فيما لم تفلح الوساطات الفلسطينية في إيجاد مخارج لأزمة مخيم نهر البارد، باشر الجيش اللبناني أمس أوسع عملية عسكرية للقضاء على ظاهرة «فتح الإسلام»، بدعم محلي وفلسطيني وعربي ودولي، وتمكنت وحداته من التقدم في عمق المخيم، حيث دارت معارك ضارية استخدمت فيها كل أنواع الاسلحة.

Ad

شهد مخيم نهر البارد، في اليوم الثالث عشر على المواجهات، تطورات ميدانية مهمة، إذ تلقت «فتح الاسلام» ضربات قاسية، اثر العمليات التي نفذتها وحدات الجيش اللبناني المنتشرة في محيط المخيم، فبعد ساعات على الاشتباكات الضارية على مختلف محاور القتال والتي استعملت فيها مختلف انواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة اضافة الى المدفعية الثقيلة، احكم الجيش اللبناني سيطرته الميدانية على معظم أماكن وجود عناصر «فتح الإسلام»، وتمكنت وحداته من التقدم في عمق المخيم من الجهة الشمالية، حيث تمكنت وحدات اخرى مدعمة بالاليات والدبابات من ملاقاتها.

واصدرت قيادة الجيش بيانا مساء جاء فيه «تتابع وحدات الجيش اجراءاتها الميدانية حول مخيم نهر البارد لاحكام السيطرة على الاماكن والابنية التي يتسلل اليها المسلحون، بهدف ممارسة اعمال القنص على المراكز العسكرية والمدنيين، بحيث استطاعت قوى الجيش تدمير مراكز وجودهم والسيطرة عليها بالنيران وتشديد الطوق عليهم واحباط جميع محاولات التسلل، موقعة في صفوفهم العديد من الاصابات، في حين فر بعضهم وعمد الى الاختباء بين المدنيين متخذا منهم دروعا بشرية.

واذ تدعو هذه القيادة المسلحين الضالين الى تسليم انفسهم للعدالة، فإنها تؤكد اصرارها على مواصلة ملاحقتهم حتى تحقيق ذلك، وتطالب الاخوة الفلسطينيين بعدم تأمين أي ملاذ لهؤلاء المجرمين، والعمل على طردهم من بين المدنيين الابرياء».

 نهار ساخن في «البارد»

 وكانت الاشتباكات العنيفة تجددت صباحاً، بعد هدوء نسبي تخلله اطلاق نار متقطع خلال ساعات الليل، إذ ردّ الجيش بعنف على رصاص القناصة الذي استهدف أحد مواقعه، وافادت قيادة الجيش في بيان اصدرته الى ان مراكزها في محيط المخيم تعرضت لنيران المسلحين منذ الصباح الباكر، وقامت وحداتها «بالرد الدقيق والحاسم على مصادر النيران بالأسلحة المناسبة لردعهم عن التمادي في الاعتداء على قوى الجيش، متجنبة في الوقت نفسه ايقاع اصابات في صفوف المدنيين». وقد أدى ذلك الى قطع الطريق الدولية، حيث أقام الجيش اللبناني حواجز تفتيش بين طرابلس ونهر البارد.

وبعد ساعات من المواجهات العنيفة في مختلف محاور القتال في محيط المخيم وعلى مداخله الرئيسية الثلاثة العبدة والمحمرة وبحنين - تلة حكمون، حقق الجيش تقدما على ثلاثة محاور، من مداخل المخيم الشمالي والشرقي والجنوبي، وأحكم الطوق على مواقع «فتح الاسلام» بعد تراجع المسلحين الى مواقع خلفية، كما سيطر على الأبنية والاحياء التي كانت تستخدمها عناصر «فتح الاسلام» لاطلاق النار وللقنص منها على مواقع الجيش.

وردت عناصر فتح الاسلام بقصف القرى المجاورة للمخيم في «ذوق بحنين» والمحمرة والعبدة، واطلقت قذائف صاروخية وقذائف هاون باتجاه المحمرة مما ادى الى اصابة مواطنين، وعلى الاثر غادرت البلدة أفواج من الاهالي من نساء واطفال، في ظل اشتداد رصاص القنص الذي طال الاحياء السكنية.

