بدا صعبًا احتمال الفيلم المصري «الشياطين» تأليف أحمد أبو زيد وإخراجه، وبطولة شريف منير والسوريين جمانة مراد وباسل الخطيب وهم يتمتعون جميعًا بموهبة حقيقية وقبول وحضور جميل. لذلك يقبل المشاهد على مشاهدة الفيلم، يحدوه الأمل في رؤية فيلم ممتع لا يخلو من معنى جاد، لكن المفاجأة أنه جاء خاليًا من كل معنى!وحده المشاهد الذي لا يملّ من الجلوس لمدة ساعتين أمام شاشة لا تقدّم إلاّ «الأكشن» قد يشعر بالإمتاع. عصابات ومطاردات سيارات، ملاحقة وعنف ولا شيء أكثر من ذلك، كأننا أمام فيلم «كرتون»! لا تسأل هنا عن الدراما أو الحبكة السينمائية أو تنامي الأحداث والشخوص، لا تسأل عن قيمة الفن أو (روح السينما) إن جاز التعبير. صحيح استطاع المخرج أحمد أبو زيد أن يقدم الـ»أكشن» المتقن، لكن هذا الأخير جاء في المطلق دونما رؤية يستند اليها أو يسعى إلى طرحها، ما يدفعنا إلى طرح السؤال التالي: هل هذه هي السينما؟ بل هل هذا هو الـ»أكشن» أو سينما الحركة وفقًا لتوصيف البعض؟ قدمت سينما الحركة في مصر على سبيل المثال من نيازي مصطفى إلى سمير سيف ونادر جلال وشريف عرفة هذا اللون الذي عرف في كل العالم، لكنه كان مصحوبًا بالمعنى والفكرة ولو البسيطة وبالدراما التي تكسو العمل لحمًا ودمًا وليس كما شاهدنا في «الشياطين» حيث تطبع الحركة والـ»أكشن» والمطاردة والعنف الفيلم بطابع اللهاث الذي يدور في فراغ وفي إطار بلا معنى وفي قالب بلا قلب ولا نبض شعور!الغريب أنه في الوقت الذي كان يعرض فيه «الشياطين» كانت إحدى الفضائيات تعرض أداء جميلاً ومعبراً للممثل باسل الخياط في دراما راقية في المسلسل السوري «على حافة الهاوية» (إخراج المثنى صبح وتأليف أمل حنا)، لا سيما في المشهد الذي يروي فيه لحبيبته ما صنعه به أبوه الفظ الذي ضيق عليه وعلى أسرته الحياة طول العمر وكيف قهره (فأصبح الآن الشخصية الضعيفة المتعثرة المتلعثمة حتى في النطق) وكيف اكتشف أن هذا الأب دأب على أن يطالع خلسة ومنذ فترة دفتر مذكرات ابنه، فاهتدى الشاب المسكين إلى حيلة هي أن يكتب في أوراقه ما يعجب الأب وينال رضاه للتخفيف من قسوته.وصل باسل الخياط في هذا المشهد إلى رهافة في الإحساس وقدرة مدهشة على التعبير عن أدق خلجات الشخصية وعن المعاناة الإنسانية المتعددة الأبعاد، ما يجعلنا نسأل عن السر وراء سلبية أدائه في «الشياطين»؟ خصوصًا أنها أولى تجاربه في السينما المصرية. تشير الإجابة بأصابع الاتهام إلى ضعف السيناريو الذي يقضي حتمًا على اللمحات الابداعية لأي ممثل مهما بلغت موهبته.لا أحد ينكر أن شريف منير من أقدر ممثلي السينما المصرية ولعله الوحيد الذي صمد واستمر بطلاً فيها فيما نجوم جيله هشام سليم، ممدوح عبد العليم، أحمد عبد العزيز خرجوا من دائرة البطولات تمامًا وربما نهائيًا وقد أثبت تميز موهبته وقيمتها عبر أفلام كثيرة منها «خرج ولم يعد» لمحمد خان، «هيستريا» لعادل أديب، «»الكيت كات» للمخرج داود عبد السيد، وانتهاءً بـ»قص ولزق» للمخرجة هالة خليل والذي عرض في بداية هذا العام ونال الفيلم وبطله كثيرًا من الجوائز المحلية والدولية، لكنه في «الشياطين» بدا كمن لا يجد دورًا يؤديه أو إحساسًا يعبّر عنه! ما يجعلنا نتساءل مجددًا هل بتنفيذ مشاهد القفز والعدو تكون الأدوار، أو تصنع الأفلام؟ وأين هذا كله من «سحر السينما»؟!
توابل - سيما
الشياطين... فيلم أكشن متقن بلا معنى
25-12-2007