راجت في الآونة الأخيرة قضية «سرقات المكالمات الدولية»، التي يتهم فيها عدد من المجموعات أو «العصابات» كما تسميهم وسائل الإعلام، وهو اتهام تنقصه الدقة، ترديدا للمصطلح الذي تستخدمه وزارة المواصلات لمن يجرون مكالمات دولية عبر الإنترنت، غير أن للقضية أبعادا أخرى، في مقدمتها البعد الإنساني. أبو بكر صديق شاب بنغلاديشي يعمل في شركة تنظيف، يتقاضى ثلاثين دينارا راتبا شهريا، يصرف منها ما بين 10 و12 دينارا لطعامه طوال الشهر، كما يقول بجزع، ويرسل منها ما بين 7 و10 دنانير الى عائلته في بنغلاديش، ويتبقى نحو عشرة دنانير، تتوزع على مساحيق التنظيف والمشروبات وبعض النثريات، إضافة الى المكالمات الهاتفية الدولية للاتصال بذويه في بلاده. يتحدث صديق خلال الشهر مرتين أوثلاث مرات مع أهله وخطيبته، وكان في السابق يصرف ما بين خمسة وسبعة دنانير في الشهر، والآن بفضل تقنية الإنترنت، صار يتحدث أكثر بمبلغ أقل، لا يتجاوز 3 دنانير في الشهر، لكن الشرطة بدأت منذ أشهر بمداهمة مراكز الاتصالات بواسطة الإنترنت، وأغلقت كثيرا منها، خصوصا في مناطق سكن العمال، فظهرت في المحاكم تهمة غير مسبوقة يطلق عليها «سرقة المكالمات الدولية». شخص مثل «صديق» البنغلاديشي، ومعه نحو مليون شخص يعملون في الكويت، يتقاضون رواتبا لاتتجاوز 50 دينارا في الشهر، يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة، الى حد الإذلال والعبودية، وهم قطاع الخدم في المنازل، وعددهم 498 ألفا، ويناهز عدد هؤلاء العاملون في شركات التنظيف والمؤسسات والدوائر الحكومية والخاصة، و لا يمكن اعتبار هؤلاء المساكين لصوصا، كسراق المال العام، إذ ا لجؤوا الى طريقة تخفض قيمة الوسيلة التي تساعدهم في تواصلهم مع أهلهم وأصدقائهم. الجريدة اتصلت مع بعض المؤسسات العاملة في مجال الاتصالات على خدمة الإنترنت، وهي شركة «هاتفكم» ومقرها في قطر، وعبر محادثة مباشرة، أكدت الشركة أنها توفر خدمة الاتصال باسعار مخفضة و»نحن لا نسرق»..كما قال موظف الخدمة، وفي اتصال هاتفي أيضا مع مسؤول في الشركة نفسها، قال ان ما يحصل هو أن الشركة القطرية تتعامل مع شركة أخرى موقعها في «تايوان» والأخيرة لديها أكثر من «سيرفر» توفر من خلاله مكالمات دولية رخيصة، ورأى أن استياء بعض المؤسسات الحكوميه سببه «كسر احتكارهم المكالمات الدولية». يفترض أن المسؤولين في وزارة المواصلات يعلمون أن ثورة الاتصالات وصلت الى آفاق غير مسبوقة، إذ في استطاعة أي شخص الاتصال عبر الإنترنت مجانا، والخيارات غير قليلة، من بينها، خدمة massenger في البريد الإلكتروني في hotmail و yahoo فضلا عن skype المتخصصة بالاتصالات الهاتفية المجانية عبر الإنترنت، وسواها من شركات غير قليلة، وهذا ما يفعله كثير من سكان العالم، خصوصا في ظل انتشار الكمبيوتر وخدمة الإنترنت على نطاق واسع، غير أن وزارة المواصلات تطبق المثل الكويتي «أبوي ما يقدر إلا على أمي» في معالجة إشكالية التعامل مع ما تسميه «سرقة المكالما ت الدولية»! الجريدة التقت مع أحد موزعي البطاقات التي تسمح بالتواصل مع بعض الشركات عبر الإنترنت، وقال أنه يركب أكثر من 20 جهازا في اليوم، معظمها لكويتيين، من بينهم عدد من الشيوخ من الأسرة الحاكمة..فهل يحتاج هؤلاء الى مكالمات دولية بأجور مخفضة، لكن لم نسمع أن «المواصلات» بمعاونة الشرطة ألقوا القبض عليهم ونشروا صورهم في الحجز، كما يفعلون مع المساكين من العمال والمعوزين، الذين «يحلمون» فقط بالاتصال بذويهم وأصدقائهم للاطمئنان عليهم، وليس للمغازلة والثرثرة! مسؤول في وزارة المواصلات، لا يحبذ ذكر اسمه، أصر في حديث مع الجريدة، على أن ما يحدث هو «سرقة» لافتا الى القرار رقم 9/2001 الذي نص على أنه «لا يجوز نقل قطاعات من والى دولة الكويت إلا بترخيص صادر من وزارة المواصلات» وأوضح أن القرار يعتبر ها «جريمة» لأن ما يحصل هو «سرقة لإيرادات الدولة» والاتصال عبر الإنترنت هو «مخالفة للقانون..