«Stop all the clocks» مجموعة من قصائد الشاعر الانكليزي ويستان هيو أودن غير المنشورة ونبشت من أرشيف مدرسته القديمة. لرجل يعتبره السواد الأعظم من الناس أبرز شاعر إنكليزي في القرن العشرين، أمر مفاجئ ألا تثار جلبة إعلامية كبيرة حوله هذا العام، في ذكرى مرور مئة عام على ولادته. أما ذكرى مولد جون بيتجيمان المئة، وهو تلميذ معاصر في مدرسة أدون، فتميز بـ ـ12 شهراً من الأفلام الوثائقية المتلفزة حوله وإعادة إصدار أعماله وإحياء تذكاره ومناقشة وجهات نظره حول جميع المواضيع من الهندسة إلى خطوط السكك الحديد الأحادية. صديق أودين والشاعر الذي عاصره في جامعة أوكسفورد، لويز ماك نايس، المولود في العام 1907 أصبح هو أيضاً محور ندوة أكاديمية في بلفاست تجمع أدباء العالم في لندن. لكنّ ثمة أسباباً لهذا الإهمال الواضح. أولاً لا تتبنى أي دولة الشاعر أودن، كما هي الحال مع «دولة» الشعراء ويليام بتلر ييتس وتوماس هاردي وشارلز إيفان هيوغز وجون بيتجيمان. كذلك لم يعثر أحد على تحفة أدبية واحدة يستطيع المرء التشكيك فيها سراً، إذ لم يتوصل أودن إلى ما يشابه قصيدة «The Waste Land» التي نظمها إيليوت، أو قصيدة ييتس «The Tower»، أو قصيدة هيوغز «Crow». أما قصيدته الأكثر شهرة ورواجاً فهي «Stop all the Clocks» القصيرة التي تُليت في فيلم «Four Weddings and a funeral». في أودن شيء ما يقف حجر عثرة أمام الوفاء الشخصي له. بعيداً عن كونه رائعاً ورومنسياً، كان أودن فوضوياً ومهملاً أكثر منه مفكراً غامضاً فهو متصلب في آرائه، ولا يتحمل عدم الدقة في المواعيد. وبحسب بن برادلي من «واشنطن بوست» وهو ليس من المعجبين بأودن: «ادون لم يستحم بما يكفي». بيد أن هذا الوضع مؤسف لرجل ترافق ذكره لدى وفاته عام 1973 مع ذكر بيكاسو وسترافينسكي. الجدير ذكره أن الصحافي المجهول الهوية الذي يكتب صفحة الوفيات في صحيفة «التايمز» كتب: «أودن الذي بقي لوقت طويل الطفل المذهل للشعر الإنكليزي، يبدو في نهاية المطاف أشبه بأستاذه الرائع».البريد الليليبيد أن ثمة زاوية في مقاطعة نورفولك حيث يُعاد إحياء ذكراه دائماً، كما أن الشغوفين بأعماله توصلوا إلى اكتشاف مذهل: المدرسة التي ارتادها أودن، مدرسة غريشام في هولت في مقاطعة نورفولك، بين عامي 1920 و1925. كانت هذه المدرسة فخورة جداً بأعمال أودن وتنظم حفلاً صغيراً لتكريمه تحت عنوان In Praise of Auden، يلقي فيه كل من اللورد غوري وكرايغ راين وبلايك موريسون كلمات وتعزف مقطوعات من ألبوم «cabaret songs» بالتعاون مع المؤلف الموسيقي بنجامين بريتن. تعرض كذلك مقاطع من أفلامه مثل الوثائقي «Night Mail» أي «البريد الليلي» الذي أعده مكتب البريد العام. فضلاً عن ذلك، إنه المكان الذي ولدت فيه قصائده الأولى غير المنشورة. وتحمل أعماله عناوين «Evening and Night on Primrose Hill» و«To a Tramp Met in the Holidays in Monmouthshire» و«Enchantment». الجدير ذكره أن أعماله الثلاثة هذه نُشرت من دون أن تُذيل بأي توقيع في المجلة التي تصدرها الجامعة The Gresham بين 1922 و1925 عندما كان أودن مراهقاً ذكياً محمر الوجنتين في سن الخامسة عشرة. وتمثل قصيدتان القصائد الأولى التي نظمها أودن. بيد أن المجموعات الثلاث تسلط الضوء على الأمور الأساسية التي تأثر بها وعلى تفكيره المراهق. ذاكرة الأجياللا بد من الإشارة