أليس هناك ثمة سبب يدعو قادة «حماس» للشعور بالتناقض وهم يعترضون على الرغبة الفلسطينية الرسمية بعقد صلات متينة مع الإدارة الأميركية، بل ويتهم بعض مفوهيها حكومة سلام فياض بأنها دمية السفير الأميركي في تل أبيب، في وقت يهللون فيه للقاء شخصية معنوية أميركية مثل الرئيس كارتر؟

Ad

لا يجدر بأحد أن يستهجن المعارضة الأميركية الرسمية للخطوة التي قام بها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر التي تمثلت بلقائه بعض مسؤولي حركة «حماس» الفلسطينية. والأجدى أن يستهجن المرء حماسة «حماس» للقاء الرئيس الأميركي الأسبق. الإدارة الأميركية تدرك المعنى الرمزي للقاء قادة الحركة بواحد من الشخصيات الأميركية المهمة اليوم. هذه كمية من الأوكسجين تكفي مناضلي «حماس» للتنفس وقتاً طويلاً، وتنفس «حماس» مثلما هو معلوم يجعل تنفس بعض الفلسطينيين الآخرين ضيقاً.

الإدارة الأميركية تدرك أن جرعة الهواء التي تنشدها «حماس»، تقلل من جدوى الحصار الخانق الذي تضربه اسرائيل على قطاع غزة، ولا تخدمها في المعركة التي تخوضها ضد الحركة. والحركة أثبتت من ناحية ثانية، أنها تستقبل بالهرج والضجيج نفسه، طائرات العدو المغيرة على أحياء غزة والرؤساء الأميركيين السابقين. وبالحماسة نفسها، تعترض على الدور المصري في إقفال الحدود مع غزة وتحتفل بعراب اتفاقية «كامب ديفيد». وهذا كله لأن «حماس» دائماً منتصرة. فالهزيمة ليست واردة في قاموس الحركة التي تعتبر موت الفلسطيني نصراً وموت الإسرائيلي نصراً مماثلاً. فحركة «حماس»، تريد الإيحاء دوماً بأنها غير مسؤولة، وأنها حكومة ومكتباً سياسياً ومناضلين وشعباً في موقع واحد، هو موقع الضحية بالضبط. إذ ليس في وسع حركة «حماس» أن تلوم نفسها على أداء سياسي خاطئ، وليس في وسعها أيضاً أن تلوم قادتها على المساهمة في تضئيل خيارات المواطن الفلسطيني إلى حد إعدام الخيارات كلها. وليس في وسع أي كان، بحسب ما يدور في خلد قادة «حماس» ومناضليها أيضاً، أن يلوم المحاصر والجائع على تطلب مقابلة الرئيس الأميركي الأسبق. فالضحية، و«حماس» تتماهى مع الضحية دوماً، يحق لها ما لا يحق لغيرها. وعليه ليس ثمة سبب يدعو قادة «حماس» للشعور بالتناقض وهم يعترضون على الرغبة الفلسطينية الرسمية بعقد صلات متينة مع الإدارة الأميركية، بل ويتهم بعض مفوهيها حكومة سلام فياض بأنها دمية السفير الأميركي في تل أبيب، في وقت يهللون فيه للقاء شخصية معنوية أميركية مثل الرئيس كارتر. مع ذلك ليس ثمة من حرج في مقابلة قادتها لرئيس أميركي سابق، ذلك أن مثل هذا التصرف الذي تقدم عليه شخصية معنوية أميركية يعني بالنسبة لحركة «حماس» اعترافاً بشرعية ما تمثله ومن تمثلهم. لكن الحركة تأخذ على خصومها الداخليين في الوقت نفسه، أنهم يطلبون الشرعية من الإدارة الرسمية الأميركية، وأنهم يريدون النضال تحت شمس الإمبريالية الأميركية، في حين أن حركة «حماس» ترغب بشدة في أن تأفل شمسها.

هذا كله لا يفصح عن تناقض في سلوك «حماس» السياسي. بل إن الحركة ترى في هذه المتعارضات ما يجعلها أقرب إلى ما تريد أن تمثله: حركة مناضلة ولدت من الشعب ولم تغادر صفوفه أبداً. بحيث يتحول كل إنجاز قد يحققه أي كان، في أي مكان من العالم، للشعب الفلسطيني نصراً للحركة، التي هي من الشعب وإلى الشعب وهي الشعب، فيما تقع مسؤولية الخسارة على حكومة فياض ورئاسة عباس أولاً، وعلى نظام الرئيس مبارك أحياناً، وعلى التخاذل العربي في أحيان اخرى، وعلى المجتمع الدولي في أحايين لا تحصى.

«حماس» ليست مسؤولة. إنها حركة نضال مغناج، لها في الغنم كل الغنم، وللآخرين أن يتحملوا الغرم كل الغرم. هكذا لم يدر في خلد أي قائد من قادتها أن يسأل نفسه في سره: لمَ يجب على الفلسطيني من قطاع غزة أن يعاني أكثر من الفلسطيني في الضفة الغربية، جوعاً وعتمة وغضباً وموتاً؟ وكيف يحق لقادتها الترحيب بلقاء أي مسؤول أميركي في حين يشتبه بكل اتصال بين حكومة سلام فياض والأميركيين؟ وأخيراً، كيف يحق لرئيس حكومة «حماس» أن يعرض الهدنة مع اسرائيل رأفة بشعب غزة، ثم لا يحق للرئيس الفلسطيني أن يهتم لأمن الشعب الفلسطيني وسلامته؟

مثل هذه الحركات السياسية إذا حكمت، وهي في حالة «حماس» تحكم، تجعل من المحكومين وقوداً للحاكمين، ومن عامة الناس سياجاً للمقاتلين ودرعاً لهم، ومن البلاد، عمارة واجتماعاً وثقافة واقتصاداً مجرد تمويه عابر وغير ذي موضوع لإخفاء مخازن السلاح وأماكن اختفاء المقاتلين. وإذا ما اندلعت الحرب لسبب ما، سيكون من نصيب المقاتلين اللجوء إلى الانفاق والملاجئ، ومن نصيب المواطنين الموت في العراء التام.

* كاتب لبناني