وصل العبث بالحياة السياسية حداً لا يُطاق، ووصل الاستهتار بالأدوات الدستورية من خلال سوء استعمالها وسوء المقاصد والنوايا باستغلالها مرحلة لا تبشر بخير، وتنذر بانتكاسات للتجربة الديموقراطية. فإذا كان تحصين التجربة هو تفعيل أدواتها، فإن ما يحدث هذه الأيام - مثلما حدث قبلها بأشهر أكثر من مرة - هو تفعيل لمآرب في نفوس أعدائها، جلّ همهم تقويض التجربة الديموقراطية برمّتها من خلال العبث بأدواتها. هذا أقل ما يمكن أن يقال عن الحال السياسية المصاحبة والمترتبة على استجواب النائب الدكتور الشريع لوزيرة التربية والتعليم العالي نورية الصبيح، وهو تأكيد واضح وصارخ لغياب الحكمة وتغييب المسؤولية السياسية لدى بعض أعضاء مجلس الأمة. كيف نفسر هذا الاندفاع في الاستجواب بعد أقل من ثلاثة أشهر من الخروج من حال الاحتقان السياسي، وبعد أقل من شهرين من النُّطق السامي لسمو الأمير، الذي ناشد فيه الجميع (حكومةً ومجلساً) التعاون والعطاء، والذي أكد فيه أنه لن يقبل بحال من الأحوال العبث بمستقبل البلاد واستقرارها.لقد كانت دعوة سموه دعوة الوالد أبناءه إلى تحكيم العقل قبل الانفعال، وإعطاء كل ذي مسؤولية حقه من الوقت للعطاء قبل المساءلة، وهي دعوة لم يمض ِعليها شهران نصفُهما اجازات، فهل من الحكمة والحنكة، بل هل من صميم المسؤولية السياسية، التعامل مع هذه الدعوة الحكيمة بهذا الاستعجال والانفعال...؟!هناك من يخدمه تأزيم الأمور وتصعيد التوتر والنفخ بحال الاحتقان إلى درجاته القصوى، للخلاص من التجربة برمّتها وتغييب الدستور، وهناك من قد يخدمه حل المجلس حلاً دستورياً، لكن كيف ستُخدم الكويت في الحالين؟!لقد علمتنا التجارب انه كلما قلّ الحكماء في مجلس الأمة وكلما ضعف صوت العقلاء خارجه، قويت الأصوات التي قادتنا إلى أزمات ومشاكل، أخيرها وليس آخرها كان تجربة الغزو البغيض وتقويض التجربة الديموقراطية، فإذا كان لنواب مجلس الأمة حقهم في المساءلة والمحاسبة، فإن على الناس الذين اختاروهم واجب مساءلتهم ومحاسبتهم عند العبث بالتجربة السياسية أو اللعب بأدواتها. لا خلاف على الحقوق الدستورية لنواب مجلس الأمة، لكن الاختلاف بشأن سوء استعمالها أو النوايا الخفيّة لاستغلالها... ومثلما لهم حقوقهم الدستورية، فإن واجباتهم الدستورية تفترض القراءة الصحيحة للمسار السياسي واستقراء مستقبل النمو السياسي واستشرافه، وإحساسهم بتلك الواجبات، هو ما يميزهم كنواب مضطلعين بالمسؤولية ومدركين للواجبات الدستورية عن غيرهم من الهواة أو العابثين.هذا الاستجواب بهشاشته وضعف محاوره، وشخصانية تقديمه وغموض نواياه، يحمل ما هو أكثر...فبكل أسف، وبكل صراحة نقولها، إن المروجين له تعاموا، من أجل تسويقه، عن أهمية الحفاظ على النسيج الاجتماعي للمجتمع فحملوه بذوراً بغيضة لا يتحملها مجتمعنا ولا يمكن لأي قيادة سياسية أن تنظر إليها بعين المتفرّج من دون علاج أو «بتر».أين غابت عن مقدم الاستجواب أو معدّيه ومؤيديه كل تلك الاعتبارات، التي تتلخص في جملة أخرى هي: كيف غابت عنهم الكويت وديموقراطيتها وهم يعرفون ان كلتيهما وجهان لعملة واحدة، وأي خدش في أي وجه هو تشويه للوجه الآخر؟!فهل ثمة من يعي ويتحمل مسؤوليته السياسية، أم أن علينا أن ندفع الثمن جميعاً؟الجريدة
محليات
افتتاحية حين يغيب الحكماء وتُغيّب الحكمة
26-12-2007