«حديقة النواب»... ربما يكون المسمى الأصلح لوزارة الدولة لشؤون مجلس الأمة، بعد أن صادرها النواب لمصلحة ناخبيهم، بتواطؤ كبير من مؤسسها الوزير والنائب السابق محمد ضيف الله شرار، عندما فتح «وزارته» لتعيين ذوي القربى والأصدقاء، وأباحها لتنفيع النواب بتوظيف من يشاؤون، تعيينا ونقلا وندبا، وبصورة غير مسبوقة، حتى وصل عدد مديري مكتب الوزير إلى 24 مديراً، لوزارة تتكون من مبنى لا يتجاوز بيت حكومة!

تعج الوزارة بالمخالفات في كل ركن فيها، ولم يترك بعض المسؤولين «حيلة» إلا وركبوها لمخالفة القوانين وجلب الموظفين لهذه «الوُزّيرة» (تصغيرا للوزارة) واستغلت صيغة «الانتداب» أبشع استغلال لتوظيف أكبر عدد ممكن «بالمخالفة لتعميم ديوان الخدمة المدنية» حتى بلغ عدد المنتدبين 73 موظفاً من قطاعات الدولة المختلفة، من بينهم ضباط من وزارة الداخلية، ومن بيت الزكاة، وهيئة الزراعة، والجمارك، وضباط مطافئ، واثنان من حاملي شهادة محو الأمية... عدا أن قسماً كبيراً منهم يعمل في غير تخصصاته ومؤهلاته العلمية، وفقاً لتقرير ديوان المحاسبة، علما أن معظمهم لا يحضرون إلى العمل، من بينهم وكيل وزارة مساعد منقول إلى الوزارة، وبدلاً من مباشرة عمله، انتدب أيضا الى لجنة تطوعية مثالية جداً... وهنالك 170 موظفاً مفقودا، أي لا تعلم الوزارة شيئا عنهم، فهم محسوبون على الوزارة «المندوبة»... لكن أحداً لم يرهم يوما!

Ad

وكما لاحظ تقرير صادر عن ديوان المحاسبة، فإن هناك «أعدادا كبيرة من الموظفين المنتدبين لوظائف ذات طبيعة عمل محدودة، والمهارات المطلوبة لشغلها متوافرة لدى العديد من خريجي المؤسسات التعليمية، مما لا يستدعي انتداب البعض للعمل بها»، علاوة على انتقال بعض الموظفين من مؤسسات وجهات حكومية «بالرغم من تخفيض درجاتهم الوظيفية أو إلغاء بعض البدلات عنهم بهدف حصولهم على مناصب وبعثات دراسية»، عدا المكافآت الشهرية التي تصرف لبعض الموظفين «بصورة شخصية» وكلفت خزينة الدولة الآلاف من الدنانير.

يفضل كثير من الموظفين المتنفعين والمتقاعسين العمل بهذه الوزارة لأسباب عدة، من بينها عدم الالتزام بالحضور والبقاء في بيوتهم، بينهم عدد من السيدات، وقسم آخر يتفرغ لمتابعة دراسته داخل الكويت أو خارجها، في إحدى الجامعات التي تقدم شهادات شبه مجانية في الأردن أو القاهرة... ويجري تعيين موظفين في إدارات ورقية، أي انها مسجلة ضمن الهيكل التنظيمي كإدارة، لكنها في الواقع ليست فاعلة، كإدارة البحوث مثلا، التي لم تقدم بحثا طوال العام الحالي، ومن بين كل القطاعات، وحده القطاع البرلماني يعمل حقا، لأنه معنيّ بأحداث الساعة، ومربوط بنشاط مجلس الأمة، وصيحة النواب الدائمة...

حاول الوزير السابق عبدالهادي الصالح التخلص من مشكلة تكدس مديري مكتبه، ولا يحضر منهم سوى شخصين من بين 24 مديرا، فأصدر قراراً في فبراير 2007 لتفعيلهم، وشكل لجنة دائمة بمكتب الوزير لتوزيعهم على المحافظات، لكن القرار كلفه مقعد الوزارة، فذهب هو وبقي المديرون على حالهم، رغم ان الصالح نفسه لم يقصر وارتكب بعض المخالفات، أسوة بالسلف الوزير المؤسس.

في حين «يختص وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة بإعداد أسس ووسائل وأساليب التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة في المسائل، التي يختص بها المجلس واقتراح تطويرها، ومتابعة تنفيذ قرارات مجلس الوزراء بشأنها، وفقا لمقتضيات إرساء النظام الديموقراطي السليم، التزاما بنصوص الدستور وروحه والمبادئ والأعراف البرلمانية» كما جاء في مرسوم تأسيس الوزارة، إلا أن «وزارة شرار» ووكلاءه عملا بمراسيم الفساد، وتحولا إلى «حديقة خلفية» لنواب الخدمات، ويبدو أن «التعاون» المفقود «بين السلطتين» تحقق في هذه الوزارة، على قاعدة... «خشمك إذنك»!