واستيلاء على هذه الإيرادات».. وحين سألنا المسؤول عن إمكان تخفيض أسعار المكالمات الدولية، مجاراة للواقع الجديد، حيث أسقط الإنترنت حاجز الكلفة المالية، قال ان الأسعار «مرتبطة بدول مجلس التعاون، وفقا لاتفاقات دولية وعقود، واعترف بأن الكل يعاني هذه المشكلة «لكننا متأخرون في بعض العقود» لكنه أضاف ان «المواصلات» ستعمل على أن يكون «الممر الوحيد للمكالمات الدولية عبر الوزارة، مع تفعيل الشراكة مع بعض الشركات، وفق اتفاقات خاصة، وتوفير مكالمات مخفضة». حسنا، من حق وزارة المواصلات تطبيق القانون على الجميع، وبالطبع لايمكن أن تتساهل في التفريط بموارد الدولة، لكن من الواضح أن القرارات الموجودة باتت متخلفة عن التطورات العالمية، ولا سيما في مجال الاتصالات، وينبغي أن تلتفت الوزارة الى الجانب الإنساني في الموضوع، لا سيما في ظل وجود جالية كبيرة تصل الى المليون، وربما تزيد، ونظرا إلى الأجور التي يحصلون عليها يبدو من المستحيل منعهم من البحث عن وسائل أقل وطأة للتواصل مع ذويهم وأصدقائهم، وما لهذا الجانب من أثر نفسي على أدائهم وتصرفاتهم، إذ لا يمكن أن يعمل، أي شخص، وكأنه في معتقل، علما أن المساجين أنفسهم صار في وسعهم إجراء اتصالات. على الدوام، أثبتت الحلول القمعية أنها لاتحل المشكلات، بل تفاقمها أحيانا، وبدلا من التشهير بهؤلاء المساكين، وقمعهم بطريقة غير انسانية، ينبغي البحث عن حلول تساعد الطرفين، وتأخذ في الاعتبار الجانب الإنساني، مع عدم التفريط بموارد الدولة وحقوقها، وهذا أفضل من مواجهة الثورة العلمية..بهراوات الشرطة! محادثة مباشرة عبر الإنترنت الجريدة التقت مع أحد موزعي البطاقات التي تسمح بالتواصل مع بعض الشركات عبر الإنترنت، وقال أنه يركب أكثر من 20 جهازا في اليوم، معظمها لكويتيين، من بينهم عدد من الشيوخ من الأسرة الحاكمة..فهل يحتاج هؤلاء الى مكالمات دولية بأجور مخفضة، لكن لم نسمع أن «المواصلات» بمعاونة الشرطة ألقوا القبض عليهم ونشروا صورهم في الحجز، كما يفعلون مع المساكين من العمال والمعوزين، الذين «يحلمون» فقط بالاتصال بذويهم وأصدقائهم للاطمئنان عليهم، وليس للمغازلة والثرثرة! مسؤول في وزارة المواصلات، لا يحبذ ذكر اسمه، أصر في حديث مع الجريدة، على أن ما يحدث هو «سرقة» لافتا الى القرار رقم 9/2001 الذي نص على أنه «لا يجوز نقل قطاعات من والى دولة الكويت إلا بترخيص صادر من وزارة المواصلات» وأوضح أن القرار يعتبر ها «جريمة» لأن ما يحصل هو «سرقة لإيرادات الدولة» والاتصال عبر الإنترنت هو «مخالفة للقانون..واستيلاء على هذه الإيرادات».. وحين سألنا المسؤول عن إمكان تخفيض أسعار المكالمات الدولية، مجاراة للواقع الجديد، حيث أسقط الإنترنت حاجز الكلفة المالية، قال ان الأسعار «مرتبطة بدول مجلس التعاون، وفقا لاتفاقات دولية وعقود، واعترف بأن الكل يعاني هذه المشكلة «لكننا متأخرون في بعض العقود» لكنه أضاف ان «المواصلات» ستعمل على أن يكون «الممر الوحيد للمكالمات الدولية عبر الوزارة، مع تفعيل الشراكة مع بعض الشركات، وفق اتفاقات خاصة، وتوفير مكالمات مخفضة». حسنا، من حق وزارة المواصلات تطبيق القانون على الجميع، وبالطبع لايمكن أن تتساهل في التفريط بموارد الدولة، لكن من الواضح أن القرارات الموجودة باتت متخلفة عن التطورات العالمية، ولا سيما في مجال الاتصالات، وينبغي أن تلتفت الوزارة الى الجانب الإنساني في الموضوع. مؤامرة أبسط طريقة لمواجهة المشكلات التي تعترض الكثير من الكسالى، التذرع بوجود «مؤامرة» والارتكان الى هذا المخرج السهل، هذا ما قاله أحد نواب مجلس الأمة في وصفه لما يسمى رسميا «سرقة المكالمات الدولية» ...وبالطبع لا يمكن التفكير بالظروف الصعبة التي يواجهها العمال والخدم في الاتصال بذويهم، فضلا عن الظروف المعيشية التي يعيشون في كنفها. «مودم» رغم التصريحات المتفائلة من بعض المسؤولين بالقضاء على هذه الظاهرة، وأن الاتصالات بواسطة الوزارة عادت الى الانتعاش، يؤكد عدد من «الموزعين» المتخصصين في تركيب «المودم» الخاص بتسهيل الاتصال الدولي أنهم ينصبون أكثر من 50 جهازا يوميا، معظمها لعائلات كويتية، وليس لعمال وحسب! call back معظم الاتصالات إما تتم بواسطة خدمة(call back) أو عبر طريقة(pc2phone)، وفي الحالة الاخيرة، ينبغي وجود جهاز (Teliann 12x12 سنتيمترا)، وفقا لهذا الحجم كيف تدخل مئات الاجهزة الى البلاد من دون أن يتم كشفها؟!.. إلا اذا كان ثمة «واسطة قوية» ...بواسطة أحد الموردين المتنفــذين أو لتعــــترف الوزارة أن الموضوع أكبر منها!
تحقيقات ودراسات - تحقيقات
سرقة المكالمات الدولية ... من يسرق من؟
18-06-2007