إستخدم الفنان هتاين لين المحتجز في سجن خاضع للحراسة المشددة في بورما أدوات مختلفة في زنزانته لرسم لوحات سرية رائعة. عرض الفنان هتاين لين (40 عاماً، من بورما) صورة له بجسده النحيف، واقفاً خارج أبواب سجن ميونغميا. السجن غير بعيد عن منطقته إيراوادي ديلتا شمال بورما. التُقطت الصورة يوم إطلاق سراحه في تشرين الثاني/نوفمبر 2004 بعد سجنه خطأ لستّة اعوام ونصف عام. اتهمته الحكومة العسكرية بالتخطيط لتظاهرات المعارضة، ليظهر لاحقاً أن لا أساس للقضية المرفوعة ضدّه. خرج غير حامل سوى كيس يحتوي على غطاء السجن. شيء في حوزته يشير الى ما قام به خلال فترة سجنه.أنتج الفنان سرّاً أكثر من 230 لوحة في فترة السجن، مستخدماً بزات السجناء قماشاً للرسم وقام بتهريبها خلال فترة اعتقاله. تعرض 56 لوحة من أعماله للمرة الاولى في «London’s Asia House» في بريطانيا، بينها «أوتو بورتريه» له استخدم في رسمه إبرة مليئة بالألوان ولوحة «Artificial Evening» رسمها بعقب السيجارة وفرشاة الأسنان نزولاً عند طلب شريكه في الزنزانة الذي لم يرَ غياب الشمس منذ زمن بعيد. رسمت اللوحتان على السارنغ (قطعة قماش قطنية) للجزء الأسفل من الجسم. الأدوات البسيطةيقول الفنان: «بدأت أرسم على علب الطعام البلاستيكية الصغيرة. حتّى إنني أقمت معرضاً فردياً في زنزانتي، فيما كنا نُرغم على تبادل الزنزانات تفادياً لهرب المساجين. طوال هذه السنوات ساعدتني لوحاتي على البقاء حيّاً. شغلت نفسي لأتجنّب الإحباط. أمضيت أكثر من ستّ سنوات وأنا أجد أساليب لأرسم اللوحات وأهرّبها. أردت أن أبرهن أن في إمكان المرء أن يتحلّى بحريّة التعبير حتى في مكان ضيّق ومغلق. لم أشأ التخلّي عن فنّي. نفخت لوحات السجن الحياة في نفسي».عام 1998 انقلب عالم هتاين لين رأساً على عقب إثر توقيفه. رصدت الحكومة العسكرية في بورما/ميانمار رسالة حملت اسمه بكونه مشاركاً في نشاط المعارضة. غير أنه أعلن جهله مصدرها قبل إيقافه ثم حصل انفجار في منطقة ماندلاي وشُنّ هجوم على مركز البريد. بدأ لين يرسم سراً منذ بداية احتجازه في سجن ماندلاي القاسي حيث أمضى معظم فترة سجنه. كان يبقى محجوزاً لمدة 20 ساعة يومياً كونه سجيناً سياسياً. كسب ودّ بعض حرّاس السجن لتهريب الألوان وخبّأ لوحاته داخل السرير والوسادات وتحت الفراش ليتمكّن من إرسالها إلى الخارج.لم يتمكّن من الاحتفاظ بفراشي الرسم داخل زنزانته فاستخدم كل ما وقعت عليه يداه من أدوات الرسم. يتذكّر هتاين لين: «استخدمت فراشي الأسنان، دولاب الولاعة، غلاف معجون الأسنان، علب الصابون، علب الأدوية، العيدان وشفرات الحلاقة. حتى إنني خبأت أدوات الرسم هذه في حفرة حفرتها في أرض السجن». وجوه السجناءنجح في الحفاظ على كل لوحاته تقريباً، ما عدا مجموعة أحرقها أحد الحراس ظنّاً منه أنها خرائط للهرب. يحتفظ مكتب «Burma Archives Project» في معهد « International Institute of Social History» في أمستردام بأعماله الفنية على بزّات السجن. أنشئ هذا المعهد لجمع كل ما يتعلق ببورما والاحتفاظ به منذ أواخر الثمانينات. إثر معاقبته بسبعة أشهر في جناح السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، رسم لوحة «Death Row» التي تظهر وجوه السجناء الشاحبة داخل عشر زنزانات وقد أرهقهم التوتر ولم يعد لديهم أمل بالحرية. اللوحات كلها تصف الحياة داخل السجن، من العمال المكبّلين إلى السجناء الواقفين في الصف حاملين صحونهم بانتظار الطعام. تصوّر لوحة «The Gate» أربعة سجناء جالسين في زنزاناتهم ينتظرون دور تفتيشهم، والمسؤول العملاق بون سان تاين، مراقباً الوضعيّة التي على السجناء اتخاذها كلّ صباح ومساء لساعات خلال تعدادهم وتفتيشهم.تصوّر لوحة «The Return» زوجته السابقة وطفلته وهما عائدتان من زيارة في السجن وفوقهما غيوم زرقاء. الى لوحة «Gloomy Room»، التجريدية المرسومة بالأحمر والأسود والخطوط الصفراء. لم يتمكّن من رسم أي لوحة خلال آخر عام من احتجازه بسبب زيادة المراقبة الأمنية بعدما تمكّن بعض السجناء من الهرب: «توقّفت عن الرسم وتأمّلت طوال هذا الوقت لمدّة 20 ساعة في اليوم».ولد هتاين لين عام 1966 في قرية ميزاليغون، جنوب بورما، حيث كانت عائلته تمتلك منشرة أخشاب. بدأ يرسم في المدرسة. تابع هوايته خلال دراسته الحقوق في جامعة رانغون. انضمّ إلى الطلاب المجاهدين خلال المظاهرات المطالبة بالديمقراطية عام 1988 ثم أمضى أربع سنوات في الغابة حيث اعتاد الرسم في الوحل مستخدماً عصا خشبية. أما اليوم فأصبح أحد أهم فناني الحداثة في يورما ولا يكتفي بالرسم فحسب بل إنه متعدّد المواهب. يعيش هتاين لين راهناً في لندن. يستخدم التقنيات نفسها التي طوّرها في السجن معبراً عن حياته الجديدة.
توابل - ثقافات
هتاين لين قاوم الأسر برسم لوحات سرّية رائعة
20-08-2007