إلى أن الرجل الذي قام بهذا الاكتشاف هو جون سمارت، رئيس قسم الفنون في مدرسة غريشمن على امتداد السنوات الخمس عشرة الماضية. إنه شخصية متقدة، أبيض الشعر، نقطة ضعفه ربطات العنق، لقّن أودن أبياتاً تبقى مطبوعة في ذاكرة الأجيال المقبلة. ذات يوم رأى هذا الرجل العظيم يؤدي أبياته على خشبة مسرح شيلدونيان Sheldonian في أوكسفورد عام 1969 قبل وقت قصير من تقاعده مشرفاً مدرسته Christ Church College. يقول سمارت: «لقد تقاسم القراءة مع ريتشارد بورتون الذي أتى في سيارة رولز رويس وألقى الأبيات بأسلوب خطابي رائع». «أودن نفسه اعتلى المنصة بخفين فاتحي اللون وسحب من جيبه قصائد أكلها العث وألقاها بنبرة جافة ومملة جداً».يعرب سمارت عن استغرابه حيال تردد الشاعر: «لدى أودن ذوق مرهف ويعترف الجميع بأن لدى الشعراء الآخرين أسلوباً مميزاً ومتناغماً لكن لا يمكن للمرء قول ذلك عنه. أعتقد أن محور أعماله يدور حول القصائد التي نظمها قبل ذهابه إلى الولايات المتحدة في 1939». كان سمارت يجري بحثاً عن كتاب لجون هاورد وهو أديب مميز نقح كتاب البطريق Penguin Book بالأبيات الإنكليزية وشارك من بين أمور أخرى في مشهد مسرحي مع إيليوت، حين اكتشف أن هاورد أضحى في السنوات الأخيرة التي أمضاها في مدرسة غريشام، محرر مجلة غريشام التي تصدرها الجامعة. فقرر سمارت إلقاء نظرة على المجلة وهذا ما لم يفعله خلال 15 عاماً من التعليم. عثر على إفتتاحية هاورد الأولى في العدد الصادر بتاريخ 25 فبراير 1922، ويلتمس فيها المساهمات في هذه المجلة: «ليس المحرر مغموراً بالمخطوطات، لكننا نأمل في المستقبل القريب أن ننتج كمية أكبر من المخطوطات... من وجهة نظرنا، تفتقر المدرسة بشدة إلى الشعراء من أصحاب المستقبل الواعد». أحوال المراهقةفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أنه لا غنى عن مدرسة غريشام لفهم أودن فهي المكان الذي شهد ولادته الأدبية الأولى أو وحيه الأول وبوتقة صهر روحه المعارضة. حين وصل أودن اليها في 1920 كان لامعاً وموهوباً، واثقاً من نفسه ولم يتجاوز الثالثة عشرة. رغم أنه لامع في معرفة كل شيء، كان تقويمه لنفسه سلبياً. وفي نص كتبه عن أيام الدراسة ونُشر في 1934 قال: «كنت، مع تقديري الكبير وما زلت ذكياً وموهوباً، مظهري ليس جميلاً جداً، قصير النظر، أرنباً جباناً في الألعاب كافة، أقضم أظافري، جباناً، غير صادق، عاطفياً، لا أملك أي حس اجتماعي، بشكل أوضح، ولداً نموذجياً لامعاً وطفلاً صعب المراس». وتؤكد صوره التي التقطت بين 1920 و1922 ذلك: لم يكن أودن في سني مراهقته الأولى متعة للأنظار، كان منتفخ الوجنتين، شفتاه مكشرتان، عيناه متنبهتان وجاحظتان وأذناه ناتئتان إلى الخارج. بدا أشبه بتلميذ يحضّ مظهره هذا التلاميذ والأشخاص المحافظين في المدرسة على مضايقته والسخرية منه». أما والداه اللذان انتقلا في 1920 من سوليهول إلى إحدى ضواحي برمنغهام فيبدو أن اختيارهما وقع على غريشام لسمعتها الحسنة الذائعة في مجال العلوم. وعندما أصبح ابنهما الأصغر في الثالثة عشرة كشف عن شغفه بالمناجم والأعمال الهندسية. وهذان العنصران كانا يشكلان الفكرة الرئيسية أو المحور الأساسي لشعره وأظهرا أنه كان ممكناً أن يبرع في مجال العلوم. لكنه لم يفعل. أعجب وايستان الشاب مباني المدرسة التي شُيدت على الأرجح بين 1900 و1919 في عهد