القاتل في الاغتيالات التي مر بها لبنان في الفترة الماضية يقتل لبنان، فهل يستطيع اللبنانيون تجاوز الحاجز في الأيام المقبلة، وينتخبون رئيساً رئيساً؟!

Ad

في الأيام القليلة الماضية مرّت ثلاث سنوات على صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 بالتمديد لرئاسة إميل لحود، ومحاولة اغتيال مروان حمادة، تلك الإعلانات عن سنوات ثلاث تالية صاخبة ودامية ومنذرة بالشرور، كان أعلاها صوتاً انفجار اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير عام 2005، وأكبرها صدىً انسحاب القوات السورية المسلحة من لبنان في مايو من العام نفسه.

في تقارير «لجنة التحقيق الدولية المستقلة» اللاحقة، لم يعلق في الذهن شيء من التفاصيل المعقدة بيد أن الدافع وراء الجريمة سياسي، كما ورد في التقرير السادس في مارس الماضي. فقد خفّف هذا من أعباء التحليلات، السياسية في الأساس، حتى لو حاولت أن تهرب من تهمة «التسييس» الجاهزة.

في ضوء هذا الاستنتاج، وتحت ضغط الأخطار الراهنة، في ما يلي محاولة لمراجعة قائمة الضحايا مع توقيتها:

-1/10/2004، محاولة اغتيال مروان حمادة، أبرز أعضاء كتلة وليد جنبلاط، ونسيب غسان تويني، الذي كان قد استقال مع رفاقه احتجاجاً على إقرار تعديل الدستور تمهيداً للتمديد في جلسة مجلس الوزراء في 28/8، التي صدر بعدها القرار 1559 المطالب بانسحاب القوات السورية من لبنان ونزع سلاح الميليشيات بانتخاب نزيه للرئيس، تم التمديد في الساعات القليلة اللاحقة لصدور القرار.

- 14/2/2005 اغتيال رفيق الحريري بانفجار هائل ومذهل، على الرغم من موافقته وكتلته على التعديل والتمديد، كان واضحاً وقوعه تحت الضغوط منذ جلسة مجلس الوزراء المذكورة، واستمراره في التحضير لقانون انتخاب وانتخابات وتحالفات سوف تنتج أكثرية نيابية مختلفة عن أوضاع العقود الثلاثة السابقة.

- 2/6/2005 اغتيال الصحافي والكاتب البارز سمير قصير، كان سورياً وفلسطينياً مثلما كان لبنانياً، ويسارياً ديموقراطياً ملتزماً بمشروع متقدّم للدولة والمجتمع، وفعالاً في قيادة نشاط شباب التحركات الشعبية، وأكبرها تظاهرة 14/3.

- 21/6/2005 اغتيال جورج حاوي الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني، القريب في مواصفاته من سمير قصير، والمطّلع على الاتصالات القديمة والجديدة بعمق، إضافة إلى قدراته الخاصة في التوفيق والتنسيق والتعميق بين القيادات والنشطاء، وازدادت منزلته بعد قيامه بدور قيادي في تنظيم المقاومة الوطنية للإسرائيليين، لاسيما في أوائل الثمانينيات حين احتلت بيروت.

- 12/12/2005 اغتيال جبران تويني الصحافي البارز والنشيط سياسياً، إضافة إلى كونه ابناً لغسان تويني صاحب مؤسسة «النهار» إحدى المحطات الأكثر إنارة في عالم الإعلام العربي الكئيب ورئاسته لتحريرها، كان سياسياً شاباً وتبلورت مواقفه ضمن خط «الرابع عشر من آذار».

- 21/11/2006 اغتيال الوزير والنائب والقيادي الشاب في حزب الكتائب بيير الجميل، الذي لفت الأنظار بحيويته وفعاليته في أوساط الشباب، وبقدراته الخاصة في التركيز على المهم.

- 20/5/2007 اغتيال وليد عيدو أحد أبرز أعضاء كتلة الحريري وأكثرهم ظهوراً، كان قاضياً.

- 19/9/2007 اغتيال أنطوان غانم، النائب الكتائبي المعتدل المسالم.

في هذه القائمة ثلاثة من الأقلية المسيحية الأرثوذكسية غير البارزة -نسبياً- في حمى البازار السياسي الطائفي، وهم قريبون من مشروع الدولة الحديثة، التي كان يمكن أن يسير في اتجاهها اتفاق الطائف تدريجياً لو طُبِّق، على علاّته، وهنالك مارونيان من الطائفة الأكثر ارتباطاً باسم لبنان وكينونته، من الحزب الذي له باع طويل وحصة في تكوين الدولة والمجتمع وتطورهما، من الجهة المارونية المذكورة. كما أن هنالك الحريري -وأحد رجاله الأقربين- صاحب مشروع الدولة التي أرادها أن تدخل العصر من أبواب الازدهار والاستثمار والوفاق والسلم الإقليمي الذي بدا قاب قوسين مطلع التسعينيات.

يجمع الضحايا على ما هو متفق عليه كونهم من ائتلاف سياسي واحد، يعادي الوجود العسكري السوري ثم الهيمنة و«الوصاية» في ما بعد، ويتفق على ضرورة سيادة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي الوطنية، الأمر الذي يعني -أو أنه سوف يعني- نزع سلاح «حزب الله» أو تحويله إلى جزء من القوات المسلحة الرسمية، عاجلاً أم آجلاً. يجمعهم ثانياً ما يشكلونه من تعبير عن أصول تأسيس لبنان من جهة، وصناعة مستقبله اللاحق كدولة سيدة ومستقلة ومدنية وديموقراطية من جهة أخرى، والقاتل أراد النيل من ذلك كلّه، أو لعله أراد النيل مما ورد ثانياً، إن مضينا إبحاراً في عمق نوايا القاتل وبرامجه.

لقد أراد -ومازال يريد- شلّ لبنان ودوره في المنطقة، وزعزعة استقراره، ومهما كانت نسبة تحقيقه لأهدافه، فإنه يستولد ذاته بالعملية نفسها... وفي ذلك طبع إسرائيل، أو لعلّه التطبّع أو التطبيع في طبعته الجديدة!

القاتل يقتل لبنان، فهل يستطيع اللبنانيون تجاوز الحاجز في الأيام المقبلة، وينتخبون رئيساً رئيساً؟!

* كاتب سوري