بدا العالم العربي أمس وكأنه يغرق في حمم بركان من النار والدم، وبدا المشهد المتنقل بين التفجيرات الإرهابية في العراق ولبنان وحرب «الإخوة الأعداء» في غزة مثيراً لليأس والقلق من مستقبل مظلم في ثلاث بؤر ملتهبة يخشى اتساعها.

فقد استفاق العراقيون أمس على جريمة تفجير مئذنتي مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، وهو تفجير أثار فوراً الخوف من اندلاع موجة عنف مذهبية تذكر بتلك التي تلت تفجير القبة الذهبية للمرقد مطلع العام الماضي.

وإذ استنكرت القوى السياسية العراقية والقيادات الروحية عملية التفجير داعية إلى الهدوء، فإن الحكومة العراقية فرضت منع التجول في بغداد منعاً لردات فعل تضع الزيت على نار «الحرب الأهلية» غير المعلنة الدائرة في هذا البلد.

Ad

أما لبنان فكان ضحية عملية تفجير إرهابية جديدة جرت في منطقة المنارة في بيروت وذهب ضحيتها عضو «تيار المستقبل» النائب وليد عيدو ونجله وثمانية أشخاص آخرين، وتشاء المصادفات أن تجري عملية الاغتيال هذه غير بعيد عن موقع الجريمة التي استهدفت الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 والذي لم يفتح للمرور إلا بعد إقرار المحكمة الدولية قبل أسبوعين.

جريمة اغتيال النائب عيدو أضافت إلى الواقع السياسي والخطير بعداً جديداً تتضح ملامحه في الساعات المقبلة، إذ لا يمكن اعتباره «ضريبة» عادية وإضافية تدفعها قوى «14 آذار» التي خاضت معركة «الاستقلال الثاني» في لبنان بعد قتل الحريري، بل إنها تتوازى مع المواجهة العسكرية الخطيرة التي يخوضها الجيش اللبناني مع إرهابيي «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد شمال لبنان، الذين تتهمهم الحكومة اللبنانية والأكثرية بالمجيء من سورية وتلقي الأسلحة منها، وأخذ التعليمات من مخابراتها، وهي مواجهة ترافقت مع عمليات دهم واسعة لمجموعات «قاعدية استخباراتية» مرفقة باعتقالات واعترافات موثقة.

وإذا كانت التهديدات الإرهابية بتحويل لبنان إلى بلد مشتغل بدأت شرارتها مع إقرار المحكمة الدولية، وتمثلت في مجموعة تفجيرات في مناطق لبنانية مختلفة استهدفت مدنيين ومراكز انتاج وتجارة٬ فإن اغتيال عيدو أعاد قوى «14 آذار» الى مخاوفها من اغتيالات متكررة هدفها تقليص عدد الأكثرية النيابية خصوصاً بعد قتل الوزير النائب بيار الجميل وانسحاب أحد النواب من الأكثرية واغتيال عيدو بعدما جرى تقليص الأكثرية الحكومية بفقدانها الجميل، علماً ان لبنان ينتظر استحقاق الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.

ولفت أمس نعي النائب سعد الحريري للنائب عيد إذ دعا فيه الجامعة العربية إلى «حماية لبنان من النظام الإرهابي أو مقاطعة هذا النظام». ومعروف ان الحريري يتهم دمشق مباشرة بالاغتيالات التي تحصل في لبنان.

إلى ذلك يضع مقتل عيدو المسعى الفرنسي بجمع اللبنانيين في باريس نهاية الشهر الجاري في مأزق صعب مثلما يعقد أي اتصالات سعودية إيرانية في الاتجاه نفسه.

أما في غزة فان المشهد لم يكن أمس أفضل بكثير اذا كانت «قضية العرب الأولى» تنزف على مذبح المصالح والتنافس حيث قتل عشرات الفلسطينيين من «فتح» و«حماس» في القتال بين الفصيلين أو نتيجة الخطف المتبادل.

وتأكد أن «حماس» أحكمت قبضتها على جزء كبير من غزة في حين تقاتل «فتح» فيها في ظروف صعبة مستمرة في تعليق عمل وزرائها في حكومة «الوحدة الوطنية»، وفي المقابل كانت المؤسسة السياسية الاسرائيلية تجدد دمها، فيفوز ايهود باراك في رئاسة العمل، ويصل «ثعلب السياسة» الاسرائيلية العجوز البراغماتي شيمون بيريز إلى رئاسة دولة اسرائيل متوجاً حياته السياسة بهذا المنصب ولو كان فخرياً.