مدير المدرسة جورج ويليام سول هوسون الذي طوّر ثروات غريشام وزاد طلابها أربعة أضعاف. كذلك أحب الدروس الخاصة والصفوف الدافئة والمكتبة «المدهشة» والمختبرات «الرائعة». بيد أن ما لم ينل إعجابه في غريشام هو ما يُسمى بـ «نظام الشرف» الذي أدخله هاوسون ويقضي هذا النظام بأن يجري مدير المدرسة مقابلة مع الوافدين الجدد إليها ومع الأساتذة المسؤولين عن المدرسة الداخلية ويُطلب الى هؤلاء التلاميذ أن يقطعوا «وعد شرف» بعدم القيام بثلاثة أمور: تناول الكحول والقسم وقول أي شيء مشين أو القيام بأي عمل سيئ. إذا نكث أي من التلامذة بوعده، فينبغي عليه أن يطلع الأستاذ المشرف في المدرسة الداخلية على ذلك. وإذا رأى ولداً آخر يسيء التصرف ولا يفي بوعوده عليه إقناعه بالاعتراف بذلك وإذا فشل عليه هو عندئذٍ الاعتراف بذلك عنه. بذلك كان التلامذة يُدفعون نحو الصلاح الأخلاقي، محملين بالشعور بالذنب «لنكثهم بوعد الشرف الذي قطعوه»، ومشجعين إلى الوشاية بالتلامذة الآخرين. أصيب أودن بالصدمة من ذلك. كتب بعد سنوات: «أعتقد أنه لم يتم التوصل أبداً إلى آلية أقدر من هذه على جعل الأولاد أبرياء ومهووسين بالشعور بالذنب، من خلال الحفاظ على الشوائب في طباعهم عوضاً عن معالجتها». يبدو أن معظم نتاج أودن الأدبي المستقبلي انبثق عن علاقته الوطيدة بمسألة «الشرف»: منذ ديوانه الأول كانت مخيلته تدور في فلك الجواسيس والمؤامرات والرموز والكمائن أو المكائد و«الجيران المتهامسين» والشخصيات البارزة من أصحاب السلاح الذين يتولون زمام الحكم وتحرسهم الكلاب. الجدير ذكره أن انتماءه لفترة قصيرة إلى الشيوعية ودعمه المعلن للقوى الجمهورية في اسبانيا واشمئزازه الذي طال قمعه من الطبقة الوسطى، خبرات استخلصها من «الشرف» الذي أرغم على الالتزام به. كتب في وقت لاحق: «كان ارتيادي المدرسة عاملاً أساسياً في جعلي أتبنى وجهات النظر السياسية اليسارية». قصائد غير موقّعةعندما بدأ جون سمارت في التدقيق في النسخ القديمة عن مجلة المدرسة أدرك أنه عثر على كنز ثمين من الذهب، ذلك أن بعض القصائد غير الموقعة ظهر في Juvenilia وهي مجموعة قصائد لأودن. بيد أن المحررة كاثرين بوكنل لم ترَ أبداً النسخ القديمة لمجلة «غريشام». «قرأت أنّ ثمة قصيدة مفقودة تحمل اسم «Sunset from Primrose Hill» وأدركت أنه ينبغي أن تكون تلك الموجودة في غريشام. فروبرت ميدلي عاش في منطقة بريمروز هيل Primrose Hill وغالباً ما ذهب أودن لزيارته وبقي هناك لبعض الوقت». بمعنى آخر، كانت تلك أكثر قصيدة حب مخبأة ومحفوظة بأمان في تاريخ الأدب، مع وايستان وروبرت معاً في وضع طاهر غير إباحي، في نقطة جامدة من هذا العالم المتحرك الذي يدور باستمرار (يتساءل سمارت إن كان يرد في هذه القصيدة للمرة الأولى في الشعر الإنكليزي ذكر قبعات الرجال الصغيرة المستديرة. فهي خير دلالة على الحداثة في شعر جورجيا التأملي الذي كان يتمحور حول الطبيعة آنذاك). في السياق نفسه، نظم سمارت قصيدة «Enchanted» التي تتماشى مع الأسلوب السائد عهدذاك بفضل سحرها الميثولوجي والمشاهد الريفية التي تتضمنها. لكن، كما يشير، كان أودن شديد التأثر بأبيات والتر ديلا ماري حول السحر والجن ولا يتطلب ذلك عبقرية لرؤية وايستان يصوّر في الخامسة عشرة بتردد مثليته الجنسية التي اكتشفها حديثاً من خلال مغامرته الليلية وتهدف إلى حماية