلى جهاز عالمي لا غنى عنه.

لا

 إنه من نسيج الحرب الباردة وكان يفترض أن يزول بزوالها.

 هياكله التخطيطية ومختلف أدواته موجهة نحو سلسلة من السيناريوهات العسكرية التي اختفت عن الوجود.

 تمدده نحو الشرق حوّله إلى عائق كبير أمام قيام علاقات جيدة بين الغرب وروسيا.