ومع استمرار المواجهات العنيفة، احكم الجيش قبضته على المخيم، حيث توزعت اهدافه بين الشاطىء وخراج بلدة المحمرة وما يُعرف بالمربّع الامني الذي سيطر عليه مسلحو «فتح الاسلام» منذ وجودهم في المخيم، وتوغلت وحداته، مدعمة بالاليات والدبابات، الى أحياء المخيم الشرقية، وصولا الى مدخل السكة الحديد، في حين ركزت وحدات أخرى من الجيش قصفها على تحصينات فتح الاسلام من الجهة الجنوبية، فتمكنت بذلك من قطع طرق الإمداد والتواصل بين المجموعات المسلحة التي حاولت اعاقة تقدم الجيش.

على صعيد آخر، سيطر الجيش اللبناني على ثلاثة من ابرز المواقع العسكرية التي يتحصن فيها مقاتلو فتح الاسلام، وهي مراكز صامد والتعاونية والخان، ودكّها بالمدفعية الثقيلة من دون أن يدخلها تخوفاً من ان تكون مفخخة. وقرابة الرابعة والنصف، أحبط الجيش محاولة تسلل لعشرة عناصر من عناصر «فتح الاسلام» عند المدخل الجنوبي للمخيم في اتجاه بلدة بحنين- المنيه، وأوقعت وحداته عناصرها بين قتيل وجريح وأسير. كما عمدت الزوارق الحربية التابعة للجيش قبالة المخيم الى مراقبة اطراف المخيم منعاً لاي عملية تسلل او فرار عبر البحر.

وأشارت معلومات امنية الى ان شهيدين وعشرة جرحى هم حصيلة شهداء وجرحى الجيش اللبناني، في حين اوقع الجيش اصابات اكيدة في صفوف المسلحين تجاوزت الثلاثين جريحا، اصابة 13 منهم خطرة، اضافة الى 8 قتلى.

 تحييد المدنيين

 فلسطينياً، أكدت المواقف الصادرة دعمها لخطوة الجيش اللبناني، مطالبة بتحييد المدنيين. وفي هذا السياق، اكد ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي، اثر جولة قام بها شملت رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، والرئيس السابق نجيب ميقاتي، ومقر تيار المستقبل في الشمال وبلدية طرابلس، الاستعداد «لتنفيذ كل ما يطلب منا، لأن الأمن اللبناني هو امن فلسطيني، وكلما أخلصنا نحن لاستتاب الأمن كنا مسؤولين فعلا عن أناس يتعذبون على مدار السنوات». وعبر عن الثقة في الجيش اللبناني الذي يقوم بواجبه، لافتا الى ان المطلوب «إعطاء الأولوية للأبرياء وان يكون هناك حرص شديد على عدم تحميل سكان المخيم نتائج أعمال هذه العصابة الإرهابية».

من ناحيته، توقع ممثل منظمة التحرير الفلسطينية سلطان ابو العينين ان يكون انهاء ظاهرة فتح الاسلام قريباً، ورأى في ذلك «مصلحة فلسطينية –لبنانية». واشار الى ان «القصف الذي يقوم به الجيش ليس عشوائياً، ولم تطل مدفعيته الاحياء الداخلية، وهو مركز على مواقع هذه العصابة على الاطراف الشرقية والشمالية الشرقية للمخيم»، مؤكدا الحصول على ضمانات من قيادة الجيش والقوى السياسية لتحييد المدنيين».

كذلك، أعلن امين سر حركة «فتح» في الشمال بلال اصلان ان عناصر «فتح الاسلام» استولوا على مقرات «فتح الانتفاضة» في المخيم. وقال: «نحن نحافظ على مواقعنا والاماكن الموجودين فيها بطريقة تمنع عناصر «فتح الاسلام» من التقدم الى هذه المواقع والتغلغل فيها»، متمنياً من الجيش ان «يستمر بالقصف على مواقع فتح الاسلام فقط لنتجنب الخسائر المدنية».

وفي السياق نفسه، كررت اللجنة الدولية للصليب الاحمر الطلب من جميع الفرقاء «تحييد المدنيين والمرافق المدنية داخل المخيم»، وطلبت «السماح للطواقم الطبية والانسانية بالدخول الى المخيم بأمان من اجل ان تقوم بعملها الانساني والوصول الى الجرحى والمدنيين المحتاجين الى المساعدة الانسانية والطبية».

على صعيد آخر، استجوب قاضي التحقيق العسكري الاول رشيد مزهر اربعة موقوفين من فتح الاسلام مدعى عليهم من ضمن 20 موقوفا، وأصدر مذكرات وجاهية بتوقيفهم استنادا الى مواد الادعاء، ليصبح عدد مذكرات التوقيف الصادرة في حق الموقوفين عشرين مذكرة. كما يتابع مزهر التوسع في استجواب الموقوفين الآخرين.