الشخص الذي يحبه من «التنانين»، أي الخوف من كشف طبيعته الفعلية أمام أترابه وأساتذته الذين يعلمونه في المدرسة الداخلية ومدير مدرسته. أما القصيدة الثالثة «To a Tramp Met in the Holidays in Monmouthshire» فظهرت بعد سنة في المجلة، وكان هايوارد ترك المدرسة حينذاك. سمارت مقتنع أيضاً بأن أودن نظمها. يعتقد سمارت أن قصائد أخرى مدفونة في المجلات التي أصدرتها مدرسة غريشام في عشرينات القرن الماضي «لكنني لا أستطيع أن أثبت ذلك. ما الذي يثبت أن فلاناً نظم قصيدة معينة؟ مخطوطة موقعة؟ كل ما أستطيع فعله هو أن أظهر أن ثمة إثباتاً قوياً». نشر سمارت، حتى هذه اللحظة، القصائد قبل أن يفعل بعض تلامذة أودن البارزين في الولايات المتحدة أمثال البروفيسور نيكولاس جنكينز من جامعة ستانفورد وباكنل. وهو ينتظر ويراقب إن كانت ستضاف إلى مجموعة المؤلفات. يقول سمارت: «أنا متحمس للمضي قدماً. من غير المعقول ألا يكون كتب المزيد من القصائد في ذلك الوقت وهو ما لم يذكر في القصائد المدرسية». أودن: فصول وأبياتمنذ ديوانه «بويمز» في 1930 الذي نشر بعد سنة من مغادرته جامعة أوكسفورد، حلق أودن في فضاء الأدب مثل شهاب عصري. كان الإبداع عنوانه. حتى أن مجموعة جديدة من الشعراء البريطانيين أعلنت ولاءها لملك الشعر الصغير، المعجزة، الذي ظهر أسلوبه المتناقض، الهادئ والمؤلم، الصناعي والغنائي، الحديث والمتجذر في الماضي.أضحى أودن أسطورة بسرعة فائقة. وفي 1933 اتصف كل بيت يحاكي أعمال كاتب في منتصف العشرين بـ «الأودني». المذهل آنذاك في قصائد المراهقة التي اكتشفت مدرسة غريشام أنها سلطت الضوء على حياة أودن قبل دراسته في جامعة أوكسفورد بطريقة أكثر تواضعاً. تلك القصائد تصدر عن مقلد مراهق ماهر كسواه من المراهقين. يبدو أن قصيدة «Evening and Night on Primrose Hill» المجزأة تركت أثرها في أعمال الشاب ت. س. إليوت المدنية القوية كـ «the lighting of the lamps»، «Preludes»، «Women who come and go/talking of Michelangelo»، «The Love Song of J Alfred Prufrock». وبعد بروز هذا الأدب الطليعي انتقل أودن الشاب إلى المناظر والمواقف الرومنسية التي لاقت قبول الأساتذة الذين عايشوا الحربين. ذلك في قصيدة «To a Tramp…». هنا نستذكر عالم ووردزوورث، المنتزه الذي يضم فلاحين متفلسفين مستعدين دوماً لقول كلمات حكيمة للمتجولين في عالم الشعر. وإن كانت السطور الأولى من القصيدة تسمع صدى ديوان Lyrical Ballads وOld Cumberland Beggar فإن السطور الأخيرة مقتبسة مباشرةً من «Prelude». أما قصيدة «Enchanted» التي لا تزال مجهولة المؤلف فتبدو شبيهة بموسيقى أودن التي أسرت عقول الشعراء في العالم بأسره. وإن صح الأمر يكون أودن فقد سريعاً الاهتمام بالقصص السحرية الأدبية التي عرضت في هذا البيت. فلا نستشعر لمسة أودن في العالم الخيالي، رغم ذكر الفرسان الوحيدين والغابات الرائعة، كما هي الحال في النغمات الطربية والفظة في آن التي نسمعها من الهرولة الملحمية التي تأخذنا معه إلى الأماكن المظلمة حيث يختبئ السحر. إلا أنها أكثر شبهاً بالأبيات الرئيسية التي ألفها في صباه عندما رافق الوافد الجديد خطوةً خطوة كل من و. بـ. ييتز ووالتر دو لا مار.
توابل - ثقافات
أُكتشفت قصائده المفقودة في المئوية الأولى لولادته أودن... الفوضوي المهمل والرومنسي الرائع
19-09-2007